لم تخفت حدة الجدل الذي تصدر الواجهة خلال الأيام القليلة الماضية، منذ صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وتسليمه لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. وتواترت ردود الأفعال المستنكرة و الغاضبة مما جاء في التقرير على اعتبار أن فيه مسّا بتعاليم الإسلام والمقدسات التي يحميها الدستور الجديد ويسهر على فرض احترامها في بنوده، الأمر الذي دفع أعضاء لجنة الحريات الفردية إلى الدفاع عن التقرير والبحث عن سبل لإقناع الرأي العام بمنافع وميزات التوصيات والمقترحات. وفي تعليقها على محتوى التقرير، قالت فاطمة شقوت أستاذة القرآن وعلومه بالجامعة الزيتونية ، أنّها ستتصدّى و مشايخة الزيتونة لما جاء في هذا التقرير، من قوانين هادمة للاسرة و مخلّة بتعاليم الاسلام ، على حدّ قولها. ووصفت فاطمة شقوت في تصريح ل"الشاهد" لجنة الحقوق الحريات الفردية و المساواة "بلجنة حقوق و حريات الفوضى ومساواة الرذيلة بالفضيلة." و أكدت فاطمة شقوت أنّ التقرير و على عكس ما تمّ ترويجه يُهين كرامة المرأة و يذلّها ذلك أنّه يجبرها على النفقة على الاسرة و الزوج و في حال عدم انفاقها يُقاضيها زوجها ، أما ان كانت لا تمتلك أموالا لتنفق على أسرتها تلتجئ مخصوصة للرجل ، لتتحول النفقة على المرأة من حقّ مكتسب إلى حاجة و خصاصة . وأكدت فاطمة شقوت أيضا أن قضية المساواة في الميراث ستحدث خللا داخل الأسرة باعتبارها ستخلق صراعا بين الأخ و أخته و الزوجة و زوجها ، قائلة " المال الذي ستحصده المرأة من الميساواة في الميراث ستنفقه مُرغمة على زوجها و هو ما سيؤدي إلى مشاكل لا طائل لها." مشيرة الى ان اللجنة ذاتها نبّهت في تقريرها إلى هذه المشاكل عبر حديثها عن القضايا التي من الممكن ان تُرفع على خلفية المساواة في الميراث. و اضافت أستاذة القرآن وعلومه بالجامعة الزيتونية " قيل في توطئة هذا التقرير أنّ ما جاء فيه لا يتعارض مع روح الشريعة و مقاصدها و الحال انه يخنق الشريعة التي تنصّ على خمس أركان أساسية وهي : حفظ النفس و النسل و العقل و المال و الدين و ما جاء في التقرير يهدم هذه الأركان . كما لفتت فاطمة شقوت إلى أن الدستور التونسي يفرض أن يكون رئيس الجمهورية مسلمًا و أن يحافظ على مقدّسات و هوية هذا الشعب. بدورها، أكدت النائب المؤسس والمحامية سناء الحداد على هامش المؤتمر الصحفي الذي نظمته التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة للحديث عن التقرير الصادر عن لجنة الحريات الفردية و المساواة، أنّ التقرير يتناقض مع مبادئ الدستور و تعاليم الاسلام. و لاحظت سناء الحداد في تصريح ل"الشاهد"، أنّ التقرير هجين و بعيد كلّ البعد عن الشعب و يتعارض مع هويته و مبادئ الدستور التونسي. و حمّلت سناء الحداد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مسؤولية ما سيؤول إليه الوضع في صورة تبنّيه القوانين المنبثقة عن اللجنة المذكورة ، قائلة " رئيس الجمهورية مسؤول عن احترام الدستور من خلال تبنّيه لمشاريع قوانين تحترم هذا الدستور..لا نعلم بعد موقف الرئيس.. لكنني متأكدة انّه لن تتمّ المصادقة على هذه القوانين ." و أضافت " أوصي رئيس الجمهورية بأن يحترم أحكام الفصل 39 الذي يلزم الدولة على تأصيل الناشئة على الهوية الاسلامية كذلك الفصل 146 و الذي يقول ان الدستور وحدة منسجمة يُؤوّلُ بعضها البعض كما اوصيه بأن يضبط لاحكام الفصل الاول من الدستور و الذي يقول أن تونس دولةٌ الاسلام دينها." وكانت التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة قد عبرت في مؤتمر صحفي الخميس 21 جوان 2018، عن رفضها تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، معتبرة أنه "يتعارضه مع مقاصد الشريعة الاسلامية". و ضمت التنسيقية عددا من أساتذة الزيتونة ومجموعة من المحامين، ومن بينهم وزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي الذي إعتبر أن التقرير صادم لهوية الشعب التونسي المحددة بالدستور وأنه تجاوز التخصصات العلمية بأنواعها وفق تعبيره. ومن جانبه، اعتبر أستاذ علم المقاصد بجامعة الزيتونية ووزير الشؤون الدينية الأسبق، نور الدين الخادمي، أن التقرير مرفوض شكلا ومضمونا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وفي موضوع الحريات الفردية، مؤكدا تضمن التقرير لمقترحات معادية لنظام الأسرة في الإسلام بالإضافة الى تعارض التقرير و مقترحاته مع ما ورد في توطئة الدستور. وأشار إلى ان ما ورد في التقرير "يبيح الشذوذ ويلغي القوامة ويحرم المرأة حقها الشرعي في النفقة"، على حد قوله. ودعا الخادمي ديوان الافتاء إلى إصدار فتوى و ابداء رأي تخصصي واضح في التقرير، كما دعا رئيس الجمهوربة لاستقبال عدد من العلماء في مجال القضاء و القانون و العلوم الاجتماعية لإبداء رأي علمي تخصصي في ما يتعلق بتقرير لجنة الحريات الفردية و المساواة. في المقابل، اعتبرت الحقوقية وعضو مجلس الشعب ورئيسة اللجنة، بشرى بالحاج حميدة، أنّ مخرجات تقريرها هي بمثابة إصلاحات ترتبط بالحريات الفردية والمساواة، مشيرة إلى أن التوصيات والاقتراحات لا تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي ولا مع أحكام الدستور كما يروج لها. وبينت بلحاج حميدة ، أنّ المحاور التي تطرق إليها التقرير تستحق أن تكون موضوع نقاش مجتمعي، وأن يتم فتح حوار حولها، مشيرة إلى أنّ الإصلاحات التي تم اقتراحها تندرج في إطار تنزيل الحقوق الواردة في دستور الثورة، وأيضا لتفعيل الاتفاقيات والبرتوكولات المكرسة لحقوق الإنسان الكونية والحريات الفردية التي أبرمتها تونس وتبنتها والتزمت بتطبيقها. ودعت المتحدثة الأحزاب السياسية والمجتمع المدني إلى التفاعل مع التقرير وإبداء الرأي من أجل إثراء النقاش حوله. و كانت لجنة الحريات الفردية والمساوة قد عقدت الاربعاء الماضي ، ندوة صحفية في محاولة لامتصاص الغضب المجتمعي وتفسير بعض النقاط الغامضة والتسويق للتقرير الجديد. وشدد أعضاء اللجنة على أن التوصيات والمقترحات الواردة في التقرير استندت إلى النهج الاجتهادي التحديثي الذي سلكته تونس منذ القرن 19 للتكيف مع متطلبات التطور الحضاري والمجتمعي، معتبرين هذه الخطوة شبيهة بما أقدم عليه المفكر والمصلح التونسي الطاهر الحداد في كتابه "امرأتنا بين الشريعة والمجتمع"، وما لحقه من ثورة مجتمعية بإصدار مجلة الأحوال الشخصية التي كسبت من خلالها تونس الريادة المجتمعية على المستوى العربي والإسلامي. وكشف أعضاء اللجنة أن مقترحاتهم لا تقطع مع الماضي وإنما تستلهم منه لتعزيز بناء مجتمع متطور، مضيفين أنه تمت بلورة هذه المقترحات بعد أن تم الرجوع إلى أساتذة من جامعة الزيتونة واستشارتهم. من جانبها أكدت المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، أن تونس "تعيش لحظة تاريخية وأن مقترحات اللجنة ثورية"، قائلة إنه من المنتظر أن تحدث هذه المقترحات في حال المصادقة عليها تغييرا عميقا في تونس، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية سيتولى اختيار صيغة مشاريع القوانين التي سيتم عرضها للنقاش على أعضاء مجلس النواب.