ما انفك الوضع المالي في تونس يشهد تفاقما في ظلّ ما يعيشه الدينار التونسي من تغيرات و انخفاض مستمر في قيمته ، و خاصة بعد أن كشفت البيانات الرسمية للبنك المركزي أن مخزونه من العملة الصعبة في تراجع مستمرّ ، فضلا عن اتساع هوة العجز التجاري و ارتفاع نسبة التضخم مما أصاب الاقتصاد في مقتل. بيد أنه ، على عكس المؤشرات المتدهورة في الوضع المالي، فإن الامال معلقة بتطور مردودية اقتصاد البلاد في مختلف القطاعات التي تعول عليها. و قال وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، زياد العذاري، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للانباء الاثنين 19 مارس 2018 , "إنّ سنة 2018 سنة صعبة على مستوى المالية ولكن المؤشرات الإقتصادية مشجعة. " كما أضاف أنّ الحكومة تعمل على تحقيق انتعاشة اقتصادية بنسبة 3 في المائة، في حال توفر مناخ الإستثمار" الذي اعتبر أنّه "مسؤولية الجميع"، مقابل نسبة 2 في المائة تحققت في 2017. وتُشيرُ المؤشرات الاقتصادية الأخيرة و التصريحات المتتالية للمسؤولين إلى تحسن في التجارة الخارجية رافقه تحسن في الميزان التجاري الغذائي في الأشهر القادمة، مدفوعة بارتفاع قيمة الصادرات الغذائية و تقلّص الواردات. و قد سجّل الميزان التجاري الغذائي خلال الشهرين الأوّلين 2018 تحسنا ملحوظا في نسبة تغطية الواردات بالصادرات إذ بلغت 2ر134 بالمائة مقابل 63 بالمائة خلال الفترة ذاتها من 2017. ويفسّر هذا النموّ بتضاعف قيمة الصادرات الغذائية (2ر109 بالمائة) وتراجع الواردات ب 8ر1 بالمائة مما أدّى إلى تسجيل فائض في الميزان التجاري الغذائي ب3ر268 مليون دينار مقابل عجز مالي ب 2ر295 م د خلال الشهرين الاولين من سنة 2017. وتجدر الإشارة الى أنّ هذا الفائض في الميزان التجاري الغذائي قد ساهم في تحسن إجمالي نسبة تغطية الميزان التجاري ب1ر3 نقطة، والتي بلغت خلال هذه الفترة 9ر74 بالمائة. وناهزت صادرات الموّاد الغذائيّة خلال شهري جانفي وفيفري 2018 قيمة 1052 مليون دينار (م د) مسجّلة نموا ب 2ر109 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2017 وذلك نتيجة تضاعف صادرات زيت الزيتون على مستوى الكميّة (5ر54 الف طن مقابل 4ر16 الف طن ) والقيمة ( 8ر544 م د مقابل 3ر143 م د ) وتحسّن مستوى الأسعار ب 14 بالمائة. وساهمت هذه العائدات في نموّ إجمالي الصادرات الغذائيّة ب68 بالمائة بالإضافة إلى تطوّر عائدات منتجات البحر الطازجة والتمور على التوالي بنسبة 79 بالمائة وبنسبة 32 بالمائة. كما شهدت قيمة مبيعات الخضر الطازجة تطوّرا بنسبة 64 بالمائة وخاصّة منها مادّة الطماطم الجيوحرارية، وارتفاع قيمة صادرات مصبّرات الخضر والغلال بنسبة 12 بالمائة ومصبّرات الأسماك بنسبة 16 بالمائة. كما شهدت مؤشّرات التجارة الخارجية التونسية تحسُّنا هاما للشهر الثاني على التوالي بتسجيل زيادة في التصدير ب 47 بالمائة والتوريد ب23 بالمائة، بالاضافة إلى تحسّن نسبة التغطية من 65 بالمائة إلى 77 بالمائة، وفقا لأرقام شهر فيفري 2018. جدير بالذكر أنه ، في المقابل، توقع محافظ البنك المركزي الجديد مروان العباسي وصول متوسط التضخم السنوي إلى 7.2% في نهاية هذه السنة، لينخفض إلى ما بين 5 و6% في العام القادم 2019. وأرجع البنك المركزي ارتفاع معدل التضخم إلى "الارتفاع الحاد في مؤشر أسعار الاستهلاك في يناير بنحو 1.1 بالمئة مقابل 0.4 بالمئة في ديسمبر 2017". وتوقّع خبراء المركزي استمرار ارتفاع معدلات التضخم، خلال الفترة المقبلة، مع الارتفاع المتوقّع للأسعار العالمية للمواد الأساسية ومن بينها الطاقة، من دون الإشارة إلى نسبة الارتفاع المحتملة. وأشار العباسي إلى أن البنك المركزي اختار قرار زيادة سعر الفائدة الرئيسي لمنع خروج التضخم عن السيطرة، وأن البنوك ستبدأ في تطبيق السعر الجديد بداية من يوم الاثنين القادم. وأضاف العباسي، في أول مؤتمر صحافي يعقده عقب توليه منصبه الخميس، أن مؤشرات تونس الاقتصادية "مخيفة" وتعكس عمق الأزمة في البلد، لافتاً إلى أن عجز ميزان المعاملات الجارية بلغ 10% للمرة الأولى، مضيفاً أن البنك لا يمكنه الدفاع عن الدينار في ظل تراجع الاحتياطات الأجنبية إلى مستوى لا يكفي إلا لتغطية واردات أقل من 80 يوماً. وأشار العباسي إلى أن البنك المركزي بصدد التنسيق مع الوزارات الاقتصادية من أجل اعتماد كل الآليات المتاحة لخفض نسبة التضخم، معتبرا أن تواصل ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية يهدد الاقتصاد التونسي والقدرة الشرائية للمواطنين. وحسب محافظ البنك المركزي، فإن خفض نسبة التضخم والتحكم في العجز التجاري سيساعدان على استقرار سعر الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، متوقعا تحسنا في مستوى مخزونات النقد الأجنبي بعد ارتفاع صادرات زيت الزيتون وتعافي القطاع السياحي.