رافق حوارات قصر قرطاج التي أشرف عليها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وقام بتعليقها بنفسه جدل واسع وإنقسام في الساحة الوطنيّة بين مؤيّد للإستقرار الحكومي من أجل ضمان الوصول إلى الإستحقاقات المهمة المقبلة وتوفير شروط دنيا للإصلاحات وبين مطالب رئيس الحكومة رأسا بالمغادرة، إنقسام شهدته حتى بعض الأحزاب نفسها وعلى رأسها حركة نداء تونس التي تباينت داخلها الآراء. "أزمة نداء تونس بلغت دواليب الدولة وإنعكست على الآداء الحكومي" هذا ماحذّر منه كلّ المراقبين والحلفاء والمعارضين منذ نحو ثلاث سنوات وهاهو قد بات حقيقة معلنة على لسان رئيس الحكومة يوسف الشاهد نفسه هذه المرّة، واقع يستوجب حذرا وفطنة خاصّة والبلاد تتجه نحو إستحقاق تشريعي وآخر رئاسي في السنة المقبلة وعلى الوجه تنتظرها إمتحانات صعبة في علاقة ببعض الإصلاحات وبقانون المالية المنتظر للسنة القادمة. بعد أن كانت المناورة السياسيّة تصدر عن حافظ قائد السبسي في وقت سابق هاهي تطلّ هذه المرّة من برهان بسيّس بنفسه الذي أورد نصّا مطوّلا على صفحته الشخصيّة بشبكة التواصل الإجتماعي فايسبوك ظاهرها تحليل ونصيحة وباطنها تقزيم وتخويف ومحاولة لنقل مربّع الصراع إلى آخر غير معني بمضامين النص الذي تبدو بنيته كاشفة لمكان كتابته المريح على الأقلّ. بعيدا عن الموقع المريح ظاهريّا والمتوتّر مضمونيّا الذي كتب منه برهان بسيّس فإنّ الأخير ذهب أجل الإيقاع بين زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذان يرعيان التوافق منذ أربع سنوات إلى مغالطات كثيرة لسبب قد بات معلوما بالضرورة ومفضوحا من خلال النص المنشور يستهدف إستعادة فرز ثنائي مبني على التنافي لغايات إنتخابيّة فحسب بعد الهزيمة في إنتخابات 6 ماي الفارط البلديّة. يوجّه برهان بسيّس حرابه نحو حركة النهضة ويعتبر أنها لا تتحرّك إلاّ لإرضاء الخارج في الوقت الذي تكشف فيه المعطيات المتوفّرة أنها الحزب الأكثر شعبية والوحيد المتواجد على كامل تراب الجمهوريّة وهو كذلك الوحيد الذي حاز على ثقة الناخبين في كلّ الدوائر البلدية بما يعني أن جملته السياسية وصورته السياسية معا يلقيان إستحسانا من الداخل قبل الخارج وتثبت تفاصيل كثيرة لعل آخرها المشاركون في قائمات الحزب الأخيرة أو حتى مرشحوه لبعض المناصب البلديّة وغيرها أنه حزب مدني متجاوز للإيديولوجي يمثّل كلّ فئات وشرائح المجتمع إلاّ إذا كان بسيّس الذي حاول جاهدا إثبات "عمالة" و"إنبطاح" أكثر من يمارسهما من المحيطين به على كامل الشعب التونسي. وراء المبنى معان كثيرة ووراء المعاني رسائل موجّهة، هكذا حاول بسيّس لا فقط أن يوقع بين الغنوشي والباجي قائد السبسي بل وأن يجعل من الأزمة الإقتصادية والإجتماعيّة في البلاد مدخلا لإعادة إنتاج إحدى تفاصيل مشهد 2013 ولتصفية حسابات داخليّة بين نداء تونس ورئيس الحكومة الذي جاء به الحزب نفسه من قياداته وساندته النهضة من موقع الشريك في إطار التوافق. "فانتازم" جديد في صورة طبق الأصل لذلك الذي صدر قبل أربعسنوات في صائفة 2014 عن محسن مرزوق سابقا من أجل توجيه الرأي العام الإنتخابي على قاعدة الضدّ متناسيا أن مرزوق نفسه صاحب ذلك الخطاب قد إنتهى إلى رئيس لحزب فاشل خارج سفينة النداء وأنّ الشركاء الإقليميين والدوليين الذي يدعمون تجربة تونس الإنتقاليّة يدعمون التوافق بين الشيخين لا هذا الطرف على ذاك أمّا عن العلاقة بين الشيخين فإنّ محاولة الوقيعة بينهما ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وقد تحدث القطيعة ولكنها ليست كما يريدها برهان بسيس. إنتهى في تونس زمن الإستقواء بلوبيات ومربعات الضغط في الداخل والخارج وإنتهى زمن الخوف والرعب وباتت البلاد بدستور وقوانين جديدة وخاصّة بهياكل منتخبة وتحت رقابة شعبيّة أمّا التهديد والوعيد ب"الإنقلابات" فلم يعد ينطلي حتّى على أبسط المتابعين وأمّا عن التنازلات فقد كانت حكرا على النهضة لسنوات ولم يتنازل من لم يقدّموا للمجموعة الوطنيّة سوى تصدير أزماتهم الداخليّة.