لا يكاد يمرّ يوم دون أن يسيل الكثير من الحبر حول جدل تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة ، في ظلّ تواتر ردود الأفعال -المعارضة منها أكثر من الداعمة- حول التقرير الذي من المنتظر أن يعلن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الاثنين عن مصيره النهائي. ومن المتوقع أن تجد رئاسة الجمهورية نفسها قبل موعد الإعلان عن موقف الرئيس من هذا المقترح، تحت ضغط كبير في ظلّ اختلاف وجهات النظر حول محتوى التقرير ، ليجد السبسي نفسه ممزقا بين تيار حداثي مطالب بإقرار تقرير الحريات الفردية والمساواة لقطع دابر كل ما من شأنه أن يمثل صدّا أمام الحريات، وبين تيار محافظ يعتبر أن هذا القانون يشكل تهديدا لكيان الأسرة التونسية وتجاوزا لأحكام الشريعة الإسلامية. وتتواصل ردود الأفعال المتباينة تتوالى حول هذا التقرير، لاسيّما وأنه يضمّ مقترحات أثارت جدلا سياسيا واجتماعيا ودينيا قويا، وفي مقدمتها مقترح المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإعادة النظر في المهر، وإلغاء نظام رئاسة الزوج للعائلة، فضلا عن إلغاء المصطلحات الدينية من القانون التونسي. و في ظل تصاعد نسق ردود الفعل المعارضة للتقرير التي وصلت حدّ تكفير أعضاء لجنة الحريات الفردية والمساواة وتنظيم احتجاجات في عدد من الجهات، علت أصوات منادية بضرورة القيام باستفتاء شعبي، للخروج من الأزمة وتجنّب صدام قد يهدد السلم الاجتماعي، وهو ما رفضته رئيسة اللجنة بشرى بلحاج حميدة. و اعتبرت، في هذا الصدد، أن "تونس لا تعيش ديمقراطية صحيحة تمكّنها من إجراء استفتاء تكون نتائجه ذات مصداقية". و أضافت بلحاج حميدة أن " المناخ الديمقراطي لم ينضج بعد، وليس مهيأ للاستفتاء لأن بعض الأطراف قد تؤثر في التونسيين بأساليب غير ديمقراطية"، مشددة على دور المؤسسات الدستورية مثل البرلمان في مناقشة هكذا قضايا، في حين توكل لوسائل الإعلام مهمة النقاش العام وتشريك المواطنين في هذا الحوار. وأثار تصريح بشرى بلحاج حميدة موجة من ردود الأفعال بسبب ما اعتبره البعض هروبا من نتائج الاستفتاء التي قد تأتي عكس إرادة اللجنة ، خاصة وأن الدستور الذي تستند إليه بلحاج حميدة، أقر اللجوء إلى آلية الاستفتاء في القضايا الخلافية. يشار إلى أن المفتي السابق لتونس حمدة سعيد، أكد أنّ "كل ما ورد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة مخالف مخالفة صريحة وصحيحة لنصوص الدين لا فقط الظنية منها بل حتى قطعية الدلالة". و قد شكّل عدد من الجمعيات ما سُمّي ب"التحالف المدني من أجل الحريات الفردية"، الذي أعلن دعمه الكامل لمضمون تقرير لجنة الحريات الفردية. كما اعتبر علماء جامعة الزيتونة، وهي أول جامعة نشأت في العالم الإسلامي، أن تقرير لجنة الحريات "مبادرة للفتنة"، يتعارض مع النص القرآني ويتعارض حتى مع الدستور التونسي الذي يتبنى المرجعية الإسلامية. وشدّد علماء الزيتونة، في بيان صادر عنهم في وقت سابق، على أن مضامين التقرير يمكن اعتبارها "التفافاً مشيناً على قيم الإسلام وتعاليمه".