مرور سبع سنوات على الثورة وإجراء ثلاث جولات انتخابية كان كافياً لذوي الدراية السياسية لإدراك أن البنية الحزبية في تونس وحالة التشتت التنظيمي قد أفضت إلى غير المقصود منها من حيث أن الهدف من إنشاء التنظيمات الحزبية هو المنافسة على السلطة وليس مجرد تسجيل الحضور السياسي الشكلي. ولم تستطع الاحداث المتتالية التي مرت على تونس، وكادت تتسبب في بعض الاحيان في أزمات سياسية واقتصادية خانقة، بسبب أطماعهم الحزبية، وسعيهم وراء المناصب و "مراهقتهم السياسية"، أن تعيدهم الى رشدهم وتخرجهم من دائرة الحسابات الحزبية الضيقة الى فساحة الموقف الوطني الجامع لكل الطيف السياسي. فالأحداث السياسية التي عاشت على وقعها تونس باعتبارها حالة استثنائية، خرجت من فوضى تبعات ثورة اُعتبرت قياسيا ناجحة مقارنة بباقي دول "الربيع العربي"، عرّت هشاشة الثقافة السياسية لدى النخبة، إذا ما اعتمدنا على مبدا أن السياسي هو ذلك الانسان المتزن الذي يصمد امام الهزات ويتعامل معها بكل اتزان من اجل استجلاء الموقف المناسب للحالة الطارئة والبحث في هدوء وبعيدا عن الانفعالات وردود الفعل المتشنجة والهستيرية عن التعاملات الضرورية والمستحضرة لكل المستلزمات ولصورة التداعيات التي ستتبع كل قرار او موقف او حتى تصريح. ولم تبق المراهقة السياسية مجرد مرحلة معينة يمر بها حزب سياسي، أو تحتمها أحداث، كممارسة الديمقراطية لاول مرة، بل أصبحت ظاهرة في تونس، أكدتها عدة أطراف بينها الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي الاربعاء 20 ديسمبر 2017، الذي دعا عموم الشعب التونسي والشغالين الى "عدم الانسياق وراء شعور اليأس الذي يحاول بعضهم بثه والمشاركة باكثر فاعلية في المحطات الانتخابية المقبلة من أجل حسن القرار باختيار العناصر الكفأة والقادرة على الحفاظ على مقومات ونمط المجتمع التونسي، مؤكدا رفض المنظمة الشغيلة التام لما أسماه ب"الشعوذة والمراهقين الجدد" الذين يدعون في المنابر الاعلامية الى التفريط في القطاع العام. ودعا في تصريحات سابقة السياسيين إلى الكف عن تبادل الاتهامات في بلاتوهات التلفزات، بما يساهم في تمييع أبرز القضايا، مؤكدا أن الاتحاد لن يقبل أن يكون شاهد زور أمام ما أسماه "المراهقة السياسية"، وأنه سيواصل الاضطلاع بدوره كقوة اقتراح وبناء، بالاضافة الى دوره النضالي في الضغط الايجابي من اجل أن تستقيم الامور. وقال رئيس كتلة نداء تونس وليد الجلاد إن محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس ضيّق صدره لم يحتمل الاختلاف في الرأي واستعمل في أول امتحان للديمقراطية والاختلاف الإقصاء وهو ما ينم عن عدم نضجه السياسي وانه لم يتجاوز سن المراهقة السياسية، وذلك على خلفية اقالة عدد من النواب من كتلة الحرة. من جهته، وصف رؤوف الخماسي القيادي بحزب نداء تونس والمسؤول عن هياكله الحزب في الخارج، الأربعاء 20 ديسمبر 2017، الجدل الدائر حاليا بشأن مراجعة علاقات التحالف بين نداء تونس والنهضة فكّ الارتباط بينهما ب"المراهقة السياسية". وانتقد الخماسي بشدّة، في بيان نشره على صفحته بموقع "فيسبوك"، ردود فعل من وصفهم ب"الوافدين الجدد" على حزب النداء، معتبرا أنّها "لا تخدم إلاّ أجندة الفوضويين وأعداء نداء تونس وتعرّض أمننا القومي للخطر بزج بلادنا في أزمة حكم لا مبرّر لها". هذا وتشهد تونس أيضا حالة من الانفلات السياسي، الذي تترجمه طفرة التصريحات السياسية، لقيادات تعارض في بعض الحالات مواقف أحزابها الاصلية، ولا تستند فيها الى مركزية القرار. ويرى مراقبون أن الخلافات الحادة بين أحزاب السلطة والمعارضة هي التي أخرت فترة المراهقة السياسية، ومرحلة الديمقراطية الناشئة، خاصة أنها ما انفكت تعبث بتطور عمل الحكومة ومؤسساتها ، حيث زاد السجال الدائم بين قيادييها الوضع اضطرابا، حتى أضحت هذه الحالة عادية في تونس الجديدة، وذلك ما أفرزته ديمقراطية ما بعد الثورة، ومثل تبادل الاتهامات بين الاحزاب المكونة للمشهد السياسي، أبرز مخلفات هذا الوضع.