من أين يمكن أن ننفذ إلى تاريخ رجل مناضل ، رمز، بطل انجازاته لاتحصى ولا تعد ، ونضاله شكل درسا بليغا في تاريخ الحركة النقابية والوطنية ،جعله يتحول إلى مدرسة متفردة في كل شئ أثرت نضالية الاتحاد العام التونسي للشغل وزادت من حصانته وأدت إلى تطوره واستقراره. إنه الزعيم النقابي الفذ الحبيب عاشور ، حبيب النقابيين والشغالين الذي أهدى شبابه وكهولته لمنظمته العتيدة وآثر بشجاعة منقطعة النظير أن يلتحف في وقت مبكر غطاء السجون وأن يتذوق طعم التعذيب والحرمان والترهيب في سبيل أن يحيى العامل حرا كريما، وسيد نفسه .ألم يقل حشاد، «الكرامة قبل الخبز»؟ وألم يجسد عاشور العنيد هذا المبدأ أحسن تمثيل من اجل حياة فاضلة وكريمة لكل الشغالين؟ نعم هكذا تبدو دوما حياة العظماء والمتفردين خصوصا لما يكونوا من النقابيين والملتحمين بهموم الشعب والرافضين لبذخ الحياة على حساب العمال ومن الطبيعي أن يحظى المناضل والزعيم النقابي المرحوم الحبيب عاشور بكل هذا التقدير والحب والاعتراف بالجميل من قبل كل النقابيين والشغالين دون استثناء حتى أن ذكرى وفاته تحولت إلى مناسبة يتدافع فيها كل من عاشره وساير نضالاته وصولاته النقابية والوطنية للترحم على روحه الطاهرة واستحضار ذكريات خالدة عن كفاح هذا الزعيم الفذ، وقد أردنا من هذا «البورتري» في جريدة الشعب أن يكون لمسة وفاء حقيقية عنوانها: (مثلك لا يغيب يا زعيم)، وهذه لمحة موجزة عن المسيرة النضالية للزعيم الحبيب عاشور. ولد الحبيب عاشور سنة 1913 بقرية العباسية من جزيرة قرقنة. مارس العمل السياسي والنقابي في عمر مبكر، حيث انخرط منذ شبابه في الحزب الحر الدستوري وفي نقابة ال : س ج ت وذلك منذ سنة 1934 وقد كان ينشط إلى جانب الزعيم الخالد فرحات حشاد ومجموعة خيرة من المناضلين النقابيين والوطنيين. يعد الزعيم الحبيب عاشور من المؤسسين الفاعلين للنقابات المستقلة بالجنوب التونسي إلى جانب الشهيد حشاد العظيم. سنة 1946 شهدت التأسيس الفعلي للاتحاد العام التونسي للشغل وتم انتخاب الشهيد فرحات حشاد أمينا عاما والزعيم عاشور عضوا في المكتب التنفيذي الوطني. ارتبط أول إضراب في تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل باسم الحبيب عاشور وذلك بسبب تضييق الخناق على العمال من قبل أرباب العمل كعقوبة لهم على انخراطهم في الاتحاد. تلازم النضال النقابي للزعيم عاشور مع النضال الوطني وقد تجسد هذا التلازم في أبهى صورة يوم 5أوت 1947 بصفاقس وذلك حين قاد عاشور أول معركة دامية بين الاتحاد والسلطات الاستعمارية في معركة 5 أوت التي أصيب خلالها زعيمنا وقتل فيها 32 عاملا . يوم 19 جانفي 1948 بدأت رحلة الزعيم الحبيب عاشور مع الاعتقال والسجون ، ففي هذا التاريخ تم اعتقاله على خلفية نضاله النقابي وإحباطه محاولة لإلقاء القبض على الزعيم الحبيب بورقيبة الذي سهل له الزعيم عاشور مهمة الهرب إلى الشرق انطلاقا من جزيرة قرقنة . وقد حوكم من قبل السلطات الاستعمارية بخمس سنوات مع الأشغال الشاقة عرف عن الزعيم عاشور قيامه بدور فاعل ومحوري وأساسي في تأليب الجماهير وشحنها وهو ما سهل اندلاع الثورة ودحر المستعمر. لم تتوقف رحلة الزعيم الحبيب عاشور مع الاعتقال والزج في السجون حتى بعد الاستقلال حيث حوكم مرة أخرى بسبب القضية التي اصطلح على تسميتها بباخرة قرقنة وذلك سنة 1965 بستة أشهر مع النفاذ العاجل. كما شكلت أحدات 26 جانفي 1978 منعرجا في تاريخ الزعيم عاشور الذي حوكم بصفته قياديا نقابيا ولكن حوادث قفصة سارعت في الإفراج عنه .هذا وتعد سنة 1985 آخر حلقة من حلقات تعرض الزعيم عاشور للاعتقال وذلك على اثر خلاف بين الاتحاد والحكومة. اقترن الاستثنائي للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقد بالبلماريوم سنة 1970 بعودة الزعيم عاشور إلى قيادة الاتحاد تماما مثل سنة 1981التي شهدت عودته اثر اجتماع المجلس الوطني. هذا التاريخ النضالي المشرف للزعيم الحبيب عاشور جعله يحظى مع التحول السياسي الذي عرفته بلادنا يوم 7 نوفمبر 1987 برد الاعتبار له كرمز سياسي ونقابي قدم الكثير من التضحيات لهذا الوطن العزيز. فجعت الأوساط النقابية والسياسية يوم 14 مارس 1999 بوفاة الزعيم الفذ الحبيب عاشور بعد عطاء بلا حدود جعل الاتحاد عنده لا ينفصل عن الوطن وليت البعض يفهم مغزى هذه الرسالة . رحم الله الزعيم الوطني والنقابي الحبيب عاشور.