نصّ الدّستور التونسي في فصله الخامس على أن تضمن الدولة الحق في بيئة سلمية ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ ، ولكن بين ما ينصّ عليه الدستور و بينما ما هو موجود على أرض الواقع توجد "هوّة" عميقة . إذ لا يمكن إخفاء حجم التلوث الخطير الذي تعيشه البلاد التونسية عامة، وهو ما بينه مؤخرًا تقرير صادر عن معهد التأثيرات الصحية الأمريكي لتقييم وضع التلوث الهوائي في العالم تحت عنوان «وضع الهواء في العالم ». وكشف هذا التقرير أن تلوث الهواء مسؤول في تونس عن مقتل 4500 شخص في 2015 وذلك نتيجة التعرض له لفترات ممتدة . و بدأت معاناة أهالي قابس مع الفوسفوجيبس منذ عشر سنوات و سجلت نحو 10 حالات اصابة بمرض السرطان شهريا ، حيث أنه كانت تلقى يوميا أطنانا من مادة "الفوسفوجيبس" في "خليج قابس" الذي تصحّر، ما استوجب التفكير في جمع هذه المادة وتكديسها في منطقة بعيدة عن السكّان. ولم يدخر أهالي وذرف جهدا في الدفاع عن أرضهم ومعارضة إنشاء هذا المصب منذ أكثر من 10 سنوات، حيث لم يتوقفوا يوما عن توجيه العرائض الى السلط المعنية والحكومات المتعاقبة لكن دون جدوى. و في جانفي الفارط أصدرت عدة جمعيات ومنظمات و مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بالحامة بيانا مشتركا أعلنت فيه عن رفضها نقل وحدات انتاج الحامض الفسفوري و الكبريتي و انجاز مصب لمادة الفوسفوجيبس بمعتمديتي الحامة او منزل الحبيب من ولاية قابس. و كان الاتحاد المحلي للشغل بالحامة أصدر بدوره لائحة عبر فيها عن رفضه لذات المشروع نظرا لخطورة هذه المادة على صحة الانسان و البيئة حسب التصنيف الرسمي لهذه المادة مطالبا بضرورة العودة الى التشاركية الاجتماعية لاتخاذ مثل هذا القرار و محذرا من خطورة ما اعتبرها إثارة النعرات و الفتن غير المأمونة العواقب،وفق ما نقله مراسل نسمة بالجهة. وقال كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بالحامة، الخشيمي بن سالم، إن والي قابس يرفض التفاعل مع الاعتصام بالجهة ضد نقل مصب مادة الفوسفوجيبس الخطيرة. وأضاف الخشيمي، أن الوالي يردد دائما "إذا الكلام جاب، والا ثمة سلطة القانون" معتبرا ذلك كلاما خطيرا ومرفوضا ولا يخدم مصلحة البلاد، التي لا يمكن حل مشاكلها الا بالتفاوض والحوار والاصغاء إلى مشاكل المواطن. وجدّد الخشيمي تمسكه بتفعيل التشاركية والتحاور العلني مع كل الاطراف المهتمة بنقل المصب في ولاية قابس مع مراعاة الوضع الصحي والانساني للاهالي في جميع مناطق الولاية، مشيرا إلى أنه وقع تبليغ جميع طلبات الجهة ومقترحاتها بخصوص هذه المسألة، عبر مراسلات تم توجيهها إلى الوزارت والمؤسسات الحكومية الرسمية، دون التفاعل معها. كما أكد أن الحديث عن نقل وحدات من المجمع الكيميائي ( الحامض الفسفوري والكبريتي) وعدم إغلاق المصب الخطير، لم يتم مناقشته مع ممثلي الجهة ولا مع أصحاب الاراضي، مضيفا أن الخبراء في المجال البيئي والصحي هم من يحددون مكان نقل المصب وليس اعتباطيا أو على حساب اهالي قابس. ودعا إلى ايجاد حل ناجع لهذه المسألة، بالتشاور مع جميع الاطراف، باعتبارها مسألة وطنية خصوصا وأن المجمع الكيميائي يشغل أكثر من 4 ألاف شخص، ويتسبب في وفيات بسبب انبعاثات مسرطنة ويهدد البيئة البحرية والثروة السمكية.