تشهد السجون التونسية منذ سنوات عديدة حالة إكتظاظ كبرى،و قد حذر الخبراء من مخلفاتها سواء على السجناء أو على ادارة السجن نفسها، ذلك أن نسبة الإكتظاظ وصلت إلى حدود 200% وفق آخر الإحصائيات بعد أن كانت في حدود 150% في أواخر سنة 2014 وبداية 2015. ويعود الإكتظاظ إلى عدة أسباب منها المنظومة القانونية المنقوصة على غرار طول مدة الإيقاف وإمكانية تمديدها بالإضافة إلى نقص السجون مقارنة بنسب المساجين المرتفعة وضعف الميزانية، إذ يتم رصدها حسب عدد الأسرة غير أن عدد المودعين يفوقها بكثير مما أثر بصفة مباشرة على ظروف الخدمات الإجتماعية والصحية. وتنتشر أمراضا عديدة وخطيرة بسبب حالة الإكتظاظ منها الأمراض الجلدية" الجرب"، والقمل والحساسية وصعوبة التنفس سواء بين المساجين أو حتى في صفوف الأعوان والأطباء كما أنه يتسبب في إستنزاف طاقة أعوان السجون والإدارات المعنية. و في سبيل تدارك الوضع و ايجاد حل مستعجل لظاهرة " اكتظاظ السجون " أعلن وزير العدل غازي الجريبي، أن عدد المحكومين سيتجاوز في الأسابيع المقبلة عدد الموقوفين وهو أمر يحصل لأول مرة في تونس منذ عشرات السنين. وأضاف على هامش مشاركته امس الجمعة في اختتام الاستشارة الوطنية بخصوص المشروع الأولي لتنقيح الكتاب الأول من المجلة الجزائية أن هذا الانجاز تحقق بفضل جهود القضاة بالتسريع في نسق المحاكمات مشيرا إلى أن عدد المحكومين والموقوفين اليوم متساو. وأرجع الجريبي الاكتظاظ المسجل في السجون إلى التراكمات الحاصلة طيلة السنوات الفارطة بسبب حرق بعض الوحدات السجنية وغلق بعضها بعد الثورة لإعادة تهيئتها بالإضافة إلى السياسة الجزائية القديمة موضحا أن عدد المساجين بلغ اليوم 22 ألف و500 سجين في حين كان قبل الثورة في حدود 30 ألف سجين وأن أعداد السجناء في نسق تنازلي. كما اعتبر أنه من الضروري توخي العقوبات البديلة مثل المراقبة الالكترونية (باستعمال السوار الالكتروني) التي من شأنها تعويض الايقاف التحفظي أو العمل للمصلحة العامة من أجل الارتقاء بمستوى التشريع الجزائي التونسي لتصبح مرجعا يستأنس به ومصدرا من مصادر التشريع العام. وأوضح أن عددا من المجلات القانونية في تونس تمت صياغتها منذ أكثر من قرن وفق الأفكار السائدة آنذاك الأمر الذي يجعل من مراجعتها أمرا ضروريا لاسيما بعد صدور دستور 2014 الذي كرس جملة من الحقوق والحريات بالاضافة إلى مصادقة تونس على عدد من المواثيق الدولية التي يجب ترجمتها على أرض الواقع. من جانبه إعتبر المسؤول الوطني عن برنامج دعم اصلاح القضاء جلول شلبي أن مراجعة الإطار التشريعي الجزائي قصد ملاءمته مع الدستور الجديد ومع المعايير الدولية والاتفاقيات الدولية أمر ضروري في الوقت الراهن بالنظر إلى المصادقة على الدستور الجديد سنة 2014 ووجود تحديات كبيرة مطروحة على الدولة والمجتمع التونسي أهمها ارتفاع عدد المساجين داعيا إلى مراجعة التشريعات المتعلقة بأصل الأحكام الجزائية ومراجعة الاجراءات المتعلقة بالاحتفاظ والايقاف وتفعيل بدائل للعقوبات السالبة للحرية. وأضاف في هذا السياق أن أوكد أولويات الحكومة ووزارة العدل يتمثل في ايجاد بدائل للعقوبة السالبة للحرية في أصناف من الجرائم ومراجعة أسقف العقوبات عبر تمكين القضاة من سلطات تقديرية واسعة لاقتراح السراح الشرطي وبعض الوسائل البديلة. يذكر أن اللجنة الوطنية المكلفة بمراجعة المجلة الجزائية نظمت عددا من الاستشارات الجهوية في عدد من المدن داخل البلاد على غرار صفاقس وسوسة وطبرقة واختتمت أعمالها اليوم في تونس بغرض عرض نتائج أعمالها على كافة المشاركين في الاستشارة من قضاة ومحامين وأعضاء مجلس نواب الشعب وعدد من الخبراء والأساتذة الجامعيين والحقوقيين بهدف بلورة التصورات واعداد مشروع قانون يحال على رئاسة الحكومة ثم على أنظار مجلس نواب الشعب في مرحلة ثانية.