لا أعتقد أن يتمتّع عربي واحد برؤية موضوعيّة للأحداث في الشرق الأوسط، مازال يُراهن على التفاوض مع الكيان الصهيوني لحلّ قضيّة فلسطين، لأنّ التطرّف قد بلغ أعلى درجاته في اسرائيل.. فقد انحاز النّاخب الاسرائيلي إلى «غلاة القومية الصهيونية»، وشجّع الذين يرفضون السلام مع العرب والفلسطينيين.. لذلك عاد «ناتنياهو» الذي يتزّعم حزب «ليكود» اليميني المتطرّف.. وهو الذي استأثر بتشكيل الحكومة.. وصاحب الرأي الفذّ، اذ هو يرى «اللاّجدوى» في قيام دولة للفلسطينيين: ويعتبر أنّ «تنمية المناطق» التي يقطنها الفلسطينيون تكفي وتعوّض «الدّولة المستقلّة» لفلسطين.. علما أنّ «ناتنياهو» الذي ترأس الحكومة سابقا، كان قد نال الكثير من سياط النّقد على «تطرّفه» الذي أساء لمصالح حكومة الدولة الاسرائيلية.. لكنّ الشعب عاد إليه اليوم... و»أفيغدوم ليبرمان» زعيم حزب «اسرائيل بيتنا» يمتلك آراء شديدة في مجال التطرّف و»اللاّواقع».. إذ يرى أنّ دولة اسرائيل يجب ان تكون «نقيّة» ولا يتأتّى ذلك الاّ «بتهجير العرب» الذين يوجدون في الأراضي الفلسطينية المحتلّة سنة 1948 إلى الخارج أمّا «تسيبي ليفني» زعيمة حزب «كاديما» (وهو المنشقّ عن حزب ليكود) وواحدة من صقور الصهيونية، فالانتخابات البرلمانية في الكيان الصهيوني جسّمت ما يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية أي أنّ التجربة والأحداث أثبتت أنّ «المترشحين» في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية والأوروبية ينجحون بإمتياز كلّما أمعنوا في التطرّف تجاه العرب والمسلمين، لذلك كانت الانتخابات الاسرائيلية فالأحزاب الاسرائيلية، وقادتها الذين «نجحوا» يتفقون جميعا على رفض «قيام دولتين اسرائيلية وفلسطينية، وهذا ما يحرج دعاة التفاوض والحل السلمي العرب... كما أنّ المبادرة العربية التي أطلقها القادة في قمّة بيروت والتي ردّ عليها في اليوم الموالي لصدورها، إريال شارون بدخوله المسجد الأقصى (بحوافره) دون خلع نعله.. والمؤسف أنّ العرب بقوا متشبثين بها، الاّ أنّ قمّة الدوحة التي عقدت أثناء العدوان الصهيوني على غزة هذه السنة، قد قرّرت تجميدها وتعليقها، وبدأنا نسمع من هنا وهناك أنّها ليست دائمة.. انّ الكيان الصهيوني دأب على المماطلة وعدم الوفاء بعهوده... وإذا أردنا التدليل على ذلك، وتصفّحنا، مثلا النص الكامل للإتفاق الفلسطيني الاسرائيلي الذي أُبرم يوم 23 أكتوبر 1998 في «واي بلانتيشن» بالولاياتالمتحدةالأمريكية، والذي عُرف ب «مذكرة واي رير» لوجدنا في أحد بنوده «يستأنف الجانبان فورا مفاوضات الوضع النهائي بوتيرة متسارعة.. وعليهما بذل جهود مضنية للتوصّل الى اتفاق قبل الرابع من ماي 1999... وستُجرى المفاوضات بلا انقطاع وقد أبدت الولاياتالمتحدةالأمريكية استعدادها لتسهيل هذه المفاوضات».... فأين هذه الوعود؟ وماهي نسبة الفائدة والخسارة لكلّ من العرب واسرائيل؟ لقد حقّقت اسرائيل من الاتفاق بل الاتفاقيات التي أعقبت «مدريد»و»أوسلو» الكثير من ذلك: التعاون الفلسطيني/الأمريكي لوضع خطّة لمكافحة الإرهاب (ويعني بذلك المقاومة). التعاون الفلسطيني/الإسرائيلي والأمريكي حول الأمن. مراجعة بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني أو إلغاؤها. عدم التحريض على العنف (أي المقاومة). مصادرة الأسلحة غير المرخّص فيها وبالتّالي تجريد عناصر المقاومة من السلاح. وما تعهّدت به اسرائيل ولم تلتزم بتطبيقه هو: تطبيق الاتفاق بعد 10 أيّام من توقيعه أي بعد 23 أكتوبر 1998. انسحاب اسرائيل أثناء الأسبوع الثاني من مساحة تقدّر ب: 2 من مساحة الضفّة الغربية. ما بين الأسبوع الرابع والسّادس بعد التوقيع تنسحب اسرائيل من 5 من مساحة الضفة الغربية. ما بين الأسبوع السادس الى الأسبوع الثاني عشر تنسحب اسرائيل من 6 من الضفة الغربية. إنهاء التفاوض حول الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية قبل يوم 4 ماي 1999. وهذا لم يتمّ تنفيذه من طرف كلّ الحكومات الاسرائيلية التي تعاقبت بمختلف ايديولوجياتها، فما بالك اليوم بعد ان تمّ التصويت على عظماء التطرّف من ذوي القلنسوات على الرّؤوس. وهنا أتساءل: هل فكّر الفلسطينيون وقادة العرب (المعتدلون) في هذا الواقع الجديد؟ وكيف سيتمّ التعامل معه؟ هؤلاء الزعماء الصهاينة، جميعهم يرفضون التفاوض الذي يفضي الي حلّ القضية الفلسطينية، فهم يرفضون قيام دولة فلسطينية وينادي بعضهم بتهجير جديد للعرب الموجودين داخل الأراضي المحتلّة سنة 1948. هل طالبهم رئيس دولتهم شمعون بيريز بواجب الإلتزام بالإتفاقيات التي أمضتها اسرائيل مع الفلسطينيين؟ هل اشترط بيريز على ناتنياهو بتغيير موقفه وفرض عليه الإلتزام بما أمضت اسرائيل من عهود؟ لماذا يشدّد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية على واجب الإعتراف بالاتفاقيات مع العدو الصهيوني؟ كيف يعترف الفلسطينيون باسرائيل وهي لا تعترف بهم؟ هل بقي لعبّاس أمل في التفاوض من أجل السلام؟ ألم يصرّح عديد المرّات أنّ الحلّ للقضية الفلسطينية بات وشيكا؟ ألم تطلب اسرائيل، ومعها مصر «هديّة» من حماس لمدّة سنوات قد تصل إلى 10 أعوام؟ ألا يدلّ ذلك أن الحلّ في الآجال القريبة والمتوسطة لا وجود له؟ ألا يمكن للمرء أن يأوّل، أنّ القادة العرب (المعتدلين) بمن فيهم السلطة الفلسطينية يرغبون في ربح الوقت في كراسيهم الى أن تنتهي الأعمار والذي (يبقى في الدار يدفع الكراء). إنّ تطرّف القادة الصهاينة يفرض مجابهته بمقاومة مسلحة تجعله يضيق ذرعا (بحرب استنزاف تنهكه).. أمّا قتل الأبرياء والمواطنين بالقصف الجنوني للجيش الصهيوني هو ضريبة الاستقلال والحريّة والكرامة.. ولا جدوى للإنتخابات البرلمانية الفلسطينية ولا جدوى لسلطة فلسطينية دون سلطة.. ولا جدوى لحياة الكراسي والمكيّفات والرخاء في ظلّ الإحتلال... والتطرّف الصهيوني لا يردعه الاّ تطرّف ومقاومة شرسة؟ فهل يوجد صدى ذلك في أجندة السلطة الفلسطينية وقادة العرب المعتدلين؟