يتوجه التونسيين شيئا فشيئا، إلى الركون إلى مزاج تشاؤمي يزدري كل الطبقة السياسية ولا يثق فيها ولا في أبرز وجوهها، حتى أن البرامج الإعلامية السياسية و التي كانت تحظى بنصيب الأسد من نسب المشاهدة غداة الثورة فقدت هذه النسب لصالح البرامج الترفيهية و الأجتماعية. وبتوجّه التونسيين إلى هذه الأصناف من البرامج اتخذت بعض وسائل الاعلام توجّها جديدا يتمثّل في حقن السياسي بالاجتماعي أو إقحام السياسة في برامج الترفيه و غيرها ، إمّا عبر انتاج مادّة إعلاميّة تُدمج السياسة ببرامج الطفولة أو عبر المتاجرة بأحلام الفقراء و الطبقات المهمشة لصالح الدعاية لحزب أو لشخص على غرار ما يحدث في قناة النسمة لصاحبها نبيل القروي، الأمر الذي جعل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) تُنبّه القناة بعد تحولها إلى جهاز دعاية و تضليل مؤكدة أن القناة حولت فقر الناس إلى مادة دعائية لصاحبها بصفة “مُهينة”. ولاحظت “الهايكا”، في بيان أصدرته في الغرض، أن هذه القناة “تنتهك حق أطفال تونس ونسائها وشيوخها وتمّس من كرامتهم مستغلة في ذلك فقرهم وهشاشة وضعياتهم الى حد تحويل هذا البؤس إلى مادة إعلامية مشهدية مهينة، كل ذلك في سبيل تضليلهم وتسول أصواتهم خلال المحطات الانتخابية القادمة”، وفق نص البيان، مبينة أيضا أن هذا ” التوجه المبرمج على وقع انتخابات 2019 يشكّل نسفا لقيم التضامن ولقواعد الديمقراطية وتكريسا لأساليب “البروباقندا” والدعاية. ويجمع خبراء مجال الإعلامي على أنّ الإعلام رغم تحرره من الرقابة السياسية لا يزال مُكبّلا بقيود أخرى انعكست سلبًا على استقلالية الخط التحريري وعلى حرية التعبير بشكل عام . و حذّر المُختصّون من مغبّة التراجع عن مكسب حرية الاعلام و سوء استعماله و من محاولة سيطرة اللوبيات السياسية و الاقتصادية على القطاع و توظيفه لتحقيق غايات و مآرب مشبوهى بما قد يغرقه في حالة من الفوضى . وذكرت “الهايكا” بأن صاحب هذه القناة، نبيل القروي، سبق له أن فتح فضاءاتها أمام أشخاص وثيقي الارتباط بالجماعات المتطرفة في سبيل تحقيق مصالح ضيّقة، كما حاول وضع اليد على المشهد الإعلامي السمعي البصري ككل وعرّض الهايكا إلى حملات تشويه غير مسبوقة، بحسب ما جاء في نص البيان. و يرى مراقبون أنّ قناة نسمة و من خلال اصطفافها السياسي والحزبي المعلن تحولت إلى بوق دعاية و إلى أداة سياسية بيد صاحبها نبيل القرروي الذي طوّع جميع برامجه السياسية و الاجتماعية لخدمة أجندته الخاصّة، تارة عبر بث محتوى سياسي مُغرض و طورا عبر استغلال فقراء الحال و المهمشين لأهداف سياسية. و لا ننسى في هذا الطرح ما أقدمت عليه قنة “تونسنا” الخاصّ' حينما استضافت السياسي لزهر العكرمي في برنامج للأطفال و الذي شرع في مُهاجمة خصومه السياسيين على مرأى و مسمع البراءة . ويشار إلى أنّ قناة تونسنا اختارت منذ أشهر خطا تحريريا غير محايد في خدمة أطراف سياسية بعينها، وهو ما تظهره برامجها السياسية المنحازة، والخالية من المهنيّة، على غرار برنامج “نقطة استفهام” للإعلامية وفاء شاذلي الذي تتبنى فيه رسائل مُشبعة بالكره والتعصب السياسي، حيث جعلت الشاذلي من برنامجها منبرا للابتذال والتشويه والثلب، وهو ما دفع بهيئة الاعلام السمعي البصري للتحرك وتنبيه القناة أكثر من مرة، دون جدوى. قناة “التاسعة” هي الأخرى لم تسلم من الانتقادات على ضوء البرامج السياسية التي تقدّمها و الخطّ التحريري الذي تنتهجه، حيث أكد نشطاء أن القناة باتت مُكلّفة بمهمة إدارة حملة انتخابية مبكرة و مهاجمة خصوم محددين و بشكل ممنهج. و يرى مراقبون أن فوضى المشهد الإعلامي في تونس، وعلى الرغم من وجود هيئات رقابة دستورية، وقوانين منظمة للعمل الإعلامي، مازالت مستمرة، وتعيد إنتاج أخطائها الفادحة، من دون حسيب أو رقيب.