تتسارع الأحزاب الطّامحة إلى الفوز في سباق 2019، إلى تركيز مكانتها بتوسيع دائرة مشاوراتها وتحالفاتها، وتغيير سياساتها بما يتناسب مع المرحلة، هذا المنطق لم ينسحب على الأحزاب المعارضة في تونس التي ظلّت حبيسة منطقها الضيق منذ تأسيسها. وتؤكّد محطّة التحوير الوزاري في حكومة يوسف الشّاهد وجدل تمريره في البرلمان وامتحان كسب الثّقة، انحصار دورها في الرّفض. ففي الوقت الذي تشهد السّاحة تغيّرا على مستوى الخارطة الجيوسياسيّة، يتمّ تشكيل ملامحها تحت قبّة البرلمان، من خلال تشكيل تحالفات برلمانيّة بغاية الوصول إلى نقطة ال109، لتحقيق الأغلبيّة النيابيّة، تعاني الأحزاب المعارضة ركودا غير طبيعي.و تواجه الحكومة مواقف سلبية في غياب حلول تذكر، ففي جل المحطات السياسية، نكاد نستبق المواقف الرّافضة، رغم الدور الموكول إليهم من مراقبة السلطة وتقديم الحلول المناسبة للصالح العام. ويبدو أنّ المعارضة تركت الساحة السياسية للأحزاب الحاكمة مكتفية بمتابعة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أو اتهام حزبي نداء تونس والنهضة بالتسبب في تفاقمها، دون تقديم حلول تذكر فتشكر، وتعتبر مشاركة المعارضة في الحكومات المتعاقبة شحيحة جدّا بالمقارنة بلامحدوديّة مطالبهم داخل البرلمان. والمريب في الأمر أنّنا نكاد لا نرى طموح المعارضة للوصول إلى الحكم، ومانراه يقتصر على طموح بعض قيادات الأحزاب المعارضة كحمّة الهمامي وسامية عبو، للوصول إلى السّلطة لكن بدون استراتيجيا واضحة ولا خطاب قريب من المنطق السياسي، لأنّ تخوين الكلّ ومعادات الكلّ لا تمكّنك من كسب ثقة الأغلبيّة. وهذا السّياق، اعتبر القيادي بالجبهة الشّعبية عن حزب “الوطد”، منجي الرّحوي، أنّه بات ضروريّا على الجبهة “طرح تغيير الزعامة”, فالجبهة أساسًا, أسّست على الزعامتية, وهي اليوم تشكو عدة علل ونقائص جرّاء غياب الزّعامة. وفي بداية تشكلها، سنة 2012, ظهرت الجبهة الشعبية كأنها طوق النّجاة لبعض الأحزاب والمجموعات اليسارية, لتحقيق مزيد من الفاعلية والتأثير في الشارع السياسي التونسي, إلا أنها عجزت طوال السّت سنوات الماضية, منذ التأسيس عن بناء هياكل الائتلاف على مستوى الجهوي والمحلي, وعن إدارة البنية القيادية للجبهة التي سيطر عليها الزعيم الواحد. فمنذ الثورة, شهدت جميع الأحزاب تطوّرا في رؤيتها وسلوكها وتكيّفها من أجل التغيير، إلا الجبهة الشعبية, لم تعرف تطورا في رؤيتها ولا سلوكها منذ تأسيسها, بل لاحظنا زيادة “ديكتاتورية” حزب العمّال على بقيّة مكونات الجبهة, وإحتكار أمينه العام حمّة الهمّامي الحديث بإسم الجبهة الشعبية, الأمر الذي أضعف الجبهة وأفقدها قدرة التأثير على التونسيين. انّ ما تحتاجه بلادنا خلال هذه الفترة الحسّاسة، نظرا للوضع الاقتصادي والاجتماعي الخاص، هو تكثيف جهود كلّ المكوّنات السياسيّة وتأجيل التجاذبات السياسية والايديولوجيّة وتحييد مؤسّسات الدّولة عن امكانيّة استغلال النّفوذ.