الإسعاف الإسرائيلي: مقتل 11 إسرائيليا وإصابة 187 في الهجوم الإيراني الأخير    قافلة الصمود تُقرّر العودة إلى تونس    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    باكستان تغلق حدودها مع إيران    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    ما هو السلاح النووي؟...إليك كل التفاصيل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الإثارة .. إلى التوظيف السياسي المغرض
الإشاعة
نشر في الصباح يوم 22 - 01 - 2013

الإعلام في قفص الاتهام - «الفايسبوك» من نافذة على الحقيقة.. إلى أداة تضليل - عندما تصبح الإشاعة "صناعة" وتحيد عن طابع الإثارة لتتطور وتتحول إلى وسيلة هدفها نشر الفتنة بين الناس وتضليل الرأي العام والتشفي لتلحق أضرارا كبيرة ب"نفسية" المواطن.
وعندما تلعب تكنولوجيات الاتصال الحديثة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تغذية الظاهرة وتفشيها في المجتمع وجب حينها التوقف عند هذه الظاهرة المثيرة للجدل والتصدي لها بقوة والتدخل لمعرفة أسبابها وآثارها للوصول إلى حلول مناسبة للقضاء عليها أو للحد منها على الأقل.
وما انفكت الإشاعة تتفشى في مختلف الأوساط في بلادنا إلى درجة أنها أصبحت تستقطب اهتمام الجميع. وبات الكثير من الأشخاص يعتمدونها إما لمجرد اللهو والضحك أو انسياقا وراء تيارات حزبية وسياسية دون النظر إلى نتائجها وانعكاسها على المجتمع والأفراد. وتأثير هذه الظاهرة في الرأي العام يتجلى عبر حادثة ترويج بعضهم لخبر مفاده أن شابا وفتاة سجنا مدة شهرين بتهمة "قُبْلة".
هذا الخبر ولئن تقبله البعض بالكثير من الاستهزاء والضحك إلا انه هز مكونات المجتمع التونسي وأصبح حديث المنابر وعديد وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية وتناقلته المواقع الاجتماعية والالكترونية، إلى أن تمّ تكذيبه مؤخرا عبر الموقع الكتروني "الصباح النيوز" تحت عنوان "كذبوا كذبة وصدقوها" حيث أكد الموقع أن وزارة العدل قدمت تكذيبا لهذا الخبر وقالت إن هذا الحكم لم يصدر عن أيّة محكمة من محاكم الجمهورية. وأن ناشر الخبر ليس إلا مراسلا معروفا باختلاق الأخبار..
فالشائعة تتضمن احيانا موضوعا معينا يكون الاهتمام به مؤقتا، وتنتهي بموته ودفنه. الا انه يمكنها ايضا أن يكون تاثيرها كبيرا خاصة عندما تمس بسياسات او معتقدات او توجهات معينة يمكن ان تصل الى حدّ الانقلابات والحروب.
فمن المسؤول عن ترويج الشائعات؟ والى أي مدى يمكن لشائعة ان تؤثر على نفسية المواطن؟ وما هي الحلول للقضاء عليها أو للحد منها على الاقل؟
في سبر للآراء قامت به "الصباح" حول الموضوع ذهب البعض إلى القول بان الإشاعة يمكن ان تكون مجرد وسيلة للهو والعبث وأكد آخرون بانها يمكن ان تكون وسيلة للدفاع على مصالحهم الشخصية في ظل غياب المعلومة الصحيحة، إلا ان العديد منهم اجمعوا على ان للإشاعة تأثيرا سلبيا على نفسية المواطن خاصة في مرحلة ما بعد الثورة.
وقال عبد السلام لطيف موظف بالصيدلية المركزية إن المواطن التونسي سئم من انتشار الشائعات فالتونسي عادة يصدق الشائعة ويتفاعل معها لأنه لا يمكنه التفريق بين الشائعة أو الخبر لذلك يجب وضع حدّ لمثل هذه الأخبار الزائفة ومحاسبة من يقوم بنشرها وأضاف أيضا بان الشائعة يمكن أن تعتمد على جزء من الحقيقة لذا وجب التأكد قبل تصديقها أو ترديدها خاصة عبر "الفايسبوك".
وقال زياد المغيري (سائق تاكسي جماعي) بان الوضع عموما لا يبشر بخير فقد مل المواطن من الصراعات الحزبية والسياسية وكذب الحكومة التي تخرج لنا كل يوم بخطاب والشائعة مهما كانت يكون تأثيرها سلبيا على المواطن الذي لم يعد يحتمل حتى مشاهدة ما يجري على القنوات التلفزية. وختم بالقول "لقد تعبنا من الإشاعات ومما يروج عبر مواقع الاتصال الاجتماعي".
وواصل مرافقه سفيان (مقيم بالخارج) قائلا إن ما راج من أخبار حول مكونات الحليب المستورد من سلوفينيا وبأنها تحمل مواد "مسرطنة" ومواد خطيرة هو أمر لا أساس له من الصحة وأضاف انه يقيم في ايطاليا التي لها حدود مع سلوفينيا وهذا البلد يستهلك نفس الحليب الذي استوردته الحكومة التونسية وتساءل هل ستقبل ايطاليا أن تروّج في أسواقها حليبا مسرطنا ليتناوله شعبها؟
وقال إن مروجي مثل هذه الشائعات هدفهم الحفاظ على مصالحهم وهم أطراف معروفة من المهربين والمحتكرين ينتهجون مثل هذه الأساليب في كل مناسبة مثلما كان بالنسبة لخروف العيد عندما تم استيراد خرفان من رومانيا سمعنا أنها مصابة بمرض خطير لكن اتضح فيما بعد أنهم كذبوا على الناس ومرّ عيد الأضحى دون أن يقع تسجيل أية إصابة.
عادل أستاذ عربية قال إن الإشاعة هي جزء عميق وفلسفي من نفسية الفرد وهي طريقة يستعملها مروج الإشاعة لتلهية المجموعة عن مطالبها الأساسية كأن يروج خبرا حول مرض رئيس أو استقالة وزير أو غيرها من الأخبار في محاولة لتحويل وجهة المجتمع إلى قضايا هامشية تلهيه عن مطالبه الرئيسية.
فمروج الإشاعة حسب قوله هو المستفيد الأول منها ففي دول العالم الثالث وبوجود حكومات دكتاتورية تكون الحكومة هي المستفيد من تلهية الشعوب التي تمارس عليها الحيف والظلم خاصة عند وجود أزمة بالبلاد.
وقال إن "بث الإشاعة هو بث لعالم متخيل مفترض أن يتحقق على حساب عالم حقيقي".
أما السيد فريد صاحب مؤسسة فقد رأى أن الإشاعة أصبحت آفة في مجتمعنا والفايسبوك نجح بأن يصبح احد وسائل تسريب الاشاعات حتى أن المواطن التونسي أصبح يشك في كل شيء وأضاف بعدما كنا نبحث عن المعلومة أصبحنا اليوم نبحث عن المصداقية والحقيقة اين يمكن ان تكون..
أما عن المستفيد من الشائعة قال ان هناك من يستعمل الإشاعة كلعبة على سبيل المزاح فليست له أيّة غاية، وهناك من يستعمل الإشاعة لأنه يرى انه سيفقد بعض مصالحه فيضطر لنشر شائعة بدورها تغذي نفسها بنفسها.
كذلك رأى سمير الظاهري أستاذ ورئيس جمعية أفكار وحوار أن الإشاعة ظاهرة اجتماعية وتاريخية ولها تأثيرات نفسية واجتماعية وتؤثر على الأشخاص حسب درجة وعي ونفسية المتلقي فهناك من يتلقاها بشكل من الاستهتار والنكتة وهناك من تؤثر فيه.
وقال إن الشائعة لا حدود لها فهي مرتبطة بالإنسان والمجتمع ومنظور إليها حسب درجة القيمة أو المرجعية الأخلاقية والثقافية التي تربى عليها الفرد والمجتمع.
فيمكن أن تؤثر إشاعة في مجتمع كامل لأنها تمس الجانب القيمي مثل ظاهرة اختطاف الأطفال وأضاف أن هناك إشاعات لها أهداف سياسية وهي ظاهرة سلبية يجب التصدي لها وقال إن المنافسة السياسية لا تكون بإصدار الشائعات أو استعمال العنف والشتم إنما تكون عن طريق تقديم مشاريع تحمل قيمة وإمكانيات وقدرات على مستوى معين من الوعي.
دور "الفايسبوك" في تسميم الأجواء
كانت الإشاعة تتنقل شفويا دون أن يتم إخضاعها إلى حدّ أدنى من البرهنة والدليل، أما اليوم وبفضل "الانترنيت" ومواقع الاتصال الاجتماعي وخصوصا "الفايسبوك" أصبحت الإشاعة تتصدر هذه المواقع فبقدر ما لعب "الفايسبوك" دورا في تحقيق الثورة وإنجاحها في عدد من البلدان بقدر ما أصبح آلة ووسيلة في تسميم الأجواء وخلق الفتن والتأثير على الأشخاص بل أصبح اليوم مصدرا للفتنة وتقسيم الشعوب وشن حملات يمكن أن تحمل بين طياتها الكثير من معاني الفتنة والتخريب وتسميم الأجواء والتأثير السلبي على نفسية المواطن،
فمن منا لا يذكر الحكم الذي صدر بسجن الأستاذة الجامعية في شهر جويلية 2009 مدة ثمانية أشهر من اجل ترويجها شائعة خطف الأطفال على موقع ال"فايسبوك" وقد اعتبرت هذه الحادثة أول جريمة إلكترونية في البلاد ووجهت إلى المرأة تهمة "توزيع وعرض نشرات أجنبية المصدر على العموم من شأنها تعكير صفو الأمن العام في البلاد".
وأشار الأستاذ سمير الظاهري في هذا المجال الى ان "الفايسبوك" بقدر ما ساهم إسهاما كبيرا في تحريك الثورات وإنجاحها وهي التي ما كان لها أن تنجح عبر الهاتف أو عبر وسائل اتصال أخرى خاصة وان "الفايسبوك" له جمهوره من الشباب نراه اليوم قد حاد عن دوره ليكون وسيطا في الفتنة وبث الإشاعات ونشر البلبلة.
الإشاعة تنتشر في غياب مصداقية الإعلام
قالت حميدة البور أستاذة في الاتصال بان الإشاعة تنشط وتنتشر في ظل غياب معلومات واضحة ودقيقة وفي ظل غياب الشفافية في مستوى الإعلام العادي فالإشاعة هي نقيض الخبر وتنتشر في غياب مصداقية وسائل الإعلام بمختلف مصادرها.
والمواطن التونسي منذ أكثر من 50 سنة كان لا يعتمد على ما تقدمه وسائل الإعلام ويحصل على الحقائق من الشارع والى اليوم مازالت الفوضى الإعلامية قائمة فهناك العديد من وسائل الإعلام التي تنشر الأخبار الزائفة دون أن تكلف نفسها بعد ذلك حتى تقديم اعتذار على عدم حرفيتها ومصداقيتها لأنها غلبت الرأي على المعلومة وروجت للإشاعة لأنها لا تخضع لمقومات الخبرة والمصداقية حتى أنها تعتمد على وسائل الاتصال "الفايسبوك" الذي فيه الكثير من التضليل والفتنة. صحيح انه قبل 14 جانفي كان "الفايسبوك" مصدر المعلومة الصحيحة والخبر مقارنة بتكتم الحكومة وقتها على المعلومات.
ولاحظت أن وسائل الإعلام مازالت لم تكتسب ثقة المتلقي مائة بالمائة رغم التغيير فهي ينقصها الكثير من الخبرة والحرفية والمصداقية هذا إلى جانب الحملات التي تروج ضدّ الإعلاميين لضربهم وللتنقيص من مصداقيتهم لدى الرأي العام.
وترى السيدة حميدة البور بان الحل يكمن في استرجاع الإعلام لمصداقيته وشفافيته ودوره الأساسي في البحث عن المعلومة الدقيقة فبقدر ما يكون الإعلام حرفيا بقدر ما يكسب ثقة الجمهور وبقدر ما يلتصق بمشاغل الناس ويقدم لهم المعلومة الصحيحة بقدر ما يسترجع مكانته الأساسية وتتراجع ظاهرة الإشاعة
الإشاعة دليل على عدم ثقة في الخطاب السياسي
يقول الأستاذ جمال الشريف مختص في علم الاجتماع إن السلطة السياسية عموما وخاصة في الدول العربية تريد احتكار المعلومة وهذا يؤدي إلى ظهور ما يسمى بالدفاع الذاتي في المجتمع ويخلق آليات للدفاع موازية للخطاب الرسمي، كأن تصرح الحكومة مثلا بجلب الحليب من سلوفانيا فيكون الخطاب الموازي له الحليب مسرطن وهو تحصين ذاتي لان المواطن التونسي لم يكتسب حتى الآن الثقة في الخطاب الرسمي وهو ما يجعله يخلق نسيجا من المعلومات حول معطى معين كوسيلة للدفاع التلقائي من الخطاب السياسي المزدوج فانتشار الإشاعة هو دليل على عدم وجود ثقة في الخطاب السياسي وعدم وجود تواصل بين المجتمع والسياسيين وهذا يعود بنا إلى حقبة بن علي وحتى إلى فترة بورقيبة..
الإشاعة سلاح ذو حدين فبقدر ماهي نتاج ومعطى اجتماعي لتحصين المواطن ضد الخطاب السياسي بقدر ما يمكن أن تكون في الوقت ذاته وسيلة لنشر الأخبار الزائفة التي من شانها أن تحدث بلبلة وتهدد الأمن العام بالبلاد.
ومن شأنها أيضا أن تهدد مجتمعا بأكمله وتتسبب له في تأثيرات نفسية واجتماعية سلبية ويمكن أن تؤدي حتى إلى مشاكل اقتصادية وسياسية تكون البلاد في غنى عنها.. فالإشاعة يمكن أن تصيب المجتمع بحالة من الاكتئاب الجماعي إلى درجة أن تخلق أزمة في البلاد تكون نتائجها وخيمة خاصة إذا ما تعلق الأمر بمورد رزق مجموعة كبيرة من الأشخاص مثلما أشيع مؤخرا بان الخزينة العامة للبلاد التونسية تشكو من عجز فادح وضخم، وان الدولة عاجزة على صرف رواتب الموظفين العموميين مما أثار تخوفات كبيرة في صفوف المواطنين كما يمكن أن تنجرّ عنها مآس أخرى ونتائج اجتماعية واقتصادية وخيمة.
ولاحظ محدثنا بان الحكومة وان فندت مثل هذه الشائعات فان مصداقيتها تبقى رهينة مدى قابلية المجتمع لتصديق هذا الخطاب السياسي.
ومادام المجتمع مازال رافضا له فالإشاعة تبقى موجودة..
هل الإشاعة معطى اجتماعي؟
قال جمال الشريف بان هناك نوعين من الإشاعة هناك إشاعة تخدم وتصنع في مراكز القرار تبث في المجتمع لممارسة سلوك معين من اجل خدمة هدف معين من شانها أن تزعزع وتهدد الأمن العام هدفها ضرب حزب سياسي أو أشخاص كأن يقال بأن هناك حركات إرهابية أو وجود أسلحة في البلاد أو العثور على قنابل بإحدى الحافلات أو كما راج قبل الثورة حول ظاهرة خطف الأطفال وغيرها..
وهناك إشاعة تخرج من تلقاء نفسها من المجتمع مثلما راج في عيد الأضحى عند جلب الحكومة لمجموعة أكباش من رومانيا وما راج حول أسباب وجود جثث لخرفان تقاذفها البحر والتي فسحت المجال لإشاعات حول سلامة الخرفان الرومانية وبأنها مريضة دون أيّ دليل أو مصدر غير "سمعنا" و"قالوا" و"علمنا" إلى غير ذلك.. وأكد الباحث بان هذه الإشاعات هي ردود أفعال المواطن من أشياء دخيلة عليه أو أشياء لا يصدقها لعدم شعوره بالأمان. والإشاعة بصنفيها إما موجهة مثلما يحدث اليوم في خصوص الاعتداءات على المقدسات لتصبح في ما بعد حملة ضدّ خصم سياسي أو تكون من اجل تحصين المجتمع من الخطاب الرسمي، وانتشار الإشاعة في المجتمع التونسي بعد الثورة هو تأكيد على فشل الحكومة في إعطاء المعلومة الصحيحة وإقناع العموم بالخطاب الرسمي.
الحلول
رأى الأستاذ جمال الشريف أن الحل للحد من ظاهرة الإشاعة يتمثل في مصداقية الخطاب الرسمي واعتبر ذلك الحل الوحيد الذي من شانه أن يقضي تماما على هذه الظاهرة وقال بما أن الحكومة مازالت تعتمد ازدواجية الخطاب ومادامت المصداقية لم تتحقق في الخطاب الرسمي فإنها لا تستطيع كسب ثقة المجتمع وتبقى الظاهرة موجودة. والإشاعة ليست صناعة تونسية بل إنها موجودة في كل المجتمعات لكن خطورتها في بلادنا أكثر مادام الخطاب الرسمي لم يجد حظوته في المجتمع.
الإشاعة كتقنية للدعاية السياسية
تقول سلوى الشرفي مختصة في علوم الاتصال أن الإشاعة هي معلومة كاذبة تدخل ضمن عملية تضليل الإعلام وهذا التضليل الإعلامي هو تقنية من تقنيات الدعاية السياسية وتحديدا تدخل ضمن الدعاية الرمادية أو السوداء.
ولاحظت السيدة الشرفي أن الدعاية الرمادية يمكن ان تتمثل في تمرير معلومة قد تكون صحيحة ومصدرها صحيح ولكن تكون أهدافها غير المعلنة غير بريئة مثل ما يسمى ب"الشيراتون غايت" فقد تكون المعلومة صحيحة والمصدر نعرفه وهي ألفة الرياحي لكن الهدف هو تقصي حقائق بهدف توظيف سياسي لصالح جهة سياسية معينة أو يمكن أن تخدم أجندا سياسية معينة، هدفها التضليل وليس الحقيقة.
أما الدعاية السوداء فهي التي تعتمد الإشاعة ويكون مصدرها غير معروف وحسب التجربة والبحوث يمكن ان يكون المصدر بوليسيا أمنيا استخباراتيا هدفه الحرب النفسية وتستعمل مثل هذه الآليات عادة في الحروب السياسية عن طريق أسلحة الإشاعة ونتائجها تكون فعالة مثلما هو الأمر عشية الانتخابات في أمريكا حيث هناك ما يسمى بالإشاعة السوداء تلك التي تظهر في شهر أكتوبر و تسمى بمفاجآت أكتوبر للتأثير على الانتخابات في أمريكا التي تبدأ في شهر نوفمبر ويكون الهدف منها الحرب النفسية.
تأثير الإشاعة
يمكن أن تؤثر الإشاعة في بلد لا يكون فيه الحق في الوصول إلى المعلومة مضمونا فتعوض الإشاعة المعلومة ويكون من الصعب إثبات كذبها كما يكون من الصعب إقناع الناس بكذبها خاصة عندما يكون النظام السياسي استبداديا مثلما كان الحال في النظام السابق.
في حين أننا حسب قول سلوى الشرفي نجد في الدول الديمقراطية إمكانية مقاومة الإشاعة من خلال تقديم المعلومة الصحيحة وبشرط أن يكون المتصدي للردّ على الإشاعة يتمتع بمصداقية.كما أن تأثير الإشاعة على الناس وعلى المجتمع خطير جدا وهو ما أكدته العديد من الدراسات حيث يمكن أن تؤدي الشائعة إلى الانقلابات واستعمال العنف أو إلى إحباط نفسي كبير وأمراض نفسية وإلى خروج الناس إلى الشارع..
كيف نقاومها؟
إن السبيل الوحيد لمقاومة الإشاعة حسب رأي سلوى الشرفي هو توفير الحق في المعلومة للإعلاميين وعدم المس من مصداقيتهم وإيقاف الحرب المعلنة ضدّهم من قبل أطراف سياسية غايتها التشويه والحط من مصداقية الإعلام تحت عنوان "إعلام العار" حتى تكتسب مختلف وسائل الإعلام المصداقية والتأثير اللازم ويكون لها وقع لدى المواطن والمتلقي عموما لتصديق السياسي عند اللجوء إليه من اجل تكذيب الشائعة.
لكن أن تهاجم الحكومة الإعلام بالشتم والثلب ثم تلتجئ إليه لتمرير المعلومة فهو تناقض وأمر يدعو إلى التساؤل لان المتهم بالإشاعة فاقد للمصداقية بسبب ازدواجية الخطاب السياسي.
وأخيرا رأت الشرفي وجوب التخلي عن ازدواجية الخطاب السياسي حيث قالت ان الحكومة تعتمد خطابين، واحد موجه للخارج وخطاب آخر موجه للداخل وهذا من شانه أن يخلق أجواء "غير صحية" من شانها أن تؤسس لأرضية غير سليمة وبالتالي تسمح ببروز المعلومات غير الصحيحة وتساعد "جرثومة" الإشاعة على الانتشار والتطور وإنتاج الحالة التي نعيشها اليوم من مسّ لمصداقية الإعلام والتناحر السياسي والخطاب المزدوج وخلق أجواء ملائمة تغذي الإشاعة وتهزم الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.