منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية، ما انفكت مسألة من سيتقلّد منصب رئاسة بلدية تونس العاصمة أو ما يعرف ب"مشيخة المدينة" تتصدّر واجهة الأحداث، وسال الكثير من الحبر حول هذا الموضوع، سيّما وأن القضيّة لم تعد تتعلّق بالمنصب في حدّ ذاته، وإنما تحوّلت إلى جدلية سيطرة الإيديولوجيا "المتعصّبة" على عقول بعض الأطراف لتدفعهم إلى رفضِ الآخر مهما فعل. ولأول مرة في تاريخ البلاد، سيكون رئيس بلدية تونس العاصمة منتخبا بعد أن كان سابقا المنصب البلدي الوحيد الذي يُستثنى من الانتخاب وتعيّنه السلطة التنفيذية. و باعتبار أن القانون الانتخابي لا يمنح بصفة آلية المتحصّل على أكثر عدد من الأصوات في الدائرة الانتخابية رئاسة المجلس البلدي، بدأ التنافس يحتدم للظفر بهذا المنصب الهام والحساس بين كلٍّ من مرشحة حركة النهضة سعاد عبدالرحيم ومرشح نداء تونس كمال إيدير . ولا تزال المفاوضات متواصلة بين الأحزاب المتنافسة على هذا المنصب، سيما في ظل تمسك كل طرف على فوز مرشحه بهذا التكليف. و جددت مرشحة حركة النهضة سعاد عبد الرحيم، الجمعة 18 ماي 2018، تمسكها بمنصب شيخ المدينة بفضل عدد الأصوات المرتفع الذي تحصلت عليه، و أن أي تخمين في التنازل عن هذا المنصب لغيرها من المرشحين يعتبر خيانة منها للتونسيين الذين انتخبوها في بلديات 6 ماي 2018. كما نوهت عبد الرحيم بأن ترشحها هو تتويج للمرأة التونسية التي تناضل منذ سنوات طويلة لنيل حقوقها الاجتماعية والسياسية. وقالت ، في سياق متصل، في رد منها على الأصوات الداعية الى ضرورة تعيين شيخ المدينة من منظور كونه من أعيان العاصمة، إن "ذلك يبدو متضاربا مع القوانين التي سنتها تونس الداعمة لحقوق المرأة وتكافؤ الفرص بينها وبين الرجل' وتابعت القول: " في كل اجتماعاتنا وشعاراتنا ننادي بأن المرأة هي نصف المجتمع.. لذلك لا بد أن تنال حقها السياسي ولا بد أن يقع إنصافها"، موضحة : " 6 بالمئة فقط من نساء تونس في المواقع السيادية وهي نسبة ضعيفة، خاصة أن الدستور التونسي ينص على المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات وعدم التمييز على أساس الجنس". واعتبرت مرشحة حركة النهضة لمنصب شيخ المدينة أن العقلية الذكورية هي السائدة وراء الحضور السياسي الضعيف للمرأة في تونس ودول أخرى. وتلفت إلى أن نسبة المرأة التونسية في التمدرس أعلى من نسبة تمدرس الرجال، كذلك الحال في مختلف القطاعات الأخرى في البلاد. وفي الصدد ذاته، أضافت سعاد عبد الرحيم "اليوم، الشعب هو من قال كلمته وجزء منه منحني ثقته وهو ما يثبت أن التونسيين باتوا على ثقة من أن المرأة تستطيع أن تنجح في مواقع صنع القرار". وأضافت "كان الكثير من الناس يروجون فكرة أن المرأة غير قادرة على تولي مناصب قيادية لكن نتائج الانتخابات شجبت كل ذلك. الشعب اليوم منح المرأة صوته وثقته، وعلى النخب أن تغير العقلية الذكورية السائدة". وفي السياق ذاته، لفتت مرشحة النهضة إلى أن "نجاحها في الفوز بمنصب رئيس البلدية خطوة لتغيير هذه العقلية لأن اختيار المواطن للمرأة يكشف أن عقليته بدأت تتغير وصار يثق في المرأة السياسية، هذا المسار الصحيح الذي نلمسه في الشارع التونسي والذي طالبنا به على مدى سنوات لا يجب -نحن كنخب متنافسة- أن نتخلى عنه أو نعيقه لمصالح سياسية، هذا ليس ممكنا بعد اليوم". هذا و اعتبرت عبد الرحيم أنها إذا فازت فإن فوزها يعدّ "انتصارا للمرأة التونسية ونجاحا للتجربة، وستكون الأولوية للانطلاق في تركيز اللامركزية وفي تنزيل الباب السابع من الدستور وفي خدمة المواطن حتى يدرك ما معنى أن تكون هناك بلدية تعمل في مدينته".