لم تستطع الاحداث المتتالية التي مرت على تونس، وكادت تتسبب في بعض الاحيان في أزمات سياسية واقتصادية خانقة، بسبب أطماعهم الحزبية، وسعيهم وراء المناصب و "مراهقتهم السياسية"، أن تعيد السياسيون في تونس الى رشدهم وتخرجهم من دائرة الحسابات الحزبية الضيقة الى فساحة الموقف الوطني الجامع لكل الطيف السياسي. فالأحداث السياسية التي عاشت على وقعها تونس باعتبارها حالة استثنائية، خرجت من فوضى تبعات ثورة اُعتبرت قياسيا ناجحة مقارنة بباقي دول "الربيع العربي"، عرّت هشاشة الثقافة السياسية لدى النخبة، إذا ما اعتمدنا على مبدا أن السياسي هو ذلك الانسان المتزن الذي يصمد امام الهزات ويتعامل معها بكل اتزان من اجل استجلاء الموقف المناسب للحالة الطارئة والبحث في هدوء وبعيدا عن الانفعالات وردود الفعل المتشنجة والهستيرية عن التعاملات الضرورية والمستحضرة لكل المستلزمات ولصورة التداعيات التي تستتبع كل قرار او موقف او حتى تصريح. بوجمعة الرميلي أحد مؤسسي حزب حركة نداء، والقيادي المستقيل من حزب تونس أولا، وبعد إعلانه الانسحاب من حزبه واعتزاله العمل السياسي الحزبي بصفة عامّة حيثّ أكد انه سيتخلى عن أيّ نشاط سياسي، يعود الى الساحة السياسية بمواقف مفاجئة، تنكر فيها لحزبه الاصلي، حيث أكد ان مهمة نداء تونس "انتهت" وان مهمة مؤسسه الباجي قائد السبسي ستنتهي "غدا" سنة 2019 داعيا اياه الى عدم الترشح الى ولاية جديدة باعتبار ان ذلك سيكون "عنوان فشل له بالذات لأنه بذلك سيعود بنا إلى نموذج ‘أنا أو لا أحد' لبورقيبة وبن علي اللذين نعرف مصيرهما بعد ذلك" وفق تقديره. ودعا فيها الى مساندة مبادرة "الاحزاب العشرة" واصفا اياها بالامل الجديد وب"المبادرة الوطنية" التي لها مزايا أهمها انفتاحها على اليسار والدساترة والليبيراليين بما يمنحها "مقومات وطنية واجتماعية وتقدمية وديمقراطية وحداثية تونسية أصلية". كما دعا في أول تعليق له على الشأن الوطني منذ اعلانه اعتزال النشاط الحزبي والسياسي ،في تدوينة نشرها اليوم على صفحته الرسمية بموقع "فايسبوك" الاحزاب المكونة لمجموعة "العشرة أحزاب" وخصوصا ‘تونس أولا' و'البديل' و'المبادرة' و'الجمهوري' و'آفاق تونس' و'مستقبل تونس' الى الانصهار في حزب واحد مُبرزا ان هذا القرار سيُمثل مؤشرا هاما على تجاوز ثقافة الزعامات المدمرة، حسب تعبيره. وشدد على ان عملية الانصهار تُشكل "رسالة هامة على أن تونس تستعد حقيقة للدخول في مرحلة جديدة من مسيرتها الرائدة التي قامت بإنجازات عظيمة " لافتا الى ان" تونس في مأزق لم يعد قابلا للمعالجة إلا بالتجديد الجذري والقاطع مع السائد الذي لم يعد ينفعه أي نوع من أنواع الترقيع". وأبرز الرميلي ان حل الازمة السياسية لا يمكن أن يكون إلا بإعادة النظر في العمق للمشهد السياسي التونسي. واعتبر الرميلي ان مبادرة الانصهار مفتوحة ايضا على من أسماهم بأبناء حزبي نداء تونس ومشروع تونس وان هذا الانصهار يُذكّر بمبادرة تأسيس حزب نداء تونس. ولاحظ ان بناء حزب لا يستقيم أساسا بمعاداة طرف خارج عنه ،في اشارة ضمنية الى معارضة احزاب من مجموعة "العشرة" حركة النهضة وتقديم نفسها كضامن لحكم لا يشارك فيه هذا الحزب. وكان الرميلي قد أوضح لدى اعلانه الانسحاب من الحياة السياسية انه كان من المفترض ان يكون إنسحابه من الحياة السياسية مباشرة بعد فوز حركة نداء تونس في إنتخابات سنة 2014، ولكن ما حصل داخل الحزب من صراعات مدّد إنخراطه في العمل السياسي لمدة ثلاث سنوات.