اقتضت ضرورات البحث اعتماد المنهج النوعي الذي يقوم على أسلوب التحليل والوصف، على تجارب وأفكار وآراء ومعلومات، حول موضوع معين من أجل الحصول على نتائج علمية ثم تفسيرها بطريقة موضوعية، ما ينسجم مع البيانات الفعلية للظاهرة. ويهدف المنهج الوصفي الى جمع بيانات وتحديد المشاكل الموجودة أو توضيحها، الى جانب أنه يهدف إلى "تحديد ما يقوم به الأفراد في مسألة ما والاستفادة من آرائهم وفي وضع تصور وأخذ قرارات مستقبلية في قضايا مشابهة"، حسب ما يذهب إليه إسماعيل إبراهيم، في كتابه "مناهج البحوث الإعلامية". وتنقسم الدراسة الى تحليل معلومات أولية تتمثل في تحليل البيانات التي تم الحصول عليها عن طريق الاستبيان الموجه لفئة من الجمهور. وتحليل معلومات ثانوية تتمثل في تحليل لما جاء من معلومات حول موضوع البحث في تقارير نقابة الصحفيين والهايكا لسنتي 2014 و2019، ومقالات علمية اعتمدت على كتب ومقالات دراسات سابقة. تقنية البحث اعتمدت الدراسة استبيانا نوعيا، تماشيا مع المنهج النوعي، استهدف فئة من الجمهور التونسي المتابعة لوسائل الإعلام في تونس، كان وفقا لأخلاقيات البحث العلمي. وتم إرساله إلى 50 شخصا عن طريق موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك. وقد دامت مدة مشاركة الاستبيان أسبوعا. وتم تحليل الاستبيان بقراءة أولية للأجوبة ثم تقسيمها إلى محاور، ثم إعادة كتابتها وفقا لما يتماشى مع أسئلة البحث. العينة فئة من الجمهور باعتبارهم المعرضين للأخبار الزائفة والتضليل وهم (50 شخصا) تتكون من34 ذكرا و16 أنثى، حاصلين جميعهم على مستوى دراسي ثانوي وعال. علاقة الجمهور بمقاومة التضليل والأخبار الزائفة: يهتم هذا المحور في مرحلة أولى بتحليل طبيعة علاقة الجمهور بمقاومة الأخبار الزائفة والتضليل وتحليل آرائهم تجاه هذه المسألة من خلال نتائج الاستبيان الموجه لهم، وفي مرحلة ثانية تأثير الأخبار الزائفة والتضليل في السلم المجتمعية للعينة. في الواقع، بالرغم من وجود الأخبار الزائفة والمضللة منذ القدم، إلا أنه في العصر الراهن وتزامنا مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، زادت هذه الأخبار انتشارا وخطورة نظرا لتمتع الجمهور أو المتلقين بسهولة الاستعمال والنشر على شبكة الإنترنت. وتشكل الأخبار الزائفة والمضللة تهديدا كبيرا للصحافة والصحافيين بصفة عامة، وحياة الجمهور بصفة خاصة بتهديد سلمهم المجتمعية، وهو ما تذهب إليه لا فوث دي غاليثيا في دراستها "كيف نشرت الأخبار الزائفة وكيف تنتشر وتتطور". اهتمام الجمهور بمقاومة التضليل والأخبار الزائفة يهتم الجمهور التونسي بمسألة مقاومة الأخبار الزائفة والتضليل وقد تبين ذلك في نتائج الاستبيان الذي وجهناه لفئة من الجمهور المتابع لوسائل الإعلام التونسي. بيانات عامة حول العينة حيث تظهر بيانات الجدول ( رقم1 ) أن 34 شخصا من العينة هم ذكور و16 اناث وتراوحت أعمار أفراد العينة بين 18 سنة و60 سنة وكانت النسبة الأكبر شباب بين عمر 18 سنة و29 سنة حوالي 30 شخصا. ويبين الجدول أن نسبة من تبلغ أعمارهم من 60 فما فوق نسبة قليلة (2). وعن مستويات تعليم أفراد العينة فإن معظم المستجوبين حاصلين على تعليم عال (48 شخصا) وقلة منهم على تعليم ثانوي (2): استعمال الجمهور لوسائل الإعلام يوضح الجدول (رقم 2) أن أفراد العينة يستخدمون قناة "الوطنية الأولى" مصدرا للأخبار في تونس بعدد 30 شخصا، تليها قناة الجزيرة (26 شخصا) وقناة الزيتونة (10 أشخاص) وأن قناتي بي بي سي وسي ان ان، لا تعتمدان كثيرا مصادر لتلقي الأخبار في تونس: وبالنسبة إلى الإذاعات، يبين الجدول رقم (3) أن الإذاعات الأكثر اعتمادا من قبل أفراد العينة هي إذاعة موزاييك (21 شخصا) وإذاعة شمس أف أم (12 شخصا) والإذاعة الوطنية (10 أشخاص)، وإذاعة ابتسامة اف ام (5 أشخاص)، مثلما هو موضح في الجدول 3 الآتي. يعتمد أفراد العينة مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة الأخبار في تونس، ويوضح الجدول رقم 4 أن الفايسبوك أكثر المواقع اعتمادا ب31 شخصا، تليه المدونات والمنتديات الالكترونية ب10 أشخاص ثم موقع تويتر ب4 أشخاص. وفي تونس يعتمد الجمهور موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" مصدرا أوليا لمعرفة الأخبار فمعظم أفراد العينة يستخدمون الفايسبوك بنسبة عالية 69 % يليها راديو موزاييك بنسبة 42 % ثم القناة الوطنية الأولى بنسبة 28% إلى جانب قناة الجزيرة، وهي قناة أجنبية، وإذاعة شمس اف ام بنفس النسبة 24 %، فيما يعتمد 20% من المستجوبين المنتديات والمدونات الالكترونية مصدرا إخباريا في تونس. ويعلل معظم المبحوثين اختيارهم للمصدر بالسرعة في توفير الأخبار خاصة بالنسبة لموقع الفايسبوك تقريبا 24% منهم صرّحوا بذلك. في حين علّل 20% منهم سبب اختيارهم للمصدر بالموضوعية، وحوالي 16% منهم عللوا ذلك بالاحترافية في تقديم الخبر. وفي طرحنا لسؤال سبب اختيار المصدر علل معظم المستجوبين اختيارهم للمصدر بالسرعة في توفير الأخبار خاصة بالنسبة لموقع الفايسبوك، 24% منهم أجابوا بذلك. في حين علل 20% منهم سبب اختيارهم للمصدر بالموضوعية وحوالي 16% منهم عللوا بسبب الاحترافية في تقديم الخبر: وضعنا في الاستبيان سؤالا حول تقييم معيار الشفافية والمصداقية للقنوات التلفزيونية المتابعين لها وكان سلم التقييم من 1 إلى 10 (من 1 إلى 5 الأعلى/ من 5 إلى 10 الأدنى). وذلك لمعرفة آراء أفراد العينة حول شفافية ومصداقية هذه القنوات التلفزيونية فكانت النتائج كالآتي: وكذلك الحال بالنسبة للإذاعات وكان السلّم من 1 إلى 6 (من 1 إلى 3 الأعلى) من 3 إلى 6 الأدنى والنتائج كانت كالآتي: أما بالنسبة إلى مواقع التواصل الاجتماعي فقد طرحنا سؤال على المبحوثين لمعرفة آرائهم حول استعمال المصادر الالكترونية لمعرفة الأخبار في تونس فكانت النتيجة غير منتظرة فقد أجاب افراد العينة بنسبة 82% تحصلهم عن الخبر الصحيح على موقع الفايسبوك: لاحظنا من خلال نتائج هذه الآراء المتعلقة بمعيار الشفافية والمصداقية بالنسبة إلى المصادر الإخبارية أن أفراد العينة يثقون في قناة الوطنية الأولى بنسبة 41 % وهي قناة رسمية وعمومية، ثم قناة حنبعل الخاصة بنسبة 33 %، لتأتي قناة التاسعة الخاصة القناة الأدنى على مستوى معيار الشفافية والمصداقية، كما هو مبيّن، بنسبة 25 %. وبالنسبة إلى مواقع التواصل الاجتماعي كانت النتيجة، غير منتظرة فقد عبّر أفراد العينة بشكل واضح عن حصولهم عن الخبر الصحيح بنسبة 82% على موقع الفايسبوك. ومن هنا ترتفع امكانية تعرض الجمهور إلى التضليل وتصديق الأخبار الزائفة بشكل كبير باعتبار أن شبكات التواصل الاجتماعي باتت لا فقط مركزا للوجود وفضاء للتواصل بل أصبحت "المغذي الأساسي للغلاف السيميائي الذي يتحرك في فلكه المجتمع"، وفق عبارة عبد الله الحيدري. وتتميز شبكات التواصل الاجتماعي بطبيعتها المتطورة والمرنة على مستوى الاستعمال فهي لا تتطلب مهارات صعبة لفهمها أو مشاركة ما تتضمنه من معلومات ومحتويات، إضافة إلى تمتعها ب"السرعة القصوى" (الحيدري) في المعلومات. والمشكل هنا أن هذه الشبكات غالبا ما تنشر فيها أخبار زائفة لها تداعيات على المتلقي من جهة، وعلى المؤسسة الصحفية أو الصحفي من جهة أخرى. التأثير السلبي للأخبار الزائفة والتضليل في الجمهور يتأثر الجمهور بهذا النوع من الأخبار ويسبب له مخاوف، ما ينتج عنه فقدان الثقة بما تبثه المصادر الإخبارية من معلومات، وهو ما قد يهدد استمرارية تلك المؤسسة الإعلامية. وهذا ما نستخلصه من آراء أفراد العينة حول هذه المشكل كما يبين الرسم البياني والجدول التاليين، أن مسألة مقاومة التضليل والأخبار الزائفة مهمة جدا بالنسبة إلى العينة فثلاثة أشخاص يعتبرونها مهمة، في حين 48 شخصا يعتبرونها مهمة جدا. وقد علل المستجوبون اهتمامهم الشديد تجاه هذه المسألة بارتفاع الأخبار المضللة (حوالي 9 أشخاص) في حين يرى 21 شخصا أنه من الضرورة حمايتهم باعتبارهم متلقين وجمهورا من التضليل. و10 أشخاص يرون أن الأخبار الزائفة والتضليل تهدد السلم المجتمعية. و6 أشخاص يعتقدون أن مقاومة التضليل والأخبار الزائفة مهمة من أجل مقاومة قوى ضغط تسيطر على الإعلام. و4 أشخاص يعتبرون المسألة مهمة لأنها تهدد مسار الديمقراطية في تونس: وأغلبية الجمهور يتعرضون لمثل هذا النوع من الأخبار. فكما يوضح الجدول والرسم البياني التاليين فإن حوالي نصف أفراد العينة تعرضوا للتضليل وتصديق أخبار زائفة. وكان "فايسبوك" أكثر الوسائل نشرا للأخبار الزائفة والمضللة، فحوالي 15 مستجوبا تعرضوا لذلك، ثم إذاعة موزاييك إذ تعرض 4 مستجوبين لتصديق خبر وفاة محمد الناصر الرئيس السابق لمجلس النواب. وقناة الحوار التونسي (3 مستجوبين تعرضوا إلى تصديق أخبار مضللة حول الرئيس السابق منصف المرزوقي( وقناة التاسعة (شخصان تعرضا لتصديق خبر وفاة السيد محمد الناصر الرئيس السابق لمجلس النواب): خاتمة يشغل مشكل الأخبار الزائفة والتضليل أفراد العينة فهم يهتمون بهذه القضية بنسبة 94%، وغالبا ما يكونون ضحية لها. فأكثر من نصف العينة تعرضوا للتضليل بنسبة 56% وقد اختلفت المصادر الإعلامية التي تعرضوا من خلالها إلى تصديق أخبار زائفة من قنوات تلفزية، مثل قناة الحوار التونسي وإذاعة شمس اف ام وموقع "فايسبوك". وتوضح نتائج الجداول والرسوم البيانية في هذا المحور أن أكثر المصادر المستعملة لمعرفة الأخبار في تونس هي أكثرها نشرا للأخبار المضللة والمزيفة. آية سليمي طالبة ماجستير بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، جامعة منوبة، تونس.