قال القاضي، بمحكمة التعقيب، حمادي الرحماني، إنّ المحامي نور الدين البحيري، وزير العدل الأسبق، "ظل طيلة السنوات الثماني الماضية مُتّهما- بحق وبباطل- بالسيطرة على القضاء إلى أن جاء قيس سعيّد وانقلابه ليتلبس بذات الوصم و"ينسخ" عهد البحيري". وأضاف الرحماني، في تدوينة على حسابه بموقع فايسبوك، أنّ قيس سعيد "صنع في القضاء بقراراته المنفردة أضعاف ما يُنسب للبحيري نوعا وكمّا مع كفاءة محدودة وانحراف غريب بالأهداف والرهانات وانفراد بالقرار وإضافات نوعية في الترذيل والازدراء والنزوع لهدم المؤسسات والتدخل الصريح والمباشر في عمل المحاكم. ولولا المقاومة الشديدة التي يجدها من القضاء ومؤسساته لكنا الآن نتحدث عن "قضاء قيس سعيّد". وعدّد القاضي، في تدوينته بعنوان "من لم يتصدّ للبحيري وزيرا لا يحق له استباحته أسيرا"، جملة من البراهين يراها قرائن على أنّ الهدف الواضح لقيس سعيد، هو الانفراد بالقرار والسيطرة على القضاء والتدخل في قراراته. وكان أعوان أمن بالزي المدني حوّلوا بالقوّة وجهة المحامي والنائب نور الدين البحيري أمس الجمعة نحو مكان احتجاز سرّي، وقالت وزارة الداخلية إنّه وضع قيد الإقامة الجبرية استنادا إلى قانون حالة الطوارئ، لضرورة اقتضتها "حماية الأمن العام". وهو ما اعتبر عملية اختفاء قسري واحتجاز خارج القانون دون إذن قضائي، حسب وصف محامين وقانونيين وسياسيين. ولمّح قيس سعيد في بعض أحاديثه بقصر قرطاج إلى وجود شخص يسيطر على القضاء، في إشارة إلى ما يتم ترويجه من قبل خصوم نور الدين البحيري من أنّه ما زال يسيطر على القضاء حتى بعد مغادرته وزارة العدل سنة 2014. وذكّر القاضي حمادي الرحماني بأنّ قيس سعيد لم يُسمع له من قبل مآخذ على أداء نور الدين البحيري عندما كان على رأس وزارة العدل، رغم أن فترة وزارة البحيري كان مليئة بالصراعات والاحتجاجات. وتابع الرحماني: "لو كان انتقام الرئيس قيس سعيد من نور الدين البحيري على خلفية أدائه لما كان وزيرا للعدل، لكان عجّل بإيقاف كمال اللطيف أو بوضعه تحت الإقامة الجبرية، وقد نُسب للبحيري التدخل سنة 2012 لمنع إيقافه وتنفيذ بطاقة الجلب الصادرة عن قاضي التحقيق في حقه والتي توجهت قوة أمنية لتنفيذها بمنزله بسيدي بوسعيد في واقعة مشهودة انتهت بتحصين كمال اللطيف إلى الآن واستعادته بعد الانقلاب نفوذه على جزء من أجهزة الدولة". وأضاف القاضي: "لو كان انتقام الرئيس قيس سعيد من نور الدين البحيري رفضا لتدخله في القضاء وتوظيفه لمصلحته السياسية ولتصفية خصومه لما أذن أو على الأقل سمح للقضاء العسكري باعتقال خصومه السياسيين ومنتقديه كياسين العياري وسيف الدين مخلوف وعبد اللطيف العلوي وغيرهم...ولما تجرأ على التدخل هو مباشرة في عمل النيابة العمومية وأمر وزيرة العدل - على الهواء - بإثارة التتبعات ضد الرئيس السابق منصف المرزوقي والحصول في وقت قياسي على حكم يدينه وطبق طلبه." وتابع الرحماني: "لو كان الرئيس قيس سعيد منزعجا من أداء البحيري في ملف القضاء لكان اشتغل مع جمعية القضاة ورموز استقلال القضاء من القضاة وغيرهم على توسيع صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في ولايته على القضاء لتشمل انتداب القضاة والإشراف على المعهد الأعلى للقضاء، ولزاد في ضمانات الاستقلالية بالنسبة للقضاة...ولأبقى على مشروع الحكومة الأصلي والتشاركي لقانون المجلس الأعلى للقضاء بصيغته التي عُرضت على مجلس نواب الشعب وحازت وقتها رضا قضائيا وحقوقيا وسياسيا واسعا". وواصل الرحماني: "لو كان الرئيس قيس سعيد مشكل مع ما يُسميه المطبلون له "قضاء البحيري" لما أصبح قضاته - ممّن أكلوا من موائد البحيري وممن تبوؤوا المواقع القضائية في عهده ووقع تبييض ماضي تجاوزاتهم في زمنه - لما أصبحوا من الدائرة المقربة من الرئيس ومستشاريه الرسميين والفعليّين ومنهم من تقلد مناصب هامة وترأس هيئات وطنية". وأضاف: "لو كان للرئيس قيس سعيد مُشكل مع منهج حكم البحيري لما احترف تهديد القضاء وترهيبه والتلويح مباشرة أو بواسطة أنصاره بالتطهير والإعفاءات والإحالة على التقاعد الوجوبي وغيرها من وسائل الابتزاز. ونسيَ أن مسانديه ينسِبون للبحيري خصوصا "استخدام الإعفاءات لتدجين القضاء وترهيبه ووضعه تحت أقدامه." وتابع القاضي حمادي الرحماني: "لو كان وضع البحيري تحت الإقامة الجبرية غيرة على "الإعلام الحر" الذي قيل إن البحيري استهدفه بتنكيله بسامي الفهري، لما سمح في عهده وبعد الانقلاب بالذات بإيقاف بث عديد القنوات التلفزية المخالفة له وغير المطبلة لانقلابه، ولما أذن شخصيا باعتقال صحفي قناة الزيتونة عامر عياد من أجل قصيدة أحمد مطر طبق ما أكده محمد عبو في إحدى الإذاعات نقلا عن مصادر موثوقة كما قال".