كثيرة هي الأحداث الّتي دفعت بمجلس النواب إلى تشكيل لجان تحقيق برلمانية للنظر في حيثياتها و الفصل فيها ولكن رغم الانتظارات الكبرى و الآمال المعلقة إلاّ أنّ هذه اللجان لم تؤت أكلها خاصّة في ما يتعلق بملف بنما ، الملف الذي قيل أنّه "قبُر" رغم خطورته . و لم يتجاوز التّعاطي مع وثائق بنما مربّع لجان التحقيق البرلمانية التى أصبحت مبعثًا للتندّر ، فبعد مرور سنتين من بعث لجنة التحقيق في القضية المذكورة لم تستطع اللجنة إلى يومنا هذا التوصل إلى نتائج ملموسة، فيما يقول البعض الآخر أنّ أطرافا عملت على تجميد الملف و حرصت على قبره ، و لكن الاحداث الأخيرة و التي عرفت بأكبر فضيحة تجسس في تاريخ البلاد ، حرّكت المياه الراكدة و عادت للأذهان ملف بنما خاصة و أن بعض الشخصيات التي ذكر اسمها في ذاك الملف اعيد ذكرها اليوم في ملف الجوسسة ، ما يثبت مصداقية التهم المنسوبة إليها . وهزّت تسريبات ما سمّي ب"أوراق بنما" العالم سنة 2016، بعد أن كشفت التسريبات واحدة من أكبر الملاذات الضريبية في العالم التي يلتجؤ إليها سياسيون و رجال أعمال و إعلام و آخرين للتهرّب من الضرائب في بلدانهم. وكشف موقع "انكيفادا" الذي شارك ضمن 109 وسائل إعلامية حول العالم في تحقيق "بنما" ،عن قائمة الذين ورد ذكرهم ، و تحتوي الوثيقة على أسماء محامين تونسيين لحسابهم الشخصي أو لحساب مؤسسات يمثلونها، وسياسيين تونسيين و من بينهم الامين العام لحركة مشروع تونس و القيادي السابق بنداء تونس محسن مرزوق . وقال "انكيفادا"، إن مرزوق اتصل بمكتب المحاماة "موساك فونسيكا" عبر البريد الإلكتروني، خلال إشرافه على الحملة الانتخابية للسبسي في ديسمبر 2014، بهدف الاستفسار عن كيفية تأسيس شركة استثمار مالية "غير موطنة" (Off-Shore) لتحويل أموال وتهريبها إلى الخارج دون تبعات ضريبية. وتكشف وثائق مسربة، ضمن 11 مليون وثيقة، أن مرزوق اقترح أن تكون شركته تحت اسم "MM Business" سنة 2014، قبل أن يتلقى ردا على تساؤلاته مدعوما ببعض الوثائق التي توضح طريقة تأسيس شركة توظيف أموال في الجزر العذراء البريطانية. و تشكلت على إثر ذلك لجنة برلمانية للتحقيق في القضية المذكورة لكن اللجنة و بالرغم من مرور سنتين على تشكيلها لم تحرز أيّ تقدّم يذكر. وينص القسم الرابع من النظام الداخلي للبرلمان في فصله 97 الخاص بلجان التحقيق انه يمكن لمجلس نواب الشعب وبطلب من ربع الأعضاء على الأقل إحداث لجان تحقيق، ويصادق المجلس على إحداثها بأغلبية أعضائه الحاضرين على أن لا يقل عدد الموافقين عن الثلث. و يرى مراقبون التسريبات و وثائق بنما تحولت في دول أخرى من العالم إلى أروقة القضاء و تمّ البت في بعضها قضائيا و خرج مسؤولون سياسيون كبار ليقدّموا إعتذاراتهم أمّا في تونس فقد إختفت الوثائق و إختفت لجنة التحقيق البرلمانية و توقف الموقع المشارك في التحقيق عن الحديث في الموضوع بشكل مفاجئ و الثابت أن التهرّب الضريبي لا يزال ينخر الإقتصاد في إنتظار فضيحة أخرى قد تعيد الموضوع إلى السطح مجددا. و كانت يومية الشروق كشفت هذا الأسبوع عن «أكبر فضيحة تجسس» في تاريخ البلاد، تعمل لمصلحة أطراف أمريكية وفرنسية، وتضم رؤساء أحزاب ومدراء بنوك ومسؤولين كبارا في الدولة، وقالت إن السلطات التونسية تقوم حاليا بالتحقيق مع بعضهم بتهمة إفشاء أسرار الدولة لجهة خارجية. وكشفت الصحيفة لاحقا معلومات جديدة حول شبكة التجسس المذكورة، تتعلق بشراء رجلي الأعمال اليهودي الفرنسي والأمريكي (اللذين يديران الشبكة) لرئيس حزب أشارت له الصحفية برمز (م. م) وخبير اقتصادي (م.ج) ومستشار سابق لرئيس الجمهورية (ع.ك) ومدير عام سابق للجمارك، مشيرة إلى أن المتورطين تسلموا تطبيقا للهاتف المحمول متختص بالتنصت تم إدخالها إلى قصر قرطاج للتنصت على مكالمات واجتماعات رئيس الجمهورية، فضلا عن إرسال تقرير يومي حول نشاط أغلب السياسيين في البلاد. وأثار الكشف عن الشبكة الجديدة موجة استنكار في تونس، حيث تساءل الإعلامي زياد الهاني عبر صفحته على موقع «فيسبوك»: «لماذا لم تصدر لحد الآن بطاقات قضائية لإيقاف محسن مرزوق (رئيس حزب مشروع تونس) ومُعز الجودي (خبير اقتصادي) وعزيز كريشان (مستشار للرئيس السابق منصف المرزوقي) وعادل بن حسن (مدير سابق للجمارك)؟»، وأضاف «القانون فوق الجميع، وأي تراخٍ في تطبيقه سيمثّل تأكيدا على أن المافيات هي التي تتحكم في البلاد». و في تعليقه على الموضوع ، كتب الاستاذ الجامعي محمد ضيف الله تدوينة على "الفايسبوك " ، قال فيها "محسن مرزوق اكتسب تجربة قياسية في مواجهة الفضائح. فبحيث لم ننس الكشف عن اسمه في أفريل 2016 في فضيحة أوراق باناما أي منذ سنتين الآن، وقد تشكلت للتحقيق آنذاك لجنة برلمانية. لا ندري هل مازالت قائمة إلى الآن أم أنه وقع تجميدها أم أن المسألة تتطلب أكثر من 22 شهرا للتحقيق. وبحيث هو يعرف أن "طول الخيط يتلف الإبرة"، بمعنى أن الزمن كفيل بأن يطوي أكبر الفضائح وأصغرها، ويكفي م.م. بين الفضيحة والأخرى أن يصمت أو يرغد، وربما في تقديره أن هذه الفضيحة ليست أكبر من سابقتها، من حيث اهتمام الرأي العام. وربما ليست أكبر من فضيحة لاحقة.