لا تزال تونس تعيش تحت وقع الرّجة التي أثارها إدراجها ضمن قائمة سوداء جديدة من قبل البرلمان الأوروبي الذي صنّفها في قائمة البلدان الأكثر عرضة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد أقل من شهر تقريبا على تصنيف البلد ضمن قائمة سوداء للملاذات الضريبية قبل التراجع عن ذلك. وقبل أن تتجاوز تونس تأثيرات ذلك على صورتها الخارجية، وتدارك ما أحدثته من رجات على المستوى الداخلي والديبلوماسي، حتى انهالت التصريحات بوقوف تونس على أعتاب تصنيفات كثيرة جديدة تلوح في أفق المستجدات. يأتي ذلك في وقت تسعى فيه السلطات إلى التسريع في وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وتحاول تحسين تشريعاتها الجبائية ومكافحة التهرب الضريبي، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي، من أجل الاستمرار في دعمها ماليا. في هذا الصدد، قال رئيس اللجنة الوطنية للتحاليل المالية، الشاذلي العياري، ان لديه مراسلات (50 او 60 مراسلة ) وجهتها اللجنة الى الحكومة لتحذيرها من تدارك تصنيفات اقليمية محتملة لتونس في عدة مجالات من بينها تصنيفات لجان مالية دولية في وقت شدد فيه اعضاء اللجنة على ان تونس تمتلك ترسانة تشريعية في مجال تبييض الاموال لكن تنقصها الفعالية ". واقر العياري خلال جلسة استماع عقدتها لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب، "بأنّ تونس كانت متخوفة من اجتماع الارجنيتن (نوفمبر 2017) وان اللجنة تحصلت على تعهد من الحكومة بالقيام بكل ما هو مطلوب ليتم على اثره الاجتماع برئيس الحكومة لتوزيع جملة النقاط المطلوبة (5 نقاط) من تونس على الوزراء المعنيين ليبدأ العمل على تنفيذ هذه الالتزامات". وأدرج البرلمان الأوروبي، الأربعاء 7 فيفري 2018، تونس ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك باعتراض 357 نائباً في البرلمان على قرار الادراج وموافقة 283 وامتناع 26 عضواً عن التصويت. من جهته، أكد ناجي جلول المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في تصريح لجوهرة أف أم، أن دور المعهد استشرافي بالأساس وهو يعمل على اسناد عمل الدولة في حل كل المشاكل الكبرى التي تجمع التونسيين. وأوضح جلول أن المعهد يعمل حاليا على تجنب تصنيف تونس في قائمة سوداء ثالثة أخطر من الأولى والثانية وأن التصنيف سيتم فعلا إذا لم يتم اتخاذ قرار في هذا الخصوص قبل 25 ماي المقبل . وشدد جلول على أن هذا التصنيف أخطر من تصنيف تونس في قائمة سوداء للدول التي يتم فيها غسيل الأموال مؤكدا أنه سيقع فعلا إذا لم تتم المصادقة على قانون الحريات الفردية قبل الأجل المذكور. وأضاف أن دور المعهد يتمثل في تذكير الحكومة بأن هناك تصنيفا قادما ولايجب الوقوع فيه واتخاذ كل التدابير قبل ذلك. وأشار ناجي جلول إلى أن المعهد يصبو إلى ترسيخ عادات الحكم الرشيد في تونس المتمثلة في استغلالها لكل مواردها البشرية والطبيعية أحسن استغلال. كما أكد رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، شوقي قداس أن تونس مهددة بأن تصنف من قبل الاتحاد الأوروبي في قائمة سوداء مرة أخرى إذا لم يتم تبني مبادئ التشريع الأوروبي الجديد لحماية المعطيات الشخصية عدد 679/2016 في مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية ومصادقة البرلمان عليه قبل تاريخ 25 ماي 2018. وشدد قداس في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن عدم المصادقة على قانون حماية المعطيات الشخصية سيكون له انعكاسات سلبية جدا على الاقتصاد التونسي باعتبار أن أغلب المؤسسات تعتمد في معاملاتها على المعطيات الشخصية على غرار البنوك ومراكز النداء وشركات الخدمات، مبرزا في هذا السياق انه التقى رئيس الحكومة في أكتوبر الفارط وأوضح له بالتفصيل أهمية الإسراع في المصادقة على مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية وتطبيقه لحماية الاقتصاد الوطني من هذه الانعكاسات «الخطيرة جدا»، حسب تعبيره. ويشير مراقبون للشأن التونسي أن تصنيف تونس الاخير ضمن لائحة الدول عالية المخاطر في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من قبل الاتحاد الاوروبي، ومن قبله أدرجها الاتحاد الاوروبي ضمن قائمة الدول التي تعد "جنة" للتهرب الضريبي، يحتمان ضرورة التسريع في اطلاق حوار وطني اقتصادي واجتماعي اقترحته حركة النهضة سابقا، ودعمها فيه كل من المنظمة الشغيلة ومنظمة الاعراف.