مصابٌ جلل ذاك الذي عايشته تونس أمس السبت، بعد فقدانها إحدى أبرز أيقوناتها والذائدات عنها قبل الثورة وبعدها، المناضلة ميّة الجريبي. عُرفت مية بقوة شخصيتها و جسارتها و كلمتها "الحرة" ، سواء بمعارضتها للدكتاتورية خلال العهد البائد، أو من خلال دفاعها المستميت عن الممارسة الديمقراطية بعد الثورة.. إلا أن المرض الخبيث الذي زارها منذ ما يناهز السنتين أرهقها و نخر قواها ومع ذلك ظلت تردّد دوما: "سأعتزل السياسة عندما أعتزل الحياة". و الفقيدة من مواليد 29 جانفي 1960 ببوعرادة والدها أصيل ولاية تطاوين ووالدتها جزائرية. وزاولت مية الجريبي، تعليمها برادس حيث كانت تقطن ثم توجهت إلى كلية العلوم بصفاقس (1979 1983) و ناضلت في صفوف الإتحاد العام لطلبة تونس، ثمّانضمت إلى فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بصفاقس في أوائل الثمانينات و شاركت أيضا في الجريدة الأسبوعية المستقلة "الرأي" و من ثم "الموقف". وأصبحت عضوا في مجموعة دراسة حول وضع المرأة بالنادي الثقافي الطاهر الحداد ، في أوائل الثمانينات، ثم شاركت في الجمعية التونسية لمكافحة السرطان و اسست كذلك صحبة آخرين جمعية بحوث عن المرأة والتنمية. وعلى إثر عودتها إلى تونس سنة 1983، شاركت في تأسيس التجمع الإشتراكي التقدمي مع أحمد نجيب الشابي الذي تغير لاحقا ليصبح اسمه الحزب الديمقراطي التقدمي و انضمت إلى مكتبه السياسي سنة 1986 لتكون بذلك من النساء النادرات بمكتب الحزب. كما كانت الفقيدة، مسؤولة في اليونيسف بجمع التبرعات والاتصال من سنة 1986 إلى غاية 1991. في 1996، وأصبحت مكلفة بالدراسات بمعهد لعموري وهو مكتب دراسات و تسويق لتتقلد بعد ذلك في 2001 منصب المديرة العامة و المتخصصة في الدراسات النوعية. و تم انتخاب الجريبي في 2006 على رأس الحزب الديمقراطي التقدمي خلفا لأحمد نجيب الشابي وأصبحت إثر ذلك أول امرأة تقود حزبا سياسيا في تونس والثانية في المغرب العربي على رأس حزب يتكون أساسا من رجال بعد الجزائرية لويزة حنون. ودخلت الراحلة في إضراب جوع من غرة اكتوبر إلى 20 من نفس الشهر سنة 2007 و ذلك صحبة نجيب الشابي للاحتجاج على قرار المحكمة في 1 أكتوبر بطرد الحزب من المكاتب التي يشغلها في وسط تونس. وفي 23 أكتوبر 2011 تم انتخابها على دائرة بن عروس في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي و ترشحت لرئاسة هذا المجلس في 22 نوفمبر فتحصلت على 68 صوت ضد 145 لصالح مصطفى بن جعفر.أف وإثر الإعلان على التحالف بين الحزب الديمقراطي التقدمي و حزب آفاق تونس و الحزب الجمهوري، تم انتخابها في 9 أفريل 2012 كالأمينة العامة للتحالف الجديد الذي سمي "الحزب الجمهوري" خلال المؤتمر الخامس و الأخير للحزب الديمقراطي التقدمي. و قد وحّد فقدان تونس لأيقونتها مية، جلّ الأطياف السياسية، ليقفوا جميعا صفا واحدا لرثاء الراحلة. و قد نعت الرئاسات الثلاثة فقيدة الساحة السياسية، موجهة خالص التعازي إلى ذويها. و نعى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، السبت 19 ماي 2018، المناضلة ميّة الجريبي الأمينة العامة السابقة للحزب الجمهوري، مؤكدا أنها " جعلت من مسيرتها عنوانا للكلمة الحرة ورمزا للإباء والصدق والوفاء والثبات على المبدأ ونكران الذات والتفاني في خدمة تونس وقيم الديمقراطية والحريّة والعدالة والمساواة والدولة المدنيّة. وقالت رئاسة الجمهورية في بلاغ نعت فيه الفقيدة، إن "التاريخ والشعب التونسي سيحفظان لميّة الجريبي مكانة متميّزة في سجل الملاحم التي خاضها من أجل التحرّر، مناضلة صادقة من طينة أولئك الذين ضحّوا ورابطوا وثبتوا وعانوا لقاء وفائهم وثباتهم وإخلاصهم وصلابة مواقفهم وما بدّلوا تبديلاً. وتوجه رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي الى الشعب التونسي بأسره وإلى ذوي الفقيدة بخالص تعازي سائلا المولى جلّ وعلا أن يتغمّد فقيدة تونس بواسع رحمته وفيض مغفرته ويسكنها فسيح جنانه، وأن يلهم أهلها جميل الصبر والسلوان. بدوره، نعى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، مساء اليوم السبت 19 ماي 2018، المناضلة مية الجريبي الأمينة العامة السابقة للحزب الجمهوري "التي كانت رمزا للدفاع عن القيم الديمقراطية ومبادىء الحرية والمساواة". وقال في بيان أصدره البرلمان، بالمناسبة، أن ميّة الجريبي الأمينة العامة السابقة للحزب الجمهوري وعضو المجلس الوطني التاسيسي "كانت طيلة مسيرتها الوطنية رمزا للتفاني في الدفاع عن القيم الديمقراطية ومبادىء الحرية والمساواة، كما كرست حياتها في خدمة تونس من منطلق الصدق والوفاء للوطن". وأضاف "أتقدم أصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي أعضاء مجلس نواب الشعب، بأصدق عبارات التعازي وبخالص مشاعر المواساة إلى كافة أفراد الشعب التونسي وإلى أسرتها وعائلتها السياسية راجيا الله العزيز القدير أن يتغمّد فقيدة تونس بواسع رحمته وعظيم مغفرته وأن يسكنها فسيح جنانه". ومن جهته، الحكومة يوسف الشاهد، المناضلة السياسية والأمينة العامة السابقة للحزب الجمهوري، ميّة الجريبي، التي وافتها المنية اليوم السبت 19 ماي 2018 عن عمر يناهز ال58 سنة، بعد صراع طويل مع المرض. ودوّن رئيس الحكومة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" ما يلي "فقدت تونس اليوم، واحدة من بناتها ومناضلاتها. وهبت حياتها من أجل الحرية وساهمت في تأسيس الجمهورية الثانية. رحم الله مية الجريبي ورزق اَهلها وذويها جميل الصبر والسلوان وان لله و انا اليه راجعون". أما بخصوص الأطياف السياسية، فقد نعت حركة النهضة في بلاغ على صفحتها الرسمية على الفايسبوك الفقيدة الأمينة العامة السابقة للحزب الجمهوري والقيادية في الحزب الديمقراطي التقدمي مية الجريبي، التي توفيت اليوم السبت 19 ماي 2018 بعد صراع مع المرض في منزلها برادس. وتقدمت حركة النهضة بأحرّ التعازي إلى عائلة الفقيدة والى كل التونسيين والى الساحة السياسية داعين الله أن يتغمّدها بواسع رحمته وأن يسكنها فراديس جنانه وأن يرزق أهلها وذويها جميل الصبر والسلوان. كما نعى حزب نداء تونس في بيان له المناضلة الوطنية مية الجريبي التى وافتها المنية اثر مرض عانت منه لسنوات. وجاء في بيان النعي: "بكل أسى وحزن تنعىحركة نداء تونس الفقيدة مية الجريبي المناضلة الوطنية الرائدة التي وافاها الأجل المحتوم اليوم السبت 19 ماي بعد صراع شجاع مع المرض خاضته بنفس العزيمة التي قادت مسيرتها طيلة حياتها في النضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والدولة المدنية ". ومن جهتها، قالت النائب عن الجبهة الشعبية، مباركة عواينية، في تصريح ل"العربي الجديد"، إن "رحيل الجريبي هو خسارة ووجع كبير لتونس وللتونسيين، فمكانة هذه المناضلة السياسية كبيرة ولا يمكن أن يملأها أي شخص آخر"، مبينة أن "الفقيدة أزعجت مضجع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ونظامه وكانت شرسة في مواقفها ونضالها بل انتقدته قبل الثورة". وأضافت "رغم إمكانياتها آنذاك وموقع المعارضة الضعيف قبل الثورة إلا أنها تصدت لبن علي"، موضحة أن الجريبي عرفت أيضا بمواقفها في المجلس التأسيسي حيث تصدت لكل القوى التي أرادت دستورا على مقاسها وناضلت من أجل دستور مدني يدافع عن الدولة المدنية. وتابعت عواينية أن "الجريبي ترحل اليوم شامخة تاركة أثرا وراءها وستظل بمواقفها مرجعا للطبقة السياسية وللمناضلين وللشباب والنساء فهؤلاء سيتخذون منها مثالا يحتذى به"، مؤكدة أن رحيلها مؤلم وموجع كثيرا. و من جانبه، قال النائب عن حركة الشعب، زهير المغزاوي، إن "تونس تعيش اليوم يوما حزينا بعد رحيل خيرة نساء تونس، وفقدان امرأة من طينة الجريبي، تلك المرأة التي قاومت الاستبداد وانخرطت في مسار الثورة وفي المسار الديمقراطي، بل ضحت بحياتها من أجل عزة تونس ومناعتها ومن أجل العمل والدفاع عن المسار الديمقراطي عندما كان مهددا". وأضاف ل "العربي الجديد" أنه جمعته صداقة متينة بالجريبي قبل الثورة، وهذه الصداقة جعلته يعرف من أي معدن وأي نساء تلك المرأة، مضيفا "التاريخ المعاصر سيذكر بكل فخر ما قدمت لتونس". وبين المغزاوي أن "التعزية اليوم لن تكون فقط لعائلة الجريبي، بل للعائلة الديمقراطية ككل في تونس وللمناضلين التونسيين في فقدان مناضلة شرسة وقوية اسمها مية الجريبي". وقال الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي إن "تونس فقدت مناضلة كبيرة ناضلت في عهد الاستبداد وتصدت لنظام بن علي، كما أنها كانت المرأة الأولى والوحيدة السباقة لترأس حزب سياسي عريق وهو الحزب الجمهوري في ديسمبر 2006 وبالتالي فقدت تونس اليوم رمزا من رموز النضال". وأفاد بأن "صوت ميّة كانت مرتفعا في المجلس التأسيسي ولها مواقف عديدة مدافعة عن الحقوق والحريات، ومثلما لعبت دورا في زمن الاستبداد فقد لعبت دورا بعد الثورة في تعديل المشهد السياسي، حتى أنها ترشحت لرئاسة المجلس التأسيسي ولمنافسة مصطفى بن جعفر آنذاك وقدمت صورة طيبة عن الديمقراطية". وبيّن أن السياسة كانت حياتها إذ "ترشحت أيضا لمجلس نواب الشعب، ولكن للأسف لم تتمكن من الحصول على مقعد به إلى أن المّ بها المرض وغيبها مكرهة عن الساحة السياسية والحزبية طيلة الأشهر الماضية".