تشدد كلّ من القوات العسكرية والأمنية الرقابة على مستوى الحدود البرية، سواء تلك التي تفصلها عن الجزائر أو عن ليبيا من باب الوقاية والتصدي لواحدة من أكبر الآفات التي تهدد أمن البلاد ؛ أَلَا و هي الإرهاب . وتخشى تونس من التهديدات الإرهابية التي تترصدها ، خاصة بعد الضربات التي تلقتها في فترات متفاوتة خلال السنوات الأخيرة و التي أصابتها في مقتل و لا زالت جراحها مفتوحة إلى اليوم ، و هو مادفعها إلى تشديد الرقابة في المناطق الحدودية خوفا من تسلل عناصر ارهابية سواء تلك التي تنشط في الجبال بين تونس و الجزائر ، أو تلك الفارة من ليبيا بعد تضييق الخناق عليها . و تعد العملية العسكرية الأخيرة التي حققتها القوات العسكرية امس في بن قردان والتي أسفرت عن مقتل ارهابيين دليلا آخر على أن قوات الأمن والجيش التونسيين انتقلت من مرحلة تلقي ضربات المجموعات الارهابية إلى مرحلة توجيه ضربات موجعة لهذه المجموعات ، و تؤكد أن الوحدات الأمنية والعسكرية تشهد تعاف تدريجيا وفق خبراء في الشأن الأمني. وقد أصدرت وزارة الداخلية أمس الاثنين بلاغين متتاليين ، كشفت في أولهما أنه "بناء على معلومات مفادها تواجد شخصين مشبوه فيهما بمنطقة المقرون بجانب محمية سيدي التوي معتمدية بنقردان ولاية مدنين 19 مارس 2018 ، تحولت في الإبّان وحدات الحرس الوطني على عين المكان وبمحاصرتهما تولى أحدهما تفجير نفسه في حين تتواصل حاليا عملية محاصرة العنصر الثاني وتبادل الطلق الناري معه دون تسجيل إصابات في صفوف أعوان الحرس الوطني" . ثم نشرت بعد آونة قليلة على البلاغ الأول بلاغا ثان ، جاء فيه "متابعة للموضوع المتعلق بمحاصرة عدد 02 ارهابيين يوم 19 مارس 2018 بمنطقة المقرون بجانب محمية سيدي التوي معتمدية بنقردان ولاية مدنين وتولّي أحدهما تفجير نفسه بعد تبادل الطلق الناري مع وحدات الحرس الوطني ومحاصرة العنصر الثاني، تمكنت الوحدات المذكورة من القضاء على العنصر الإرهابي الثاني في انتظار التعرف على هويتيهما. هذا وتتواصل حاليا عملية تمشيط المنطقة من طرف وحدات الحرس الوطني بمشاركة الجيش الوطني." وفي تعليقه على ذلك، اعتبر المختص في الشأن الليبي ورئيس المرصد التونسي لحقوق الانسان والامين العام للمنظمة المغاربية للسلم والمصالحة مصطفى عبد الكبير، في تصريح للشاهد، أن دورية أمنية تفطنت لوجود عنصرين ارهابيين كانا مدججين بالسلاح، على مستوى محمية التوي التي تبعد حوالي 20 كم عن مركز معتمدية بن قردان قرب الساتر الترابي على الحدود التونسية الليبية. وتحدث عن وجود فرضيتين ممكنتين، الاولى تشير الى أن العنصرين قادمين من ولاية المنستير في اتجاه ليبيا، وتفيد الثانية وهي المرجحة، أنهما دخلا التراب التونسي من ليبيا. وشدد محدث "الشاهد"، أن أهالي المنطقة واصلوا الحياة بشكل طبيعي، وهو دليل قطعي على أن معنوياتهم مرتفعة وان الارهاب لن يخيفهم، لافتا الى أن مثل هذه العمليات المنفردة تؤكد انتهاء العناصر الارهابية، وسعيها للتحرك بشكل عشوائي فقط لاثبات وجودها. وتعتبر التهديدات الأمنية التي تشكّلها المجموعات المتشددة قد تراجعت عموما ، و يرى خبراء تونسيون أن هذه المجموعات المسلحة وإن مازالت تتمركز في الجبال فإنها تفتقد للحاضنة الشعبية في البلاد، كما تفتقر إلى الدعم اللوجستي خصوصا بعد الضربات المتتالية التي تلقتها وفشل أول محاولة عندما حاولت مجموعة في مارس الماضي إعلان إمارة "داعشية" ببنقردان، وتم القضاء عليها. ويلاحظ الخبراء أنه رغم هذا التراجع فإن التهديدات الإرهابية في تونس لا تزال قائمة خصوصا وأن الجماعات المسلحة لم يبق لها سوى البحث عن ثغرات أمنية للتمركز في غياب الحاضنة الشعبية وفي هذا الإطار ، قال رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل العميد المتقاعد من الجيش الوطني، مختار بن نصر، في تصريحات سابقة ، إنّ ""الإرهابيين يمرون بمرحلة ضعف بعد الضربات التي تلقوها، مشيرًا إلى أنّ التحركات التي يقومون بها هي فقط لتغيير الأماكن التي يتحصنون فيها، عبر الفرار خوفًا من الملاحقات". وأضاف العميد المتقاعد من الجيش الوطني أن "المواطنين قاموا أيضًا بدور كبير في رصد وإبلاغ الوحدات الأمنية بأي تحركات مشبوهة". وتابع أن " النجاحات الأمنية التي حققتها تونس خلال الفترات الأخيرة تؤكد انتقال الأمن التونسي من مرحلة التصدي للإرهابيين، إلى العمليات الاستباقية وتفكيك الخلايا الإرهابية قبل تنفيذ هجمات". وأشار إلى أن "المؤشر الإيجابي هو أن المواطن يعاضد الجهود الأمنية، وأن هناك وعيًا من المواطن لمحاربة الإرهاب، مبينًا أن العناصر الإرهابية فقدت الحاضنة التي يمكن أن تستند إليها، ولم يبق لها إلا الجماعات المقاتلة في الغرب الليبي".