غيث نافع و شتاء مبشر بالخير للبلاد و العباد ، هي ملامح تلك الصورة التي روجها الإعلام أنذاك عن واقع ولاية سيدي بوزيد ذات شتاء من سنة 1990 في يوم 24 جانفي من سنة 1990. غمرت ولاية سيدي بوزيد فيضانات أتت على الأخضر و اليابس و جرفت الديار أو الأكواخ بالمعنى الأدق لتتحول الجهة إلى منطقة منهارة في بنيتها التحتية و قد نخرت المياه جسد هذه الجهة لتتحول إلى شبه مستنقع إختلط فيه الحي بالميت ، نعم لقد سجلت ولاية سيدي بوزيد حالات وفاة أنذاك ، تسترت عليها السلطات و كانت السلطة الجهوية بإيعاز من السلطات المركزية في تعاطيها إزاء الوضع الذي تمر به المنطقة قد قامت بأدوارها . و لكن على طريقتها ، حيث عالجت الأمر بأن تعزز التواجد الأمني و توقف إحتجاجات المتضررين الذين خرجوا من صمتهم و غبنهم و تظاهروا يوم 25 جانفي 1990 أمام مقر مركز الولايةو هو نفس المكان الذي أشعل لاحقا لهيب ثورة 17 ديسمبر 2010 ، ثم التوجه لمقر سكنى والي الجهة الذي كان أنذاك منصرفا عن معاينة الأحداث ربما بإستطلاع أحوال المتساكنين جوا عبر " طائرة مروحية " !! و في خطوة تصعيدية ، حمل المحتجون جثمان أحد ضحايا الفيضانات أثناء تظاهرهم ليضعوه أمام مقر الولاية ، و ذلك للتحسيس بخطورة مأساتهم و مطالبين بكشف الحقيقة التي غالط بها الإعلام أنذاك الرأي العام مقللا من حجم معاناة الأهالي الذين شنت ضدهم ألة البوليس حملة إعتقالات في محاولة لإخماد و وقف موجة الإحتجاجات . كما واجه هؤلاء المحتجين حزمة من التهم و الإدانات و إستقر بهم الحال بالسجون حيث مورست ضدهم أشكال شتى من طرق التعذيب ألت ببعضهم إلى الإصابة بأخطر الأمراض في غياب محاكمات عادلة و منصفة تراعى فيها أبسط معايير حقوق الإنسان. و تحيي اليوم 24 جانفي سيدي بوزيد ذكرى هذه الإنتفاضة الشعبية لأول مرة و ذلك بتنظيم تظاهرة منتدى ذاكرة المدينة التي تحاول التوثيق عبر ما تبقى من وثائق لمظلمة أخرى من مظالم العهد البائد. شهادة منسق منتدى ذاكرة المدينة لمين بوعزيزي حول هذه الإنتفاضة