"وماذا بعد انتخابات المجلس التأسيسي؟" تساؤل تطرحه الفئات الاجتماعية التي لطالما انتظرت هذه الأحداث للتمكن من تحقيق الكرامة الإنسانية من خلال حياة كريمة تضمنها ابسط الحقوق الاجتماعية المتمثلة في العمل. فهل ستتمكن القوى السياسية الجديدة من ضمان هذا الحق لأغلب فئات الشعب التونسي؟ ينتظر الشعب التونسي المؤشرات الأولى لنجاح اختياره للأطراف السياسية التي ستمثله في المجلس الوطني التأسيسي من خلال ما سيتم إعلانه في الأيام المقبلة حول التحالفات السياسية التي ستفرز بدورها الحكومة الانتقالية والرئيس المؤقت اللذان سيضطلعان بدور إخراج البلاد من الأوضاع الحالية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحقيق جزء من الأهداف الرئيسية لقيام الثورة التونسية. للنظر في الموضوع اتصلت بعديد الأطراف السياسية التي شاركت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي للنقاش حول رؤيتها المستقبلية وبرنامجها لمحاولة تحقيق البعض من مطالب شعب كان له الفضل الأكبر في وصول هذه القوى السياسية إلى سلطة القرار في تونس بعد أن عانوا من ويلات النظام السابق . حركة النهضة تتعهد بالتحاور مع جميع الأطراف السياسية كان الحوار الأول مع السيد نور الدين البحيري الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، وقال أن "حركته تمثل جزءا من المجتمع التونسي ومن الحراك الاجتماعي، لذلك فقد انطلقت قيادات حركة النهضة في حوارات داخلها ومع بقية مكونات الساحة السياسية والاجتماعية". وأضاف أن الذي "يهم الحركة هو أن تحقق الانتخابات نقلة نوعية للبلاد التونسية وتصل بها إلى شاطئ الأمان من خلال تبني مؤسسات دستورية جديدة من رحم الثورة، تكون وفية لمبادئ الثورة وقيمها، وتعالج من ناحية المشاكل الطارئة والعاجلة وخاصة منها مشاكل ضحايا النظام البائد وجرحى الثورة والتعويض لعائلات الشهداء"، ومن ناحية أخرى "تعالج المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها خاصة الفئات الشبابية والمتمثلة في البطالة والأوضاع غير العادية وغير الإنسانية في بعض مناطق البلاد وخاصة الجهات المحرومة من ضرورات العيش الكريم". وأكد أن "أولويات الحكومة ستكون معالجة هذه المشاكل حتى يتمكن الشعب التونسي من ضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة حتى تحقق الحكومة جزءا من أهداف الثورة التونسية التي لا تحتمل مزيدا من الانتظار". من جهة أخرى قال السيد نور الدين البحيري أن "عدد الحقائب الوزارية أو نوعها لا يهمان الحركة بقدر ما يهمها أن يتم وفاق وطني جامع يحقق حكومة وحدة وطنية تسعى لتمثيل أوسع ألوان الطيف دون إقصاء أو استثناء أي طرف سياسي". وأضاف أن "حركة النهضة ستتصل بجميع الأطراف التي شاركت في الانتخابات سواء التي فازت بمقاعد في المجلس التأسيسي أو التي لم تتحصل على أي مقعد، كذلك بالأطراف التي لم تشارك في الانتخابات، التي تمثل كفاءات وشخصيات وطنية لها من الاقتدار ومن الإمكانيات ما يخولها ويؤهلها لتحمل أعباء هذه المسؤولية والخروج بالبلاد من الوضع الذي تعيشه". وفي نقطة أخيرة حول إمكانية ترشيح السيد حمادي الجبالي على رأس الحكومة المقبلة، لم ينف السيد نور الدين البحيري ذلك ولم يؤكده أيضا، مشيرا إلى "الإمكانيات والمؤهلات التي تتمتع بها هذه الشخصية "الكاريزماتية" التي ناضلت في العهد السابق ضد القمع والظلم والاستبداد"، مؤكدا أن "الحركة لم تدخل بعد في نقاشات حول مواقع السلطة وأخذ القرار ومن سيتم تعيينه في هذه المناصب التقريرية". تذبذب في الحزب الديمقراطي التقدمي بين التحالف في التأسيسي من عدمه أما الحوار الثاني فكان مع السيد "المولدي الفاهم" عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الذي أكد عدم رفض الحزب الدخول في حوارات مع أي طرف من الأطراف السياسية ولكن أن لا تخرج عن تحديد خارطة الطريق وبرنامج العمل مع هذه الأطراف، في المقابل استبعد احمد نجيب الشابي مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي أي إمكانية للتحالف مع حركة النهضة. وقال السيد الفاهم أن الحزب سيعقد يوم السبت المقبل 29 أكتوبر الجاري اجتماعا للهيئة السياسية والتنفيذية للحزب للنظر حول إمكانية الدخول في تحالفات مع أحزاب أخرى أو شخصيات مستقلة. من جهة أخرى، أثار السيد المولدي الفاهم عديد التساؤلات حول "سر الصعود المفاجئ للقائمة المستقلة للعريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية"، وقال أن "هذا الموضوع يعتبر شديد الأهمية للمتابعة والتعمق لدى المتتبعين للشأن السياسي"، وتساءل حول "من يقف وراء هذا النجاح خصوصا وان صاحبها يملك وسيلة إعلام أجنبية خاصة واصلت عملها في الدعاية السياسية"، كما أكد أن هذه القائمة جندت بعض الأشخاص الذين واصلوا الاتصال بعموم الشعب بشكل مباشر بالهاتف أو بطرق أخرى في الاتصال. وأضاف أن "هذه المسائل تهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقضاء ليقولا كلمتهما في هذا الشأن". وأشار إلى أن "الحزب الديمقراطي التقدمي ليس وليد اليوم وكان قد تعرض إلى العديد من الصعوبات" مؤكدا أن "الحزب سيواصل عمله وسيقوم بتقييم موضوعي وسيراجع برامجه، خاصة بعد النتائج الأولية لأول امتحان حقيقي يمر به الحزب خارج الضبط والنظام الإداري السابق"، معترفا "بعدم حسن إدارة الحزب لأول انتخابات ديمقراطية في تونس". وقال أن "نجاح حركة النهضة في الانتخابات يعود إلى تدخل أجندات أجنبية أثرت على المسار الانتخابي"، مشيرا إلى "سذاجة الحزب في التصرف مع أهمية حركة النهضة كحزب منافس في انتخابات التأسيسي". وأكد "أهمية التحقق من هوية الذين أوكلت لهم مهمة مراقبة الانتخابات في عديد جهات البلاد" وقال أن "80 % منهم لم يكونوا محايدين مما اثر على النتيجة". ودعا "حركة النهضة إلى احترام الاتفاقيات السابقة حول خارطة الطريق لما بعد 23 أكتوبر، وان تراجعت سنكون في صف المعارضة". حزب العمال الشيوعي بين تجرع مرارة الهزيمة و الرغبة في المشاركة ومن جهته قال حمه الهمامي الأمين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي لراديو كلمة أن القيادة الوطنية للحزب قررت عدم الدخول في تحالفات سياسية مع أي طرف من الأطراف". وأشار إلى أن "الحزب اصدر موقفا من الانتخابات التي ورغم قبولنا بنتائجها فانها قد قامت على المال السياسي واللعب على نقص الوعي لدى المواطن التونسي ولم تقم على أساس البرامج المطروحة من طرف الأحزاب السياسية" مضيفا أن "حزب العمال تعرض إلى عديد الحملات التشويهية من بعض الأطراف السياسية التي ليس من مصلحتها صعود الحزب إلى المجلس الوطني التأسيسي". كما ندد "باستعمال المساجد في الدعاية السياسية على غرار ولاية قبلي وعديد الجهات الداخلية الأخرى"، وعبر عن استغرابه من "صعود العريضة الشعبية خاصة بعد التاريخ الأسود لصاحبها في تلميع صورة الرئيس المخلوع واستعمال قناته الأجنبية في الدعاية لقائمته". وقال أن الخطأ الذي يتحمل الحزب نتيجته يتمثل في اسم القائمة التي يساندها الحزب المتمثلة في "البديل الثوري" حيث "لم يتمكن المواطنون من التعرف على قائمة حزب العمال الشيوعي التونسي"، مضيفا انه "تم الاتصال بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتضيف اسم الحزب إلى القائمة، وفي المقابل قامت الهيئة بهذه الخطوة في ولاية صفاقس دون غيرها من الجهات لذلك لم يحقق الحزب النتائج المرجوة من الانتخابات". منصف المرزوقي راض عن نتائج الانتخابات وصرح السيد منصف المرزوقي خلال ندوة صحفية عقدها صباح الأربعاء 26 أكتوبر انه "راض تماما عن النتائج التي تم الإعلان عليها بما أنها تمثل صوت الشعب الذي استطاع أخيرا أن يتكلم ويعبر عن رأيه". وقال أن أولويات المجلس التأسيسي هي التأسيس لحكومة وحدة وطنية وائتلاف وطني يبدأ بالإصلاحات العاجلة التي ينتظرها الشعب التونسي بالموازاة مع صياغة دستور يحمي الأجيال المقبلة من عودة الاستبداد وبين استعداده لعقد مشاورات مع جميع الأطراف السياسية ون اجل تأليف حكومة ائتلافية. كما تطرق إلى "صعود العريضة الشعبية إلى المجلس التأسيسي" وقال أن "هناك أشخاصا وصلت بهم الحاجة إلى تصديق كل الوعود"، وأكد "وجود خلل في الأحزاب التي لم تتمكن من تبليغ الخطاب السياسي إلى الفئات المفقرة من الشعب التي لم تفهم في بعض الأحيان الخطابات الحزبية التي كانت بعيدة عن إمكانياتهم البسيطة في فهم البرنامج الحزبي" الذي وصفه البعض بأنه خطاب نخبوي لم يمس الحاجيات الأساسية للمواطن، وأضاف أن "المسألة القضائية التي تمثلها الطعون ستحكم في قضية العريضة الشعبية وسننتظر ما يقرره القضاء". وأشار إلى أن المهام الأساسية لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية في المجلس التأسيسي ستكون "الدفاع عن الحريات الفردية والعامة وحقوق المرأة والإنسان دون الدخول في صراع إيديولوجي مع الجزء المحافظ في المجتمع المدني والذي يمثله الإسلاميون" مؤكدا في ذات الوقت "الهوية العربية الإسلامية للدولة لكن دون أن تصبح هذه الهوية غطاء للاستبداد أو غطاء للتقوقع والتحجر". وقال أن الحزب سيهتم "في نفس الوقت بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب التونسي دون أن ندخل في صراع مع طبقة المستثمرين الوطنيين" الذين دعاهم إلى "تحمل مسؤوليتهم في التنمية باحترام حقوق الشغالين واحترام البيئة". من جهة قال الدكتور خليل الزاوية، عضو مؤسس في حزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات، لراديو كلمة أن "حزبه مستعد للدخول في حوارات ومشاورات مع الأطراف السياسية التي تم اختيارها من طرف الشعب التونسي لتمثله في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي" مؤكدا "سعي الحزب إلى إنشاء حكومة وحدة وطنية تحتوي جميع الطيف السياسي بمختلف الإيديولوجيات والمراجع الفكرية". في خضم التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع التونسي منذ أواخر شهر ديسمبر 2010 إلى حدود أكتوبر الجاري، يتساءل البعض حول ما ستؤول إليه أمور البلاد والعباد في الأشهر القليلة القادمة؟ وهل ستوفق القوى الجديدة في تحقيق نقلة نوعية خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي الذين كانا قد همشا بما فيه الكفاية في العهد البائد؟