لم تخفت حدة الجدل الذي طوّق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات منذ إعلان ثلة من أعضاء مجلس الهيئة قرار إعفاء رئيسها محمد التليلي المنصري ، في خطوة وصفها متابعون ب"الانقلابية" لاسيّما وقد أُعلن عنها بشكل مفاجئ ودون أي سابق إنذار، الأمر الذي خلق ضجة واسعة على الساحة خصوصا وأنه لم تمضِ سوى أيام قلائل على إجراء الانتخابات البلدية. ولئن انتشر خبر قرار الإعفاء الذي اتخذه أعضاء الهيئة، بعد تصويتهم جميعا عليه باستثناء رئيس الهيئة، فإنه لم تقع بعد مراسلة مجلس نواب الشعب في الغرض من أجل أن يقوم بالإجراءات اللازمة لعقد جلسة تصويت لإقرار قرار الإعفاء من عدمه. وفي خضم هذا الشأن، أفاد عضو الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات عادل البرينصي، في تصريح إعلامي الخميس، بأنّ مجلس الهيئة لم يرسل بعدُ، قرار إعفاء محمّد التليلي المنصري من منصبه، إلى البرلمان. ومن المنتظر أن يحرّر أعضاء مجلس الهيئة تعليل سبب الاعفاء، وإرساله الى البرلمان ليحسم الأمر. وكان مكتب مجلس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات قد قرّر خلال آخر اجتماعه إعفاء رئيسها المنصري من مهامه بعد تصويت 8 أعضاء بنعم. من الناحية القانونيّة فإنّ المنصري لايزال رسميّا رئيسا للهيئة وجميع تصرفاته والقرارات التي يتخذها بناء على صلاحياته قانونية. كما أنّ الإجراءات الدستورية لإعفائه من مهامه تتطلب أن يتقدّم أعضاء الهيئة بطلب إعفاء معلّل إلى البرلمان، ليتمّ النظر فيه خلال جلسة عامة ولا يمكن اعفاء المنصري الا بعد مصادقة 109 نائب.. وفي هذا الصدد، أوضح مساعد رئيس مكتب مجلس نواب الشعب، المكلف بالعلاقات مع السلطة القضائية والهيئات الدستورية، النائب الحبيب خضر، أن الحديث بشكل واسع عن إعفاء رئيس هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري من مهامّه غير صحيح وفيه مغالطة. وأكّد عضو مجلس نواب الشعب أنّ ما يمكن أن يصدر من مجلس الهيئة هو طلب إعفاء وليس إعفاء، والمنصري ما يزال رسميّا رئيسا للهيئة وجميع تصرفاته والقرارات التي يتخذها بناء على صلاحياته قانونية. وبيّن خضر أن الاجراءات الدستورية لإعفاء المنصري من مهامه تتطلب أساسا أن يتقدّم أعضاء الهيئة بطلب إعفاء معلّل إلى البرلمان، ويتوّلى هو بوصفه مساعد رئيس مكتب المجلس المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية، النظر في طلب الإعفاء ومدى قانونيّته، ثمّ يعرضه على مكتب المجلس الذي يقرّر جلسة عامّة للتصويت على الإعفاء. وأشار إلى أنّ الإعفاء لا يكون رسميّا إلا بعد مصادقة 109 نائب على طلب الاعفاء. وكان أعضاء هيئة الانتخابات اتهموا محمد التليلي المنصري بالانفراد بالقرار دون الرجوع إليهم وتسببه بخلافات في التسيير الإداري، كما أنه رفض تشكيل لجنة تدقيق في ميزانية 2017 والقائمات الماليّة، وفتح تحقيق داخليّ، في مسألة تكلفة الحبر الانتخابي لانتخابات 2014، وفق تقديرهم. يشار الى أن مجلس الهيئة المنعقد، يوم الاثنين الفارط، قرر تطبيق الفصل 15 من القانون الاساسي المحدث للهيئة الذي ينصّ على أنه "يتم اعفاء رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات او أحد أعضاء مجلسها في صورة ارتكابه لخطإ جسيم في القيام بالواجبات المحمولة عليه بمقتضى هذا القانون أو في صورة الادانة بمقتضى حكم بات من أجل جنحة قصدية أو جناية أو في صورة فقدانه لشرط من شروط العضوية بمجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات". وكان مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، قد دعا أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى كشف كل الحقائق التي أدت إلى تفاقم الوضع داخل الهيئة لإنارة الرأي العام. وطالب مرصد شاهد في بيان له ، مجلس النواب بفتح تحقيق في أقرب وقت ممكن للوقوف على الحقائق واتخاذ الإجراءات المناسبة باعتباره الجهة الوحيدة المخولة قانونا لاتخاذ قرار إعفاء الرئيس من عدمه، والإسراع بتجديد ثلث أعضاء مجلس الهيئة لتعويض الأعضاء الذين شملتهم القرعة. وحذر المرصد مما يمكن أن يترتب عن هذا الطلب من انعكاسات وتداعيات خطيرة على استقرار وسلامة المسار الانتخابي، معبرا عن أسفه الشديد لتواصل الصراعات والتجاذبات داخل مجلس الهيئة والتي كانت سببا رئيسيا في استقالة الرئيس والأعضاء السابقين. ويرجح أن يكون تراكم الخلافات وعدم حلها قد عمّق الاحتقان داخل الهيئة، الذي بدأت بوادره تبرز بقوة مباشرة بعد إعلان النتائج الأولية لبلديات 2018، حيث خرج نائب الرئيس السابق، أنور بن حسن، والذي شغل الرئاسة وقتيا بعد استقالة الرئيس السابق شفيق صرصار، كما ترشح ضد الرئيس الحالي المنصري، لاتهام الإدارة التنفيذية للهيئة بالتقصير خلال الانتخابات البلدية، ومؤكدا أن أداءها "كان ضعيفا وباهتا"، مشيرا إلى "عمق الفجوة بين الإدارة المركزية والإدارات الفرعية".