وزير السياحة: 80 رحلة بحرية أي قرابة 220 ألف سائح اختاروا الوجهة التونسية    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    الرابطة 2.. النتائج الكاملة لمباريات الجولة 20 والترتيب    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بعد انفصال لعامين.. معتصم النهار يكشف سبب عودته لزوجته    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بطولة المانيا: ليفركوزن يحافظ على سجله خاليا من الهزائم    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    القلعة الكبرى: اختتام "ملتقى أحباء الكاريكاتور"    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    كاردوزو يكشف عن حظوظ الترجي أمام ماميلودي صانداونز    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيادة النهضة توحد صفوف قواعدها بايديولوجيا "في سبيل الله"! (حوار مع الاستاذ مراد العبيدي)
نشر في حقائق أون لاين يوم 30 - 06 - 2014

في حركة النهضة ذات المرجعية العقائدية الاسلامية الاخوانية، قلّما تجد عضوا قياديا أو قاعديا يكون منتقدا بصوت عال خارج جوقة الموالين لزعيم الحزب راشد الغنوشي وقراراته بما فيها وما عليها من هنّات وعلاّت. ومن يحيد عن هذه القاعدة عادة ما يكون مصيره في أفضل الحالات التهميش والحشر في الزاوية تمهيدا لخروج مرير على شاكلة استقالة الأمين العام حمادي الجبالي.
في هذا الحوار غير التقليدي مع الأستاذ المحامي مراد العبيدي ،عضو المكتب القانوني للنهضة لامسنا خروجا عن السرب ونقدا جريئا يقلّ نظيره في الصف الاخواني. يجدّف العبيدي، رجل القانون خارج النسق السائد صلب الحركة التي تسعى دائما لمداراة مشاكلها الداخلية الخامدة والمؤجلة نتيجة هيمنة شقّ على مراكز القرار يخشى المحاسبة وفتح دفاتر "محرقة التسعينات".
ما وقع من أخطاء داخل النهضة طوال عقدين أعطى كما يرى محدثنا لبن علي التعلّة الواهية لحكم البلاد "بالحديد والنار" تحت يافطة "مقاومة المدّ الظلامي" و"حماية المكاسب الحداثية".
عديدة هي التساؤلات ونقاط الاستفهام التي طرحناها على ضيفنا(بالمناسبة هو شقيق النائبة بالمجلس الوطني التأسيسي عن النهضة فريدة العبيدي). ومن بين هذه المواضيع الشائكة نذكر خاصة اشكالية تقييم حصيلة تجربة الترويكا في الحكم، والواقع والمستقبل السياسي لحركة النهضة لا سيما غداة زوال الجليد الذي اعترى علاقتها بنداء تونس التي ترشحها استطلاعات الرأي لمقارعتها ومنافستها على دواليب الحكم وتواتر حديث في الكواليس بخصوص امكانية قيام تحالف استراتيجي فيما بينهما.
وفي ما يلي النصّ الكامل للحوار المطوّل الذي يكشف النقاب عن أسرار وحقائق هامة:
* الأستاذ العبيدي بمعيّة عدد من المحامين اليساريين خلال مظاهرة 14 جانفي 2011 أمام مبنى الداخلية
بداية كيف يمكن أن نقدّمك إلى السادة القرّاء؟
الأستاذ مراد العبيدي،محام وسجين سياسي سابق،عضو المكتب القانوني لحركة النهضة. هذه هي تقريبا الصفة الوحيدة التي أملكها حاليا في الحزب.فضلا عن كوني ناشطا حقوقيا.
علاقتك بالنهضة شهدت فتورا خلال الفترة الأخيرة بعد أن كنت في مقدمة الناشطين صلبهاغداة قيام الثورة.هل هذا يعكس موقفا منك تجاه التمشي الذي انتهجته خلال فترة الحكم وبعدها؟
أنا أريد التأكيد على مسألة معينة وهي أنك حينما تكون منتميا إلى منظومة معينة أو حساسية حزبية ويحدث أن يكون الأداء السياسي ليس على هواك، بمعنى أنّه لا يلبي الارادة والغاية التي تصبو اليها رغم السعي الحثيث من أجل ايصال صوتك، فانك تشعر حينئذ بأنّ تجربتك التي ناضلت من أجلها لم تفلح في أنّها تحقّق الأهداف المنتظرة.
شخصيا اعتقدت بعد 14 جانفي، في إطار حركة النهضة حينما كنت موجودا في جميع زواياها ومراكز القرار فيها، انّه بالامكان ان اقوم بايصال فكرة معيّنة أؤمن بها قوامها أنّنا قد قمنا بثورة كاملة وليس نصف أو ربع ثورة، تجاه لون معيّن واضح المعالم وبيّن الدلالة مصدره وتاريخه معلومان وصفته كذلك. لكن لاحقا قمنا باعطاء هذه الثورة مقاييس أخرى وصرنا نفلسفها فأصبحنا نشعر وكأنّنا نحن من قام بهذه الثورة ضدّ أنفسنا. يعني غدونا نحن أعداء الحرية والحقّ والثقافة وانعتاق الفكر لذلك يجب ان نثور على ذواتنا(يبتسم ساخرا).
المشهد هنا انقلب رأسا على عقب فأصبح وكأنّ الثورة لم تكن موجهة ضدّ نظام بن علي وأتباعه وأنصار الحزب الشمولي التجمع الدستوري الديمقراطي الذين تمّت اعادة رسكلتهم وضخّهم من جديد وأعيد انتشارهم.
وبماذا تفسّر هذه المفارقة؟
الأداء السياسي للقوى الثورية كان مخالفا تماما لأهداف الثورة.
من هم الثوريون؟
الثوريون هم الذين أعطاهم الشعب ثقته وحركة النهضة جزء من هؤلاء. المؤتمر هو كذلك حزب ثوري والتكتل ينسحب عليه نفس التصنيف. وكذلك حزب العمال الشيوعي الذي يقوده حمّة الهمامي هو واحد من أهم الحساسيات السياسية التي تمثّل تيار الثورة.
أنا أعتقد انّ جميع الفصائل الثورية التي عاشت تعارض وتناضل ضدّ نظام بن علي هي تصنّف في خطّ الثورة. حزب نجيب الشابي(الحزب الديمقراطي التقدمي/الجمهوري حاليا) هو أيضا من المناضلين في الفترة السابقة ومن الذين لم يبيعوا ولم يشتروا مع بن علي. ولكن للاسف أداؤهم الثوري كان فيما بعد هزيلا وضحلا. هناك بون شاسع. فقد كنّا نعتقد أنّ هذه الأحزاب هي محيطات سياسية فإذا بها تحوّلت إلى مجرد خلجان.
لونحدّد المسؤوليات، بين من كان في الحكم والآخرين الذين تمترسوا في المعارضة، من هو المسؤول الأكبر عن كلّ هذا؟
أعتقد أنّ من حرّك خيوط اللعبة السياسية وقام بتنشيط الآلة هو الترويكا والمعارضة على حدّ السواء.وهو ما أنتج منتجا هجينا ممسوخا مسخا سياسيا يتجلّى في حركة نداء تونس وفي المنظومة التي باتت تشتم وتقدح في الثوريين وتلعن الثورة. أنا أعتبر أنّ القوى الثورية كلّها مسؤولة عمّا وصلنا إليه. هو تفاعل كيميائي سياسي بين الترويكا والمعارضة ، التي كانت أصلا في خطّ الثورة ، أفرز مساحة واسعة جدّا لعودة القديم.
وأين تكمن مسؤولية حركة النهضة التي كانت ماسكة بدواليب الحكم؟
هنا أقول انّ هذه هي أوّل فرصة أعلن فيها عن رأيي. أنا لا أخفي انتمائي لحركة النهضة وكنت عضوا في لجنة اعداد المؤتمر وكنّا نعقد اجتماعات بشكل أسبوعي ونؤكد على شيء بامكانه أن يوصلنا إلى مستقبل سياسي هو مراجعة الماضي للوقوف عند مواطن الخطإ ومن قرّر قرارا خاطئا أنتج نتائج مؤثرة في حياتي وفي مستقبلي الذي أودي به إلى السجون وإلى محرقة سياسية عرفتها تونس على مدى عقود.
تقصد فترة التسعينات؟
نعم أقصد هذه الحقبة التي قضيت فيها مدّة 10 سنوات تحت المراقبة الادارية فضلا عن الفترة السجنية التي اعتبرها فصلا من العبودية عشتها بآلامها وأتعابها. مثلما أسمع عن العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية في وقت ما، أنا عشتها تماما لأنّني كنت على ذمة جهات هي مسؤولة عن حريتي المستلبة آنذاك ومن كان يملكها وقتئذ أنا كنت عبدا له.
وما الذي حال دون حصول هذه المراجعات الموضوعية للدفع نحو تحقيق عدالة انتقالية داخل حركة النهضة؟
النهضة لم تكن في الحقيقة على قلب رجل واحد.هي كانت حركات داخل حركة واحدة لأنّها كانت مجموعات وفرقا سياسية وتوجهات متباينة. وأنا كنت ضمن توجه دفع نحو قراءة الماضي بشكل صحيح موضوعي من أجل تحييد كلّ من ضلع في الحقبة السياسية السوداء التي سقطت فيها تونس والنهضة داخل السجون والمحارق. فقلنا نحن انّ الأشخاص الذين يثبت انّ قرارهم السياسي كان خاطئا بكلّ أدب ولباقة نقوم بتحييدهم عن المسؤوليات ومراكز القرار داخل الحزب.
ومن في اعتقادك من القياديين الحاليين الذين يجب تحييدهم؟
لا أعرفهم بالاشخاص والاسماء ولكن أكيد الذين كانوا في القيادة مطلع التسعينات يعرفونهم. الذي قرّر تحرير المبادرة يعلم هويتهم.
وهل الأستاذ راشد الغنوشي من بين هؤلاء؟
الشيخ راشد الغنوشي هوعهدئذ كان على رأس الحركة فلا بدّ أن يعلم وإن لم يكن يعلم فيسأل عن عدم علمه. لا بدّ أن يعلم هذا أمر لامراء فيه. كيف لشخص يرأس حركة مثل النهضة ولا يعلم بخفايا الأمور؟. أنا أعتقد أن الشخص الذي كان ينصت إلينا أكثر هو الشيخ راشد الغنوشي ويوافقنا في السعي إلى البحث عن الحقيقة لانتاج منتج سياسي يشارك فيه من لم يضلع في القديم وفي المآسي القديمة. هناك من ضلع سياسيا في الحقبة السوداء بشكل ايجابي وهناك من ضلع بشكل سلبي. انه الذي صعد فوق الربوة واعتبر أنّه ليس من النهضة وجمّد عضويته. هو كان شريكا وفاعلا سياسيا لانه أعطى رخصة لبن علي حتّى يؤبّد المأساة على الحزب وقواعده.
من تقصد بالضبط؟
أنا لا أريد أن اذكر أسماء بعينها. هناك ألوان أو طيف لو يفتح الكتاب ستتمكن حينئذ من معرفتهم. أنا لا أعرفهم وأدافع الآن عن خيار البحث عن فهم الماضي لمعرفتهم. أنا في تلك الفترة كنت تقريبا شابا في نفس عمرك الحالي ولم يكن لي دور قيادي بل كنت مناضلا قاعديا في الجامعة حينما أسمع عن قرار بالتجمّع العام أذهب لأتجمّع. يتناهى إلى مسامعي قرار يحثّ على الصدام والثورة أو الاعتصام فأنفذ. يجب فتح الدفاتر القديمة لنعرف من كان يقرّر وأنا لا أظنّ أنّ حركة بحجم النهضة لا تملك دفاترها القديمة. ولكن كانت هناك آراء ومسؤولون حالوا دون حصول كلّ هذا. هؤلاء يرون في فتح الماضي تأليبا سيعود بالمضرّة على مشروعنا السياسي وهو ما من شأنه أن يفسد الحظوة لدى الشعب. للاسف هذا التوجه كان غالبا في النهضة لذلك أنا لا أريد أن أكون مفسدا للشأن السياسي صلب الحركة. هناك من انزوى أو استقال وانبرى لسبّ الحركة وأنا للأمانة لست من هؤلاء فقد اخترت أن أكون معارضا داخل النسق وليس خارجه.
ولكنّ النهضة تسوّق نفسها اليوم على أنّها حزب قام بمراجعات عميقة ونقد ذاتي من أجل طي صفحة الماضي بأخطائه ومآسيه؟
من قام بمراجعات هو الشيخ راشد الغنوشي دون غيره. وقد أعلم المحيطين به بالنتائج والاستنتاجات التي خلص إليها. وهؤلاء الملتفون حول الشيخ راشد الغنوشي اقتنعوا بهذه المراجعات أحبّوا ذلك أم كرهوا ثمّ هم لا نعلم إن كانوا من بين المهندسين السياسيين للمرحلة السوداء أو غيرهم. هؤلاء في حدّ ذاتهم لهم قسط من المسؤولية. لذلك أنا أقول انّ فتح الدفاتر القديمة سوف يحدث نوعا من الفرز أرى أنّه سياسيا هو الأسلم سواء داخل الأنساق أو خارجها.
تزكية الشيخ راشد وإبقاؤه على رأس الحركة بعد المؤتمر التاسع هل ترى أنّه كان قرارا صائبا من قواعد ومناضلي النهضة؟
صائب أم لا ، صراحة لست أنا من أقول هذا.
لديك رأي ووجهة نظر على الأقل؟
أنت تحملني إلى ملاعب أنا لم أكن أريدها صراحة لأنّه في حال ما لم أوافق مثلا على برنامج تربوي معيّن لاحقا لا يحقّ لك أن تسألني عن نتائج هذا المنهاج هل كان سليما أم لا.هذا الخيار يسأل عنه من قام باختياره. أنا أعتقد أنّ التمشي الأنسب هو أنّ النهضة لا تستطيع أن تتقدّم إلاّ بعد أن نراجع أنفسنا لمعرفة من أخطأ ومن أصاب. من أخطأ وضلع في المحرقة يجب أن يحاسب. هذه عدالة انتقالية يجب تكريسها. فنحن إذا كنّا نطالب بالعدالة الانتقالية على مستوى وطني فمن المفترض أن نقوم باخضاعها سياسيا داخل الحزب. أنا شخصيا خسرت من عمري 10 سنوات اصطبغت بالعذاب النفسي والارهاب البسيكولوجي وتوفيت والدتي ثمّ والدي.(يروي ذلك متأثرا) . أميّ رحمها الله كانت تحمل القفة البلاستيكية ولا تعلم أين ستكون وجهتها. كان لديّ أخت مسجونة في المسعدين سوسة وأخرى في بلاريجيا بجندوبة وأنا في الكاف. هذه الأمّ من يستطيع أن يعيد لها الآن حقّها في العدالة الانتقالية ؟ هذه المرأة المتوفاة منذ سنة 1999من حقها أن تعرف الحقيقة في إطار العدالة الانتقالية التي يجب أن نمارسها ليس فقط على بن علي والمورطين في ممارسات نظامه بل أيضا على أنفسنا داخل النهضة. إذا كانت العدالة الانتقالية تقتضي تكريسها خارجيا على مستوى وطني فيجب أيضا أن نفعلها على ذواتنا صلب الحركة. هذا هو الانسجام مع النفس ومع التوجه السياسي.
أنّا أقول ان هناك من ضلعوا ومازالوا يمارسون قيادة السفينة. أنا أذكر أحد الأصدقاء على نفسي وهو محمد الحمروني كتب افتتاحية في صحيفة الضمير في لحظة من لحظات الوعكات السياسية في أيّام الترويكا عنونها بحديث السفينة. في ذلك الظرف هناك من كعادته قفز من السفينة في أوّل خطر واصبح يدين في أي جنرال لأنّ قائد السفينة مهما حصل لا يجب أن يلقي بنفسه الأوّل بل الأخير فهو في الغالب يموت ويعزف نشيد النصر حتّى أمام الموت. ولكن نحن في النهضة لدينا قافزون من السفينة .هم من القيادة و نجدهم دائما في المشهد القديم وحتّى في الجديد.
في اعتقادك ماهي أبرز الأخطاء التي ارتكبتها النهضة إبّان فترة حكمها؟
أنا لا أقول أبرز الأخطاء بل أذهب إلى اعتبار أنّه كلّما كانت هناك سياسة في حكومة النهضة أو في المعارضة هي أخطاء. لأنّك أنت(يقصد الترويكا وأحزاب المعارضة الجديّة زمن بن علي) منتج ثوري فيجب أن تحقّق أهداف الثورة دون غيرها. أنت متعهد بانجاز الاستحقاقات التي قامت من أجلها الثورة والتي ومات من أجلها شهداء. هؤلاء قاموا بثورة من أجل الحقّ في الكرامة والتشغيل. بمعنى كلّما كان التوجه خارج عن هذا السياق أنت بالضرورة سياستك خاطئة. أنا أظنّ أنّ هناك مقياسا حراريا للثورة وشروطا قياسية لها. لا يجب أن تقول لي بأنّ المنطق يقتضي التآلف فهذا كلام جيّد لكن ينبغي أن نعلم أنّ هناك محرارا ثوريا زمانيا...أنا أعتبر أنّ الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الأسبق في لحظات كبيرة كان ثوريا لانّه أوصل البلاد إلى انتخابات وهذا يعني في حدّ ذاته كان رهانا كبيرا فعندما يتشدقّ الان فمن حقّه أن يفخر بما حقّقه في فترة حكمه. وأمّا أنت(حديث موجه للترويكا)لم تستطع أن تعبر بالبلاد إلى انتخابات فهذا يعني أنك أخطأت أو فشلت. تقول لي بأنّ هناك تداعيات سياسية وزخما ثوريا وفكرا مناهضا من الخارج هذا لا يهمنّي فأنت مطالب باحداث التوازن بين كلّ الأقليات الاقليمية والسياسية الداخلية.
تسليم النهضة دواليب الحكم لحكومة مستقلة في ذاك التوقيت بالذات، هل ترى أنّه كان بالخيار الصائب؟
أنا أعتبر أنّ السياسية قبل الخروج من الحكم كانت خاطئة. لكن الخروج هو مثل انسحاب القائد الميداني بأقلّ الأضرار. هو انهزم وأعلن ذلك ولكنه حافظ على البقية الباقية من الجيش.
نفهم من كلامك أنّ المعركة المصيرية بالنسبة للنهضة مازالت لم تحسم بعدُ؟
هي مازالت لم تبدأ. نحن لم نحقّق من الثورة شيئا. معركتنا تقوم على الكرامة والحرية والتشغيل. نحن مازلنا لم نصل إلى الحريّة الكاملة لاسيما في ظّل تصاعد مخاطر تهددها تحت مسوّغ الارهاب وغيره. وهو ما يعني حصول تراجع في منسوب الحريات. في اعتقادي معركة الكرامة لم نصل إليها بعدُ.
تأجيل مؤتمر الحركة عبر آلية الاستفتاء،هل يمكن أن ننزّله في هذا السياق الذي اتّسم بالفشل واستتباعاته التي تحتّم على القيادة الخوف من المحاسبة الداخلية؟
الخيارات هي سبب البليّة. سقراط مات في يوم ما بالقانون الذي صادق عليه وإنّ كان قد ظلم في ذلك.الاغريق القدامى والجدد يدركون أنّ سقراط مات شهيدا للفلسفة والفكروالحرية بقانون هو من صادق عليه...البدايات دائما لا تكون في مستوى جيد لكن لا بدّ من المضيّ فيها..أن تؤخر المسيرة إلى مرحلة زمنية لاحقة فإنّك بالضرورة تؤجل معركة الخطإ والصواب. أنا أعتقد انّه طالما كانت هناك مصادقة خلال المؤتمر التاسع(عقد في 2012) على تنظيم مؤتمر بعد سنتين فنحن نقول حينئذ انّ ما أهلك الذين جاؤوا قبلنا هو أنهم بجرّة قلم كانوا يفكرون ويستفتون ويعدّلون دستورا.
وفي صالح من هذا التأجيل؟
في صالح الذين لا يحبّون أن يغادروا المسرح السياسي داخل الحركة أي الذين مازالوا يرون في أنفسهم فرسان السياسة التي سترسم ملامح الفترة القادمة ككلّ.
لوتحدّد لنا من تقصد بالتدقيق؟
أقصد المستفيدين من تأجيل المؤتمر. أنا كمناضل قاعدي صلب النهضة لست مستفيدا من ذلك. هناك منطق عام يحمل فكرة تنبني على أنّ اعداد مؤتمر وانجازه الان قد يفتح الدفاتر القديمة ممّا سيمنح فرصة يستفيد منها الخصوم السياسيون. هذا منطق جيد،لكنّه ليس مكتملا. أنا أظنّ أنّ فتح الدفاتر والمرور إلى الانتخابات بجسم سليم معافى خير من النهوض وتمضي إلى الأمام بجسم لا تعرف حجم الأوبئة التي يحملها. قد يتفتّت هذا الجسم في كّل لحظة ونحن نرى تلك التشظيات التي حصلت في أحزاب كبيرة لأنّها لم تحسم مشاكلها الداخلية مثل الحزب الديمقراطي التقدمي وفي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل كذلك.
صمام الامان الوحيد الذي مازال في حركة النهضة هو الايديولوجيا فلا يجب ان نركب كثيرا على الخطاب السياسي الذي يوحّد. المنطق الذي مازال يجمع القواعد حول النهضة هو الايديولوجيا. ومنطق عدم التفتت لانّ هذه القواعد تتحرّك بخلفية ايديولوجية والقيادة تتعامل مع الواقع بمنطق السياسة.
دعنا في مسألة الأرضية الايديولوجية.الا ترى أنّها غير متماهية مع الخطاب المعلن والموجه إلى الرأي العام الداخلي والخارجي؟
أنا أعتقد أنّه ثمّة قيادة معيّنة في حركة النهضة يعلمها من يعلمها ولا يجهلها من يتكتّم عنها. قيادة عندما تخاطب القواعد تقول نحن نفعل ذلك في سبيل الله. هذا منطق ايديولوجي يقوم على أساس أنّ كلّ انسان خطّاء وخير الخطّائين التوّابون. هذا المنطق تقبله قواعد النهضة ويستقرّ في أذهانهم. هكذا فإنّ القواعد تأتي إلى الحركة تحت راية سبيل الله والفعل السياسي والتغيير والمجتمع الديني الذي يحدّد منهج السياسة المتعامل بها داخل البلاد. فتستفيد هنا القيادة بضخّ توافق مع القاعدة على أساس ايديولوجي. ولكن القيادة عندما تظهر للعلن تقول نحن ننتج سياسة واحد مع واحد يساوي اثنين. فعندما يسقط كافر صحبة امام الحرمين في الماء من ينجو؟ ينجو الذي يحسن السباحة. هذا هو المنطق الذي تتعامل به قيادة النهضة الحالية مع الأحداث والمتغيّرات. هذه هي معادلة الواقع ومقتضيات الأموروالمرحلة السياسية والسيناريو المصري حتّى لا يتكرّر في تونس. من قال نحن نشبه مصر. نحن لا نملك لا الجيش المصري ولا الجنرالات المصريين. لو كانت وزارة الداخلية التونسية تملك ربع في المائة من آليات انجاح انقلاب لانقلبت منذ اليوم الأوّل. ولو كانت هاته المؤسسة تملك عشر قوة من قوة بن علي لأعادته إلى سدّة الحكم منذ الأشهر الأولى.
هل نفهم من تحليلك اقرارا وجزما بأنّ النهضة تشتغل وفق تمشّ يقوم على الازدواجية في الخطاب واستنادا على مبدإ التقيّة؟
اعتقد انّه ثمّة مجموعة قادة سياسيين في حركة النهضة يحاولون ضخّ أنفسهم في المجتمع المدني الحداثي والتسويق لصورتهم لدى المعارضين على أنّهم علامات سياسية منتجة داخل الحركة. وهؤلاء لا يلقون الحظوة الكثيرة لدى القواعد. المفارقة أنّهم لا يذهبون للقاء القواعد في الاجتماعات بل يتنقل للقيام بذلك الشيخ راشد الغنوشي لانّ خيال القواعد مرتبط بصورته وصورة صالح بن عبد الله البوغانمي والصحبي عتيق والحبيب اللوز والصادق شورو. هؤلاء تشي غيفاريون(نسبة إلى تشي غيفارا) القوى الاسلامية. هؤلاء يمثّلون منطق الثورة أبدا ودائما الذي يغلب على القاعدي المتحمسّ. لكن هؤلاء ليسوا فاعلين كثيرا في السياسة فهم يخطبون والآخرون يغنمون. هؤلاء يعيدون القواعد إلى أحضان النهضة والآخرون يتركون المقود للقيادة القليلة الأخرى التي أعتبرها المستفيدة من التعامل السياسي.
في ظلّ هذا التخبط الذي تعيشه الحركة بين الدعوي والسياسي كيف يمكن أن نحدّد هويتها التي بات يكتنفها الغموض أكثر من أي وقت مضى؟
هي حاليا بصدد التشكلّ يوما بعد يوم.وهذا التشكلّ قد ينتج صورة سياسية نمطية لحزب حداثي مدني ليست له الخلفية الايديولوجية التي تفعل فعلها في ادارة المستقبل السياسي للحركة النهضة.ولكن هذه الصورة ليست مأمونة العواقب لأنّ الحزب على أبواب انتخابات في نوفمبر القادم قد يلقي به إلى واجهة اخرى خلف التاريخ. لا يمكن ان تنتج قواعد وجمهورا انتخابيا وانت متخلص من الايديولوجيا فالحركة منذ 1981 تسعى إلى التأسيس لفكرة وخطاب سياسي جديد يرتكز على المنطق الاخواني والفرز السياسي بنمط ديني. أي انتاج منتج سياسي مجتمعي بلحية في الذقن وخمار على الرأس بعلم أكاديمي ناضج في المؤسسة الجامعية. هذه الازدواجية كانت على طول الوقت تقدمها النهضة والعديد من الحركات الاسلامية داخل الوطن العربي والاسلامي كلّل. بمعنى المزاوجة بين الفكر الحداثي والأصالة الدينية. لكن النهضة وجدت نفسها بعد 14 جانفي مجبرة على التعاطي مع قالب سياسي معيّن تذهب اليه الحركة وتكون بذلك قد تخلصت من الكثير من الثقل الايديولوجي لأنّها تعلن نفسها يوما بعد يوم كحزب سياسي مدني. شأنها كحركة دينية موجود داخل الساحة .هذا أمره ومستقبله عند الله.
برأيك هل تخلّصت النهضة من جبّة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين ومشروعه الايديولوجي؟
النهضة محسوبة على الاخوان وهي في الحقيقة تتحرك وفق فكر اخواني. اليسار بأكمله رأسه ماركس وفروعه تروتكسي وماوتسي تونغ وجاك داريدا.
إنّ هؤلاء يفكرون في أحيان كثيرة حتّى بطريقة وآليات مختلفة عن المادية التاريخية التي أنتجها ماركس وكوموناته(جمع كومونة التي تعني في الأدبيات اليسارية ثورة العمال) بمعية انجلز.
هنا نجد نفس الشيء لأنّ النظرية الاخوانية هي مشابهة للطرح الماركسي أوالقومي من ناحية السعي إلى الحكم والمسك بدواليب السلطة. هذه الحركات تتصدى للعبة السياسية على قاعدة شعورية نفسية داخل الشعوب.
على المستوى التنظيمي، هل يوجد أواصر تربط النهضة بهذا التنظيم ؟
أنا أعتقد انّه لا توجد أيّة حركة اسلامية في كلّ الأرض لم تتعامل مع المكتب العام للاخوان المسلمين. لكن على المستوى الهيكلي والتنظيمي لا أظنّ ذلك بالنسبة لحركة النهضة.
يعني أنت تقرّ بأنّ النهضة هي فرع من الاخوان المسلمين؟
نعم ولكنّ الرابط هو فكري فقط وليس تنظميا. النهضة مستقلة تماما على المستوى التنظيمي. وهذه هي العلامة المميّزة للفكر الاخواني فنحن تحكمنا مرجعيات ومبادئ دينية بمعنى يجب أن نؤمن بأولي الأمر ودولة الخلافة والخلفية.فكيف نتخلص من جبّة الخلافة وأمير المؤمنين والخليفة الذي يوحّد الأمّة إلى هذه الاقليمات السياسية الدينية؟ فكان لدينا منتج اسمه الفكر الاخواني أي انّه حينما تكون هناك حويصلات سياسية نسميها نحن الدول الاسلامية مثل تونس والجزائر وغيرها التي تفرّق بينها الحدود فلا يجب بالضرورة ان يكون ولاؤنا وحيدا للمملكة العربية السعودية أو لتركيا أولمصر.أنت تؤسس لمجتمع اسلامي الولاء فيه ليس للقائد العام أو للخليفة. وهذا الذي وهب لنا الفكر الاخواني الذي استطعنا من خلاله أن نضخّ للعملية السياسية قاعدة ايديولوجية من جديد لنتعامل بذلك مع المنطق بشكل افلح كثيرا. نحن نعاين اليوم التجربة التركية والمغربية. ولكن مع خطوة إلى الامام يصبح النموذج ممتازا على شاكلة تركيا ومع خطوة إلى الوراء يصبح النموذج متشوها مثلما في مصر.
هناك من يعتبر أنّ النهضة باتت مطالبة اليوم بالحسم في هويتها الفكرية ومنهاجها السياسي تجنبا للتأويل الذي من شأنه أن يفرز حالة من التوجس والريبة تجاهها.هل تشاطر هذا الطرح الذي يقوم على فكرة حتمية تونسة الحركة؟
حسب رأيي الشخصي الذي لا يخصّ أحدا غيري،أعتقد أنّ النهضة لاتملك الكثير من المفكرين ولكن لها قلّة قليلة تفكّر أحدها وأوّلها الشيخ راشد الغنوشي. فهو الذي يهندس فكر الحركة وفق المعطيات المتغيّرة بعد الثورة. هو يحاول بناء شيء يوما بعد يوم يزيد فيه لبنة. اظّن أنّه بعدما يكتمل البناء فانّ المنتج النهضوي الذي أسّسه الشيخ راشد الغنوشي وبعض من المحيطين به من الذين يفكرون بعمق قد يفرز جسما قويا يقف على تجربة صحيحة. أبرز التحديات القادمة هو الموعد الانتخابي.
على ذكر الانتخابات،هل تظنّ أنّ شعبية الحركة قد تآكلت فعلا مثلما تشير الى ذلك استطلاعات الرأي وهو ما يقلّص من حظوظها في الصعود من جديد إلى سدّة الحكم؟
حينما تسألني عن شعبيتها التي تآكلت أقول لك نعم. لكنّ خصومها السياسيين لم يقدموا بديلا افضل مما قدمت النهضة.من الثابت أنّ شعبية الحركة تراجعت مقارنة بالانتخابات الفارطة. كما أنّ هناك حركات ارتدادية داخل قواعدها كادت تحدث التصدع غير المحمود بيد أنّ القيادة تمكنت من تطويق المسألة بأخف الأضرار.
نحن نقول في المحصلة أنّ الموعد الانتخابي القادم هو الوحيد الذي يمكن له أن يحوصل هل أنّ حركة النهضة قد شهدت انحسارا كبيرا في شعبيتها لاسيما في ظلّ عدم تقديم المعارضة لبديل يسمح بتجاوزها انتخابيا.
في اعتقادي الاصل الانتخابي يبقى دائما هو النهضة التي تمثل الواجهة الشرعية.
ولكن المؤشرات الظاهرة تفيد أنّه ثمّة منافس جدّي للنهضة على الحكم والسلطة اسمه نداء تونس؟
النداء يشهد حاليا تصدعات كثيرة خاصة خلال الفترة الاخيرة بالنظر إلى انّ عملية امتلاء جسمه إلى حدّ القيء بالحار والحلو والمالح والمرّ والحامض وكلّ الأذواق السياسية التي انضمت اليه وكان هذا الخليط الكيميائي من شأنه أن يؤثر في الجهاز الهضمي لهذا الحزب.
تغيّر موقف النهضة إزاء هذا الحزب من الراديكالية إلى التناغم والمغازلة ،بماذا تفسّره لاسيما في ظّل وجود حديث في الكواليس عن تسويات وصفقات لاقتسام السلطة ؟
أعتقد أنّ الشيخ راشد الغنوشي كرئيس للحركة هو بصدد تحمّل مسؤولية مفادها كيف يبقي على النهضة داخل المضمار و كيف يبقي على ثقة قواعده فيه. وهذه معادلة عسيرة لن نعرف نتائجها إلاّ بعد الانتخابات المنتظرة.
هذه التبريرات لا تجد صدى لها لدى جزء من قواعدكم التي تعتقد أنّ التنازلات التي قدّمت ميّلت الكفة لصالح الثورة المضادة؟
نحن كنّا نعتقد أنّ هذه القاعدة غير الراضية كانت عدديا تتجاوز نصف مناضلي الحركة ومنخرطيها وأنصارها، بيد أنّ الاستفتاء الأخير حول تأجيل موعد انجاز المؤتمر العاشر أشّر على أنّ السواد الأعظم منهم مساند لتوجهات القيادة. هذا إن لم نغفل صراحة عن العازفين على الاستفتاء من الذين قاطعوا ولم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع.
هل يمكن أن يكون نداء تونس حليفا استراتيجيا للنهضة في الحكم خلال المرحلة المقبلة؟
السياسة هي فنّ الممكن.وحركة نداء تونس هي بالضرورة معارض سياسي وايديولوجي للنهضة.ونحن سجوننا ونضالنا يشهدان على انّنا كنّا دائما ضدّ هؤلاء.فليس من السهولة ان يصبح هاذان الحزبان متحالفين. هذا أمر صعب.
احتراز النهضويين على نداء تونس هل هو نابع فقط من اختلاف ايديولوجي أم المسألة أعمق من ذلك بكثير؟
أعتقد أنّه ما بين النهضة والنداء هو الماء والزيت .في إطار الخلط كريات الزيت الصغيرة عندما يتمّ خلطها في الماء تبقى دائما تظهر في شكلها الزيتي. الماء هو الماء والزيت هو الزيت وبينهما حاجز فاصل. هكذا هو حال العلاقة بين هذين الحزبين الانف ذكرهما.
بين قوى الثورة والثورة المضادة،أين تصنف حركة نداء تونس؟
الثورة المضادة لا أعتقد ذلك.هم يسوّقون لانفسهم على أنهم يصنعون لونا خاصا بهم اسمه النداء. احتمل التجمعيين الذين هم يمثلون المنظومة القديمة واستوعب اليساريين الذين فيهم معارضون قدامى وفي داخلهم أيضا اليسار الانتهازي. أنا أظنّ أنّ الموعد الانتخابي القادم قادر على التصريح بأشياء نحن غير قادرين على توقّعها في اطار الاستشراف للمستقبل.
وماهي هاته الاشياء التي قد تحصل بعيد المحطات الانتخابات المرتقبة؟
مثلا أنت غير قادر على الاجابة عن سؤال حول هل النداء قادر على اكتساح الانتخابات. كذلك أنت غير واثق من أنّ النهضة قد تصل الى الحكم مرّة ثانيا.إذن أمام عدم الاقتناع والجزم نصبح نحن خاضعين إلى أحكام صندوق الاقتراع.
تقارب النهضة والنداء رأى فيه البعض تطبيعا مع المنظومة السابقة واقرارا بفشل محاولات إرساء نموذج جديد أساسه الثورة واستحقاقاتها؟
في اعتقادي تلك الخطوة كانت مهمة ولكنها ليست جيدة.
كيف؟
هي التعايش مع الشيطان في لحظة من لحظات السياسة.فالبلاد وقتئذ كانت على شفا حريق كبير فكان كلّ مسؤول سياسي بامتياز يجب أن يحول دون وقوع الكارثة. المسؤولية اقتضت ذلك سواء من الشيخ راشد أو من الباجي قائد السبسي.
رفاقكم في النضال ضدّ النظام السابق من الأحزاب المشكلة للجبهة الشعبية لازالت العلاقة بينكم معهم تسودها القطيعة والضغائن.لماذا كلّ هذا الجفاء والانخرام في الثقة؟
أنا أعتقد أنّ من الأخطاء الكبيرة للترويكا عدم المحافظة على الحلفاء السابقين. أظنّ أنّ خسارة حمّة الهمامي ونجيب الشابي هي خسارة كبيرة للثورة. هؤلاء لا نستطيع اغلاق دفتر التاريخ دون اعلانهما في خطّ الثوّار وفي خانة من لهم هامات طويلة وباسقة في التاريخ.
رغم كلّ ما فات هل مازال من الممكن أنّ تذيب النهضة الجليد الذي يعتري علاقتها مع الجبهة الشعبية وبقية حلفائهما في حركة 18 أكتوبر ابان حكم بن علي؟
الجبهة الشعبية هي بدورها ضالعة في مسؤولية الوصول إلى هذه القطيعة التامة بسبب توجيهها أصابع الاتهام للنهضة وهي تدرك أنّ ذلك ليس على أساس الحقيقة وإنّما بهدف التشويه لحشر الحركة في الزاوية. الجبهة لم ولن تكون مقتنعة بأنّ هناك قواسم مشتركة وأرضية تجمع النهضة بالسلفية الجهادية.
ولكنّ النهضة تتحملّ مسؤولية مزدوجة سياسية وأخلاقية بسبب مهادنتها لهذا التيار واعتباره ورقة انتخابية على حساب أمن البلاد والمخاطر التي تتهدّد مرتكزات الدولة؟
أنت لا تستيطع ادانة تيّار كامل بالغيب. هؤلاء لم تكن هناك وقائع مادية مجرمة من طرف القانون حتّى تقع ملاحقتهم وتتبعهم عدليا.لذلك حادثة الروحية كانت في وقت حكومة الباجي قائد السبسي.
وماذا عن حادثة بئر علي بن خليفة وغيرها من الأحداث الارهابية التي وقعت زمن اشراف الترويكا على مقاليد الحكم؟
هذه الحادثة بالذات وقعت ملاحقة المتورطين فيها وحصلت صدامات اسفرت عن وقوع قتلى. في عهد وزير الداخلية علي العريض جدت مصادمات عديدة وهو أكثر من شنّ حملة ردع ضدّ هؤلاء وهناك عهدئذ من جاء وقال صراحة بيننا وبينه دماء.يعني هناك ما يمكن أن نسميه ثأرا للتيار السلفي وأنصار الشريعة ضدّ حركة النهضة.
هذا لا يمنع من أنّ وزير الداخلية وقتئذ علي العريض كان يدرك أنّ زعامة سياسية في حجم شكري بلعيد كانت مهدّدة بالاغتيال والتصفية الجسدية؟
حينما تحدثني عن مدى وجود نقص توفير الحماية لأشخاص معيّنين أقول لك نعم. لكن هذه الأحكام يجب أن تبنى على الجزم واليقين وليس على الشك والتخمين. نحن لا نستطيع ملاحقة هذه الجهة أو تلك إلاّ إذا خالفت القانون. هنا في حال اعتمدنا هذا المنطق فما هي أوجه الاختلاف التي ستفرقنا عن سياسة نظام بن علي الذي وضع كلّ الاسلاميين في السجن بتعلة أنّهم يحملون مشروعا ظلاميا دون تقديم وقائع اجرامية مادية فهو كان يدين بالانتماء.
هناك من يتهمّ قيادات في النهضة بتأليب هذا التيار الدموي على شكري بلعيد وغيره من السياسيين المعارضين لنهج تسيير الحكم في عهد حزبكم ؟
هذا غير صحيح.
التصريحات والمواقف مازالت موجودة ويمكن استحضارها من الأنترنات وأرشيف وسائل الاعلام؟
السلفيون وأنصار الشريعة بالذات هم لديهم من الحماسة والانفعال الايديولوجي ما يؤدي بهم إلى هذه النتيجة أي تصفية خصومهم الايديولوجيين.
مادامت قناعته تعتبر انّ كلّ مخالف لايديولوجيته الموغلة في التطرف الديني يجب تصفيته فإنّه بالضرورة لا يستطيع أيّ شخص كان في أن يؤثر على مساعيه لقتل عدوه.
دماء زميلك في المحاماة شكري بلعيد هل تعتقد أنّها قد خدمت المسار الثوري الذي يرى معارضو النهضة أنّها حادت به عن الطريق الصواب؟
هي لم تخدم قطّ الثورة بل عادت بها خطوة إلى الوراء. هذه الاغتيالات التي حصلت عادت بنا إلى الخلف.بل بالعكس هي كادت أن تجهز على الثورة.
الكلّ يتذكرّ أنّ يوم تشييع جنازة شكري بلعيد كانت الدولة غير موجودة.كان الشعب يحمي نفسه بنفسه.كلّ شخص حمل عصا وسلاحا أبيض في سيارته.
فكان الأمن غير موجود في الشوراع.كانت هناك لحظة من لحظات الفراغ التي كان يمكن أن تسمح آنذاك لمستعمر باستعمار تونس. الاغتيالات هي بمثابة الطلقات النارية التي وجّهت لصدر الثورة لانّها تزيد في الفرقة وتنقص من التوافق.
الوقائع حينذاك كشفت عن توحد المعارضة مقابل عزلة النهضة وحلفائها؟
ليس بهذا الشكل. التطورات وحّدت اليسار والفصائل اليسارية. هو شكري كان قد استطاع بموته أن يحقّق ما لم يحقّقه بحياته.وهذا بفضل الكاريزما التي يملكها حيّا وميتا.
اليسار مستقبلا هل هو قادر على منافسة النهضة في سباق السعي للوصول إلى السلطة ومن ثمّة المساهمة سويّا في بناء الديمقراطية المنشودة؟
مطلقا لا. اليسار فكر زائل حتّى في ميادينه وملاعبه ومصادر تكوينه. فعندما يزول اليسار في بولونيا وألمانيا وبلدان الاتحاد السوفياتي سابقا وفي الصين كذلك. يعني بعض جيوبه وبقاياه في تونس ومصر وسوريا سرعان ما ستنتهي.
ولكنّه يعرف صحوة في بلدان مثل أمريكا اللاتينية؟
أنت ربّما تتحدث عن البرازيل والشيلي وفينزويلا. أنا لا أعتقد بأنّ طموحه سيذهب به إلى الأمام كثيرا.
هل نفهم أنّك تتوقّع أن ينحصر الصراع السياسي في تونس مستقبلا بين النهضة والنداء في اطار استقطاب ثنائي على شاكلة الديمقراطية الأمريكية ؟
هذه الثنائية مع كلّ الاسف هي الوجه السياسي للعملية السياسية في تونس خلال المستقبل.
وهل تعتقد أنّ الحلّ الأنسب لبناء تونس الجديدة يقتضي التوافق بين هذين الحزبين بطريقة تشاركية؟
أنا لا أرى أنّ التوافق بينهما من شأنه أن يصنع الديمقراطية. أظنّ أنّ المنافسة بين النهضة والنداء هي التي ستصنع هذه الديمقراطية المنشودة.
ختاما كيف يتراءى لك مستقبل تونس مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟
أنا أرى أنّ الثوّار يجب أن يلتحقوا بصفّ واحد ضدّ كلّ جيوب الردّة التي تحاول أن تجهز على الثورة. واعتقد انّ المشهد في المسقبل سينتج توجها مع الثورة وآخر ضدّها.
سياسيا وحزبيا من هو رأس حربة جيوب الردّة وبقايا المنظومة القديمة؟
هم مازالوا موجودين في كلّ مكان حتّى داخل الادارات التونسية التي يستأثر بها 90% من التجمعيين لانّ الشروط القياسية لضمان التحاقهم بتلك الوظائف كانت تتمثل في بطاقة الانخراط.هذه في حدّ ذاتها علامة مميّزة لهم. بقليل من التنظيف سوف يكونون جاهزين لنصرة التجمعيين من جديد. أظنّ انّ المشهد القادم سيمتحن فيه الثوريون سواء بالتقارب أو بالتنافر الذي سيسمح حينئذ للمنظومة القديمة بأن تحكم البلاد من جديد مثلما وقع في رومانيا.
في النهاية الثورة لن تموت ولكن تتعدّل في أقلّ النسب. نحن نرى أنّ الثورة في ظلّ الثوريين ستنتج كثيرا من الكرامة والحرية وفلسفة الانعتاق لكن عندما يخرج الثوريون من الحكم لن يعني هذا بالمحصلة انقضاء الديمقراطية التي سترتدي حينها كساء من المنظومة السابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.