تتفق جميع الأطراف المحلية والاقليمية على أن تونس تسير على السكة الصحيحة في مسارها الانتقالي بعد حوالي سبع سنوات من الإطاحة بالنظام السابق، رغم أن المسار يواجه تعثرا واضحا في ظل تحديات تهدد نجاح التجربة التونسية التي اُعتبرت استثناء في العالم العربي. هذا وعملت تونس منذ الاطاحة بالرئيس المخلوع على استعادة عافيتها في عدة مجالات، وأثبتت حضورها الدولي في شتى المنتديات واللقاءات، ويبدو أن المؤشرات الايجابية لانعكاسات ذلك باتت أوضح مع حلول 2018. وتواصل البلاد رغم الاخلالات والتعثر شق طريقها بثبات نحو تدعيم مكانتها في محيطها العربي والاقليمي، فهي التي نجحت في أن تكون استثناء منذ حوالي سبع سنوات، وهي تنجح اليوم في اختطاف الأضواء من باقي دول شمال افريقيا، لتتصدر التصنيفات الدولية في مؤشر الحرية والديمقراطية وعشرات التصنيفات الأخرى. في هذا السياق، طرحت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك تدعى "نعم للثورة الفكريّة" سؤالا على متابعيها غير التونسيين الذي تجاوز عددهم المليون و400 ألف متابع "ماذا تعرف عن تونس؟". المنشور علق عليه 2400 متابع من العالم العربي على المنشور أظهروا اطلاعهم على تاريخ تونس وحضارتها وخصوصية شعبها، وأجمعوا على أنّ بلادنا تعدّ استثناء في العالم العربي، مثنين على تجربتها الناشئة الديمقراطية ونجاح ثورتها. ومهّد التونسيون الطريق نحو التحول الديمقراطي بتمكنهم من تخطي تلك المرحلة، وقد شكل نجاح تجربة التحول الديموقراطي في تونس، على صعيد دوليّ، استثناء حقيقياً عن تجارب البلدان العربية الأخرى التي مرت بمرحلة ‘الربيع العربي'، وبالحقيقة لا يشكل هذا النجاح تحدياً نظرياً فحسب، بل إن تفسيره ربما يذهب إلى أبعد من ذلك في ما يتعلق بتأكيد الفشل في تفسير نظريات التحول الديموقراطي في المنطقة العربية. ويشير متابعون للشأن التونسي أن تونس كانت استثناء وبقيت كذلك بفضل ارتفاع منسوب الوعي السياسي لدى الشعب و النخب التي تابعت الأحداث الدائرة في بقية بلدان الربيع العربي ورأت انزلاق بعضها في أتون التجاذب الحاد والفوضى وهو ما جعلهم أكثر حرصا على النجاح و أقل ذهابا في المغامرات غير المحسوبة كغيرها من بلدان الربيع العربي ليبقى الاستثناء تونسيا حد هذه اللحظة. ورغم ما يراه العالم في تونس الاستثناء فإن الاحزاب ما انفكوا يشوهون العملية السياسية، ويهزون صورة البلاد خارجا، فلم يُبنى المشهد السياسي الحزبي بالوضوح والدقة الكافيين عن اتجاهات العملية السياسية فيها في ظل وجود إجماع حول هشاشة المشهد الحزبي في البلاد بعد الثورة ولم يعد هذا "الاكتظاظ الحزبي" يترجم الحركية والفاعلية السياسية الحقيقية، التي كان يطمح لها التونسيون حتى أن هذا الاكتظاظ تسبب في كثير من الاحيان في تجاوز القانون وتشويه العملية الديمقراطية. كما يعلق مراقبون على ممارسة السياسة في تونس، وتنقل السياسيين بين الأحزاب، أن هذا التحول من جهة الى أخرى ومن خانة سياسية الى أخرى تحمل الى المواطن رسائل سلبية وتضرب مصداقية العمل الحزبي والسياسي وتلحق الأذى بكل الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي في انتظار بلوغ الاستقرار السياسي وفي انتظار ان يتشبع رجال السياسة بمبادئ ومفاهيم الديمقراطية في أبعادها الاجتماعية والفكرية والنضالية الحقة التي تؤسس لبقاء الأحزاب على غرار ما يحدث في الدول المتقدمة والديمقراطية.