“قطار مكافحة الفساد على السكّة” هكذا صرّح شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد السنة الماضية في تصريح يُؤكّد جديّة الدّولة ومن وراءها الهيئة في مكافحة الفساد، لكن بعد سنة من هذا التصريح، هل حافظ قطار المكافحة على مساره أم فقد البوصلة ؟ لا يختلفُ اثنان حول أهمية المجهودات التي بذلها البرلمان في سنّ حزمة من القوانين التي تُجرّم الفساد ولكن اثبتت التجربة أن هذه القوانين، وعلى أهميتها، غير كافية للقضاء على الفساد في ظلّ ضعف الإرادة السياسية والعمل التطبيقي، ناهيك عن غياب التنسيق الوطني لمكافحة الفساد، فدائرة المحاسبات والقضاء العدلي ولجنة التحاليل المالية ولجان الرقابة المختلفة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمجتمع المدني والصحافة الاستقصائية كل يشتغل على حدة في ملفات الفساد وليس هناك تنسيق وطني وجماعي لهذه الجهود.علاوة على ذلك، فإنّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتي يعود تاريخ إحداثها إلى 14 نوفمبر 2011 تبدو نتائج أعمالها محدودة قياسًا للمهام الموكولة إليها، نظرا لشحّ مواردها المالية وغياب التنسيق بينها وبين الطرف الحكومي ناهيك عن الخلل التي كشفته منظمة أنا يقظ داخل منظمة مكافحة الفساد. وفي تصريح أثار جدلاَ، كشف رئيس منظمة انا يقظ أنّ موظف بهيئة مكافحة الفساد سرّب اسم مبلّغ عن الفساد مُنتقدًا عمل الهيئة فيما يتعلق بالشفافية على مستوى إسناد الحماية للمبلغين. وقالت المنظمة في ندوة صحفية لها، إنه تم الكشف من صلب الهيئة عن هوية مبلغ عن الفساد، ليجد هذا الشخص نفسه “مجمّدا” (في الفريقو) بسبب تسريب هويته. من جهة أخرى، تتحمّل السلطة القضائية جزءًا كبيرا في عدم جدية مكافحة الفساد، حيث بقيت المئات من الملفات المتعلّقة بشبهات ارتكاب جرائم اقتصادية ومالية وجرائم رشوة وفساد المحالة من قبل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في رفوف المكاتب القضائية. وتشير بعض الإحصائيّات إلى أنّ نسبة البتّ القضائي في قضايا الفساد لا تتجاوز في أقصى الحالات 10% من مجموع الملفات المحالة. وقال شوقي الطبيب ردا على سؤال حول مآل ملفات الفساد التي أحالتها الهيئة على القضاء، إنّ “عددا كبيرا من هذه الملفات التي تهم لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد لم نجد له أي أثر على مستوى المحاكم في حين ان 46 ملفا تقريبا وقع الحسم فيها قضائيا”، مُبيّنًا أنّ مجلة الإجراءات الجزائية تطرح عدّة إشكاليات كبرى تجعل معدل نشر قضايا الفساد والفصل فيها وهي قضايا معقدة، يصل إلى حدّ 7 سنوات، مبرزا في هذا الخصوص ضرورة مراجعة عديد القوانين ومنها المجلة الجزائية. وأكّد الطبيب أن التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لسنة 2018 سيُنشر في ظرف 4 أو 6 أشهر من الآن وسيسلط الضوء أكثر على مآل ملفات الفساد التي تمت إحالتها على القضاء. كما أشار الطبيب إلى أن أغلب قرارات حماية المبلغين تم رفضها من قبل القضاء، وأرجع ذلك إلى عدم فهم من قبل القضاء للقانون أساسي عدد 10 لسنة 2017 المؤرخ في 7 مارس 2017 والمتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين. وسجلت تونس تقدما بمرتبة واحدة في التصنيف العالمي لمؤشر مدركات الفساد لسنة 2018 ، لتحتل المرتبة 73 من مجموع 180 دولة شملتها الدراسة التي أعدتها منظمة الشفافية الدولية وتم الاعلان عنها اليوم الثلاثاء في جميع بلدان العالم