جاءت اللجنة الوطنية لإعداد الحوار حول الإنتاجية بحرص من رئيس الجمهورية و هي تضم حوالي 70 شخصا من الجامعة ومنظمات وطنية و خبراء وذلك قصد الإعداد لميثاق وطني حول الإنتاجية لبلورة آراء و أساليب تسهم في الرفع من الإنتاجية وبالتالي التحسين في الدخل القومي الخام. نعرف الإنتاجية بطريقة مبسطة ليتسنى للقارئ العادي فهم المصطلح نشير الى انها مجموع الإنتاج و إنتاج الخدمات على كمية عناصر الإنتاج أو رأس المال و العمل. الأفكار و التجارب التي ظهرت عبر قدح الأفكار بين مختلف الكفاءات و التي لها باع من حيث التجربة و المستوى العلمي في موضوع الإنتاجية و الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع المعقد و الحساس هو النظرة الإستشرافية لرئيس الدولة على اعتبار أن التحسين في الإنتاجية يؤدي إلى الزيادة في القدرة التنافسية للمؤسسة التونسية على اعتبار أن الفائدة تعود على جميع أفراد المجتمع و في حسن توزيع الثروة بين جميع شرائحه يتحقق الرفاه الاقتصادي و العدالة الاجتماعية فالملاحظات التي جالت بخاطري حول المحاور المهمة هي على النحو التالي: قطاع الفلاحة وهو القطاع اليتيم مقارنة مع ما شهدته القطاعات الأخرى من تدفق الاستثمارات و البحث العلمي دون أن نغفل التشجيع سواء في باب التشريع و التشجيع الضريبي في مجال الاستثمار في القطاع و دون أن نجحد في حق الدولة و ما بذلته المجموعة الوطنية في هذا القطاع ولكن النتائج لم تكن في المستوى المأمول فالاستماع المفرط للدراسات والتدابير الصادرة من مؤسستي البنك الدولي و صندوق النقد العالمي على أن تتخلى الدولة عن دورها الأساسي لتأمين الموارد الأساسية و أن السوق سيوفر تلك المواد بأثمان زهيدة تغنينا عن التكلفة المرتفعة لتلك المواد الحياتية المهمة وبالتالي حماية أفرادها من الجوع والفقر أثبتت الأزمة الغذائية أن هذا التمشي هو لمصلحة رأس المال العالمي المتكالب على الربح الذي أثبت أنه أكل نفسه بنفسه وما الأزمة المالية الحالية إلا شاهد على ذلك والبنك الدولي مازال يقدم النصائح و يتحدث بنفس الأسلوب و نفس المنهجية دون النظر إلى الخصوصيات المتعددة ولكن الدواء لهذه الاقتصاديات هو نفسه للجميع وكأني بالعاصفة المالية الحالية لم تمر بالمؤسستين واللتين بعثتا في الأصل للقضاء على الفقر و النهوض بالتنمية خاصة في البلدان السائرة في طريق النمو. كانت تونس تعمل في القطاع الفلاحي على الاكتفاء الذاتي وبينت لنا الأزمة الغذائية بأنه من الواجب أن نعمل في قطاع الفلاحة على أنه قضية حياة أو موت و علينا أن نغير من إستراتجيتنا في هذا القطاع الحيوي والمهم. والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين وتصحر الريف في ولاية الكاف إلا شاهد على أن القطاع لا يحظى بالاهتمام اللازم رغم تشجيع الدولة و لا بد لنا أن نعيد صياغة الإستراتيجية في هذا القطاع. اللافت للإنتباه الأجر الأدنى الفلاحي المضمون دائما أقل من الأجرالأدنى الصناعي المضمون لماذا؟ ألم يحن الوقت لمراجعة هذا الحيف في حق العامل الفلاحي ثم التصنيف المهني الذي يشتمل على ثلاثة أصناف مع أن المهن الفلاحية تطورت بصفة واضحة للعيان على البنك الوطني الفلاحي أن يعود لدوره الرئيسي لمساندة القطاع وتطوير البحوث و الاستثمار. فالبنى الأساسية التي تتشكل من المياه و الكهرباء و المحافظة عليها و حسن استغلالها أصبحت من العناصر الأساسية لحياة المجتمعات العصرية و عاملا أساسيا و ضروريا لمحاربة الفقر و لا يمكن للقطاع الخاص ان يطلع و يؤمن هذه الخدمات الحياتية. الدولة أعطت الأهمية اللازمة للبيئة و التطهير و المحيط و السؤال الذي يطرح نفسه أين دور القطاع الخاص و مكونات المجتمع المدني في هذا المجال؟ تقوم الجهات المختصة بتطهير 200 مليون متر مكعب من المياه لا نستغل منها إلا 50 مليون؟ و على الدولة أن تنظم هذا القطاع بدءا بالموارد المائية إلى الإنتاج الغذائي و العلفي في القطاع الخاص والعام على حد سواء و على الدولة أن تضمن و تؤمن العيش الكريم لأبنائها كافة لا أن تبقى رهينة المضاربات في الأسواق العالمية كما أثبتته الأزمتان الغذائية والمالية و علينا مثلا أن نطرح عديد الأسئلة: ماهو احتياطنا في العلف على سبيل الحصر لا الذكر؟ البنى التحتية رغم المجهود الجبار الذي يبذل في هذا الجانب تطورت الجهات الساحلية و أنا هنا أشيد بما تحقق لكن الداخل الغربي بشماله ووسطه وجنوبه ألم يحن الوقت ليصبح رافدا لجهات الساحل بشماله ووسطه و جنوبه ؟ لماذا لم يقع تطوير الطرق الوطنية والسيارة على الطريقة الأفقية باعتبار أن عرض البلاد التونسية في المعدل لا يتجاوز 250 كلم و تصبح المناطق الغربية للبلاد مخزونا إضافيا في الأراضي العقارية فكلنا يقر بتآكل الرصيد العقاري للأراضي في التجمعات السكنية و العمرانية الكبرى ألم يحن الوقت للتفكير في عاصمة سياسية جديدة تستجيب لمتطلبات الحداثة الرقمية؟ من حقي أن أحلم و لا يمكن لأي كائن كان أن يمنعني من الحلم! تطوير الأسطول البحري و الموانىء أصبح ضرورة حتى ندخل في منظومة الطرق السيارة البحرية ولماذا تأخر نداء العطاء لميناء النفيضة و هو من الموانئ ذات المياه العميقة والتي ستساهم في تقليص الكلفة لأن العمل على تحسين الإنتاجية يهدف حتما إلى رفع الكفاءة و القدرة على المزاحمة وفتح الفضاء الجوي و تمكين السياحة التونسية من المحافظة على نصيبها في الأسواق العالمية و تطويرها؟ اللوجستيك و ما له من أهمية حيث تبين أن أسطول الشاحنات العائدة دون حمولة تقدر ب 50 وهو ما يمثل فاتورة استهلاك إضافية للطاقة و المشاركة في اكتظاظ الطرق و الحوادث و هو ما يدعوني إلى الاقرار بأن الموضوع يمكن حله إذا توفرت الإرادة السياسية و النقابية المهنية و الإدارية و ذلك بخلق مؤسسات لوجيستيكية في الجهات للحد من الهدر في جميع المجالات. أما موضوع التكوين و الموارد البشرية فهو موضوع مهم و أغلب المؤسسات هي في الحقيقة تدير الشؤون الاجتماعية و لا تدير الموارد البشرية و لا بد من إعادة النظر في هذا المحور الأساسي و إعداد إستراتيجية تبنى على الموروث و متفتحة على محيطها الإقليمي والدولي والعمل على أن تصبح منظومة التكوين المهني مستقلة لها شرعيتها و تتناغم مع منظومة التربية والتعليم ولا تأخذ شرعيتها منها كما هو الحال اليوم بمعنى أن نعيد إلى العمل قيمته و أن نعيد بناء ثقافة المعلم و صاحب الصنعة كأمين السوق في جميع المهن مع العلم أن الكثير منها مهدد بالاندثار إذا لم يقع التكوين اللازم لذلك والمحور الرئيسي في كل هذا هو الابتكار و التجديد و المبادرة. في هذا المجال لا بد للقطاع الخاص أن يقوم بدوره و أن تفتح المؤسسات أبوابها أمام الطلبة للقيام بالتربصات الضرورية على غرار ما تقوم به المؤسسات العامة و أما على المستوى الجهوي فاللامركزية بقيت على مستوى الشعار و لم يقع التعامل معها على أرض الواقع بحيث يجب علينا الخروج من السياسي إلى الإداري البحت و يكون تقسيم جديد يعتمد على الجهة المستقلة عن المركز في البرامج والميزانية و التنفيذ و يقع انتخاب المسؤول أو رئيس الجهة حسب برنامج لمدة معينة 4أو 5 سنوات و سكان الجهات هي التي تقوم بالمحاسبة السياسية للمسؤول دون أن ننسى دور الهياكل الجهوية في الرقابة و التقييم . أما خدمات البنى التحتية مرتفعة المر دودية و المؤمنة و الموثوقة فهي ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة و شرط أساسي لتحقيق الأهداف الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية و قد شاهدنا محاولات عديدة لخصخصة هذه البنى التحتية . إلا أن القطاع الخاص لا يمكنه تشغيل المرافق من دون تحقيق الأرباح وبالتالي فإن الخصخصة لا يمكنها أن تؤمن هذه البنى والخدمات و عليه فإن دور الدولة بعد هذه الأزمات أصبح ضرورة حياتية دون أن ننسى دور المراقبة. فالمياه و دورها اللصيق بالصحة لهما علاقة مفصلية و لا يمكن فصل الأولى عن الثانية، مياه ملوثة غير صالحة للشرب و ما ينجر عنها من أمراض وبالتالي ضمان أن تكون المياه حق من حقوق الإنسان وإدارتها إدارة عامة مبنية على المشاركة كما الكهرباء أساسية لعصرنة المجتمعات و استئصال الفقر وقد فشلت شروط المنافسة ضمن السوق فشلا ذريعا حتى في البلدان الرائدة في الخصخصة. القطاع الخاص يطالب بضمانات طويلة الأمد وبعائدات مرتفعة و ما تجربة الإنتاج الخاص في تونس إلا شاهد على ذلك والكل يطالب بعائدات مرتفعة بسبب الكلفة الباهظة لبناء معامل أو مراكز التوليد و شبكات النقل والتوزيع إذا يبرز دور الدولة أو المجموعة الوطنية في أن تضطلع بدورها إلى جانب دعم الأكاد ميين الذين يمكنهم المساعدة في المجالات كافة بالأبحاث واستنباط الطرق العلمية الكفيلة بالاستعمالات الرشيدة و الشفافة. أما الصيانة بمختلف أوجهها المتعددة فقد بدا اهمال الحاصل في مستوى تعهد البنايات العامة والحكومية إلى الصيانة المعملية و التبذير الرهيب في جميع المستويات الوطنية والجهوية كما ان كل المحاصيل يمكن أن تتلف لأننا لم نعط الصيانة ما تستحق من العناية وفي أغلب الحالات لا نضع الأشخاص المؤهلين بل يقع الزج بكل من هو مغضوب عليه و لا نقوم بتكوينه حتى تقع الاستفادة منه فلنتساءل: هل قمنا بدراسة في هذا المجال لتحديد الخسائر في مختلف منتوجات من القمح والغلال إلى آخره...؟ التكنولوجيات الحديثة ما تم إنفاقه في هذا المجال لا يعكس في الواقع حسن استعمال الوسائل و المعدات باختلاف أنواعها فعدد المنخرطين (ADSL 250 000) مازال لا يفي بالحاجة فرغم إحداث مراكز وأقطاب متطورة وأمام سرعة الابتكارات و الخلق و الإبداع لا نزال في أول الطريق دون الدخول في المقارنات مع بلدان شبيهة أو وضعها يماثلنا مازالت أسعار استعمالات وسائل الاتصال الحديثة مكلفة مما يحد من انتشارها و بالتالي الرفع من عدد مستعمليها و فسح المجال أمام جمهور عريض قد يمكّن الأمة من اللحاق بالأمم المتقدمة فهي آلية علمية تساهم حتما في تحسين الإنتاجية. برنامج التأهيل هذا البرنامج قامت به الدولة وشمل المؤسسات الصناعية علي أن هدفه كان يُعنى بالمؤسسة و محيطها الا أن الواقع غير هذا فإذا زار أحدنا المناطق الصناعية سواء في الداخل أو في المناطق الساحلية يشاهد الإهمال الذي طال أغلب المناطق الصناعية لأننا لم نعط الصيانة ما تستحقه من العناية اللازمة و لو أن الدولة لم تقم بهذا البرنامج ماذا كان حال الاقتصاد؟ السؤال مطروح ويجرنا الى أسئلة أخرى. برنامج تقرره وتقيمه الدولة الى متى سيستمر و بأي منهجية ولماذا لم يشمل الفلاحة و السياحة؟ على أن المقاربة يجب أن تكون شاملة و متكاملة وعلى القطاع الخاص الذي حصل على عديد الامتيازات أن يعاضد الدولة في المجهود التنموي و إعادة ضخ بعض الأموال من المرابيح لتطوير المناطق و البلديات المنتصبة بها.