حدّد هشام مشيشي المكلف بتشكيل الحكومة ملخصا لأولويات عمل حكومته المعروضة لنيل ثقة البرلمان. جاء ذلك في وثيقة بعنوان "ملخص لأولويات عمل حكومة السيد هشام المشيشي"، حصل موقع الشاهد على نسخة منها، وفي ما يلي نصّها: I- التحديات ومتطلبات النجاح: يشهد الوضع الاقتصادي والمالي لبلادنا عديد الصعوبات المتأتية من التراجع غير المسبوق في نسب النمو نتيجة جملة من العوامل السياسية والاجتماعية والأمنية التي استفحلت خاصة جرّاء جائحة كورونا والتي بلغت خلال الثلاثية الثانية لسنة 2020 ما دون 21.% وقد انعكست هذه الأزمة على وضعية المالية العمومية خلال سنة 2020، حيث أنه إلى جانب الإشكاليات الهيكلية التي تعاني منها سابق، تم تسجيل تراجع كبير على مستوى تعبئة الموارد الذاتية للدولة، مقابل تطور للنفقات خاصة منها ذات الطابع الاجتماعي، سواء لدعم الأفراد أو لمعاضدة المؤسسات التي تشكو صعوبات اقتصادية وهو ما انعكس سلبا على مستوى عجز الميزانية من ناحية، وتفاقم المديونية من ناحية أخرى. وفي ظل المؤشرات المسجلة إلى حد الآن، فإن هامش التحرك لصاحب القرار أصبح محدودا مما يستوجب العمل على إيجاد حلول جذرية وهيكلية وكفيلة بإعادة عجلة التنمية واستعادة الاقتصاد لعافيته ومزيد دعم الاستثمار وهو ما يفرض على الحكومة التحلي بالجرأة في التغيير والبحث عن حلول غير تقليدية ومبتكرة بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية المتاحة. ويتمثل الرهان المطروح في الاستغلال الأمثل للموارد وتكريس مزيد من النجاعة على مستوى التدخلات والإنفاق العمومي للحد من النزيف وإيجاد الصيغ التوافقية لتحمل الخسائر وتقاسم العبء على جميع المستويات، السياسية والمالية والاجتماعية. وتعتبر الحكومة أن الخروج من الأزمة خلال المرحلة القادمة يقتضى توفر أربع متطلبات نجاح أساسية لتمكين الدولة من استرجاع دورها وسيادتها وهيبتها كاملة، ولتكون قادرة على الإنجاز والفعل، وهي: أولا: إنفاذ القانون، والضرب على أيادي العابثين والمخالفين، في مختلف المجالات، نظرا للضرر الذي لحق المجموعة الوطنية وخاصة منهم الملتزمين بالإيفاء بواجباتهم تجاه الدولة، إذ أنه من حق المواطن أو المؤسسة أن تتولى الدولة إنفاذ القانون تجاه الجميع ومحاسبة المتجاوزين والمخالفين، من خلال توفير مقومات مجتمع القانون وتحديد ضوابط تكريس الالتزام الآلي به وتحسين درجة الوعي مع تحديد أدوار مختلف المتدخلين وتسريع نسق رقمنة مرفق العدالة. ثانيا: استرجاع نجاعة الإدارة والقطاع العمومي والجهاز التنفيذي بصورة عامة بعد تراكمات السنوات الأخيرة، حيث لوحظ تقلص فعالية الإدارة وضعف قدرتها على تنزيل السياسات العامة، وتنفيذ خطط العمل في آجالها، إذ سيتم العمل على إعادة الهيكلة والتشجيع على الشفافية والعدالة في التعيينات والتسميات مع مراجعة منظومة الحوكمة وتعيين المديرين العامين وأعضاء مجالس الإدارة، بالإضافة إلى التكليف وتحميل المسؤولية، وفق خطط عمل وأهداف واضحة ومراجعة نظام الاختيار وإضفاء مزيد من الشفافية والاستقلالية في إطار منظومة تشمل في الآن نفسه التحفيز والقدرة على المحاسبة. ثالثا: إعادة الاعتبار للمؤسسة الاقتصادية الخاصة العاملة في القطاع المنظم باعتبارها محركا أساسيا للتنمية وخلق الثروة وفرص التشغيل، حيث سيتم تشجيع المبادرة الخاصة وريادة الأعمال ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبر تكريس المنافسة الشريفة والنزيهة وإرساء مناخ من الثقة لدى المستثمر وعدم الترفيع في الضغط الجبائي على المؤسسات الملتزمة بواجباتها تجاه الدولة، وستعمل الحكومة على معالجة ظاهرة الاقتصاد الموازي بهدف توجيهها نحو الاقتصاد المنظم، وذلك عبر تمشّ يعتمد مرحلتين، الأولى تكون فترة تفتح فيها إمكانية المصالحة والانخراط في القطاع المنظم، يكون شعارنا فيها هو الإدماج، والثانية سيتم خلالها تشديد الإجراءات الرقابية والعقوبات الرادعة. رابعا: إصلاح هيكلة المالية العمومية بهدف توفير الموارد المالية اللازمة للدولة خلال السنوات القادمة للعب دورها الاقتصادي والاجتماعي لتلبية انتظارات شعبنا الكبيرة، إذ لا يمكن للدولة حاليا لعب هذا الدور في ظل ميزانية تنمية لا تتجاوز 7 آلاف مليون دينار سنويا، مقابل تسديد حوالي 14 ألف مليون دينار سنويا خدمة دين، وهي وضعية غير سليمة تستوجب التغيير على المدى المتوسط حتى تكون الدولة قادرة على الاستثمار في نفقات التنمية في نفس مستوى خدمة الدين على الأقل مع استهداف عجز أولي إيجابي في الميزانية، بما يعني أن مداخيل الدولة، دون اقتراض، يجب أن تتجاوز نفقات التصرف. II- أولويات عمل الحكومة: 1- إيقاف نزيف المالية العمومية: الموارد: تحسين الموارد الذاتية للدولة عبر إجراءات تستهدف استعادة نسق نمو إيجابي خلال سنة 2021 وذلك من خلال : *استعادة نسق الإنتاج الطبيعي في القطاعات الاستراتيجية الداعمة لموارد الدولة ومنها بالخصوص قطاعي الطاقة والمناجم في إطار خطة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار البعد الاستراتيجي والحيوي لهذه القطاعات مع تنفيذ سياسة اقتصادية واجتماعية دامجة للجهات. *مواصلة الإحاطة بالمؤسسات المتضررة من الجائحة الصحية والإسراع بتفعيل آليات التمويل، لكافة القطاعات المتضررة إلى حين تحقيق التعافي من آثار الجائحة، إضافة إلى تنشيط بقية المنظومات الموجهة لفائدة المؤسسات التي تواجه صعوبات اقتصادية مع إحكام المتابعة. *اعتبار إصلاح المنظومة اللوجستية ورقمنة الخدمات (النقل والاتصالات وبقية الخدمات) أولوية وطنية لتحسين نسق الإنتاج والتصدير والضغط على كلفة الخدمات وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني سواء في مستوى التسويق أو استقطاب المستثمرين الوطنيين والأجانب. *اتخاذ حزمة من الإجراءات ضمن قانون المالية لسنة 2021 تهدف إلى توفير موارد إضافية للدولة من خلال الحد من التهرب الجبائي وتوسيع قاعدة الأداء ومراجعة بعض مكونات المنظومة الجبائية (على غرار النظام التقديري( والحد من المعاملات النقدية مع مراعاة عدم الترفيع في الضغط الجبائي على المؤسسات الاقتصادية العاملة في القطاع المنظم أو على المواطن الذي يقوم بواجبه الجبائي. تمويل الميزانية وتعبئة الموارد: * تعزيز التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي التونس ي بهدف الملاءمة بين السياسة النقدية والسياسة المالية. *إنشاء وكالة للدين عمومي قبل نهاية سنة 2020 تهدف لتعصير التصرف في الدين العمومي ومزيد التحكم فيه. *الانطلاق في المفاوضات مع الشركاء والمانحين الماليين وتقديم برنامج إصلاحات يأخذ بعين الاعتبار الأولويات الوطنية لاستعادة الثقة وتوفير الموارد المالية بشروط ميسرة . *تحسين وترشيد نسق استهلاك القروض الخارجية الموظفة. إحكام التصرف في النفقات : *مزيد ترشيد نفقات الدولة بإحكام التصرف فيها والانطلاق في بلورة برنامج شامل لإعادة هيكلة القطاع العمومي من خلال إعادة النظر في دور الدولة وهياكلها وتحديث أساليب عملها بما توفره التكنولوجيا من مزايا في هذا المجال. *التدخل العاجل للدعم المالي للمنشآت العمومية الأكثر تضررا والتي شهدت تراجعا في نشاطها بسبب جائحة كورونا في انتظار الانطلاق في تفعيل برنامج الهيكلة الشامل. التحكم في نفقات التأجير باعتماد تمش تشاركي مع الأطراف الاجتماعية للاتفاق حول هدنة اجتماعية لفترة زمنية محددة ومنهجية ثابتة تسمح باستعادة التوازن والتقليص من عجز الميزانية باعتماد مؤشرات يتم التفاوض بشأنها. 2- إجراءات خصوصية لإصلاح القطاع العمومي: تنفيذ البرنامج المتعلق بإصلاح الإدارة وذلك ب: *تكريس خيار الرقمنة والعمل عن بعد خصوصا بعد النتائج الإيجابية للتجربة خلال فترة كوفيد 19 ودعم رقمنة مختلف الإجراءات المتعلقة بالتصدير والتوريد والخدمات الإدارية . *العناية بالعنصر البشري بالإدارة المركزية والجهوية من حيث تطوير منظومة التكوين والمسارات المهنية مع إيلاء عناية خاصة بالوظائف العليا فيما يتعلق بشروط التأهل لها وشروط ممارستها. -اعتماد برنامج إصلاح المنشآت العمومية يأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مؤسسة حسب نوعية النشاط والخدمات المسداة ووضعيتها المالية وذلك عبر: *التزام الدولة بتنفيذ تعهداتها المالية السابقة تجاه المنشآت العمومية خلال سنة 2021. *مرافقة الهيكلة المالية والاجتماعية بحوكمة ملائمة على مستوى المؤسسة وسلطة الإشراف. *إعادة النظر في منظومة الإشراف في اتجاه مزيد من المرونة للمنشآت التي تستجيب معايير التصرف وتوفر ضمانات الأداء والجودة. *إيجاد خطوط تمويل ضمن برامج التعاون الدولي. 3- استعادة الثقة ودعم الاستثمار: *استعادة الثقة في المعاملات المالية للدولة التي ستتعهد بسداد كامل ديونها المتخلدة لدى مزوديها بحلول نهاية سنة2021 مع الالتزام مستقبلا بخلاص المزودين في الآجال القانونية. *الحفاظ على استقرار المنظومة القانونية للاستثمار الخاص مع استكمال تركيز إطارها المؤسساتي والترتيبي، والنظر في التعديلات اللازمة عند الاقتضاء للرفع من نجاعتها وصبغتها التحفيزية، خاصة من حيث سهولة عملية الاستثمار والتمويل والحصول على الامتيازات بالنسبة للاستثمار في الجهات ذات الأولوية. *إعطاء الأولوية القصوى في الاستثمارات العمومية مركزيا وجهويا خلال سنة 2021 لصيانة وإعادة تهيئة البنية التحتية الوطنية من طرقات ومنشآت مختلفة بما يمكن من تحسين جودة الحياة للمواطن ويخدم تونس كوجهة استثمارية أكثر تفاضلية. *تفعيل منظومة الشراكة بين القطاعين العام والخاص عبر تدعيم المشاريع الكبرى وذات المردودية العالية والتي يكون لها انعكاس مباشر على الخدمات العمومية الأساسية على غرار التربية والصحة والبنية الأساسية. *استكمال المنظومة الترتيبية للاقتصاد التضامني والاجتماعي وإرساء آليات لحوكمته بما يسمح بتحقيق الأهداف المرسومة لهذا القطاع. *اعتماد سياسة نشيطة لاستقطاب الاستثمارات الخارجية وتحسين تموقع تونس في سلاسل القيمة المضافة واستغلال الفرص الاستثمارية التي أفرزتها أزمة الفيروس كوفيد 19. 4- الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن : *محاربة مظاهر الاحتكار والمضاربة والتحكم في مسالك التوزيع وتقليص تدخل الوسطاء. *تدعيم دور مجلس المنافسة لردع الممارسات التي تضر بالمنافسة ولضمان فعالية السوق كآلية لتوجيه الفاعلين الاقتصاديين ودفع الإنتاج، مع العمل على تقليص الاقتصاد الريعي. *العمل بالتنسيق مع البنك المركزي على الحفاظ على قيمة العملة الوطنية للسيطرة على التضخم المورد. 5- حماية الفئات الهشة والعناية بالتونسيين في الخارج: * اعتبار مقاومة الفقر أولوية وطنية في إطار تمشّ واقعي يأخذ بعين الاعتبار إمكانيات الدولة بما يسمح بالتحسين التدريجي لمؤشرات الفقر في تونس من خلال اعتماد مقاربة تشاركية مع المجتمع المدني. *مواصلة العمل على توجيه الدعم نحو مستحقيه في إطار إصلاح منظومة الدعم واعتماد الإجراءات الظرفية الملائمة لترشيدها بالتوازي مع انطلاق تنفيذ مشروع الإصلاح الجذري والشامل لهذه المنظومة من خلال تركيز المعرف الوحيد ونظام الاستهداف والإحصاء والرقابة. *التزام الدولة، حسب تطور الأزمة الصحية، بحماية الفئات الهشة ومساندتها حتى نهاية الجائحة. *الالتزام بما أقرته الحكومات السابقة بخصوص الحد تدريجيا من أشكال العمل الهش حسب الإمكانيات المتوفرة. *توحيد الإشراف على ملف التونسيين بالخارج في وزارة الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج وإلحاق كل الهياكل المكلفة بملف التونسيين بالخارج في الوزارة حرصا على نجاعة تدخلات الدولة لفائدة أبنائها المقيمين خارج الوطن وتدعيما لدورهم المحوري في تنمية بلادهم. III- مقاربة عمل الحكومة: تتطلع حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة المعروضة عليكم إلى أن تكون حكومة فعل وإنجاز تعتمد الواقعية في عملها وتقطع مع الشعارات والوعود غير القابلة للتحقيق , وستكون إعادة تمكين الدولة وإيقاف النزيف المسجل على مستوى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الأولوية المطلقة للحكومة على المدى القصير، فيما سيكون تنفيذ البرامج الرامية إلى التحسين التدريجي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتجسيم الإصلاحات الكبرى من أولويات الحكومة على المدى المتوسط والبعيد. ويقتضي تحقيق الأولويات المرسومة عودة جادة لقيمة العمل واستئناف الإنتاج في كل القطاعات الاقتصادية حيث ولئن تتطلع الحكومة لاستمرار دعم الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية للتجربة الديمقراطية التونسية فإن إنقاذ تونس من المخاطر التي تهددها لن يكون إلا وطنيا بوقوف التونسيين نساء ورجالا في الداخل وفي الخارج باختلاف توجهاتهم السياسية إلى جانب بلدهم تكريسا للسيادة الاقتصادية للوطن. ويبقى نجاح الحكومة في تنفيذ برنامجها رهين تمكينها من هدنة سياسية واجتماعية فضلا عن مرافقتها سياسيا خلال المرحلة القادمة, وتلتزم الحكومة في هذا الإطار بالعمل على تحقيق الأولويات المطروحة خلال هذه المرحلة الصعبة في إطار التعاون مع كل مكونات المشهد السياسي كما تتعهد بالتفاعل مع كل المقترحات بعقلية إيجابية بما يخدم مصلحة تونس وفي إطار الاحترام الكامل لعلوية القانون وفرض احترامه.