شهدت تونس منعرجا جديدا بعد تتويج مفاوضات الزيادة في أجور الوظيفة العمومية وقطاع التعليم الثانوي باتفاقيات بين الطرفين الحكومي والنقابي، إلاّ أن ذلك لا يخفي أهمية ومدى صعوبة التحديات التي ستشهدها تونس الفترة المقبلة في ظلّ مشاكل اقتصادية صعبة وفي ظلّ الضغوطات التي يُسلّطها المقرض الدولي تزامنًا مع انزلاق الدينار أمام العملات العالمية تأثّرا بعدّة عوامل كضعف الإنتاج والإنتاجية وتفاقم عجز الميزان التّجاري وعجز الميزانية والتضخم المالي. الزيادة في أجور الوظيفة العمومية توصّلت الحكومة واتحاد الشغل، أمس الخميس، إلى اتفاق بشأن زيادة أجور نحو 670 ألف موظف بعد أزمة بين الطرفين استمرت لأشهر. ووصف وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي هذا الاتفاق الذي وقعه رئيس الحكومة يوسف الشاهد والامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، ب”التاريخي”، مشيرا إلى أنه يمثل نجاحا جديدا في مسار التفاوض بين الطرفين ونجاحا ثانيا حققته تونس بعد استكمال مسار الانتقال الديمقراطي. ومن جهته، اعتبر نورالدين الطبوبي ان هذا الاتفاق يعدّ انتصارا لروح المسؤولية العالية ويعكس تميز السياسة التعاقدية والحوار الاجتماعي في تونس. انفراج ازمة التعليم الثانوي انتهاء الأزمة بشأن الزيادة في أُجور الوظيفة العمومية، صاحبه أيضا انفراج في ازمة التعليم الثانوي بعد التوقيع على اتفاق أولي تم التوصل إليه بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي. ومن المقررّ أن يتم بعد ظهر اليوم الجمعة التوقيع الرسمي على هذا الاتفاق وفق ما اكده للأخبار وزير التربية حاتم بن سالم. التحدّيات المقبلة ورغم توصّل الحكومة إلى اتّفاق مع الطرف النقابي في ما يتعلّق بالزيادة في الأجور إلاّ أن ذلك لا يخفي أن التحديات المقبلة لا تقل أهمية عمّا عرفته تونس من احتقان الأشهر الماضية، حيث تتعرض الحكومة لضغوطات شديدة من المقرضين الدوليين وخصوصا صندوق النقد الدولي الذي يحث على تجميد فاتورة الأجور التي تضاعفت في القطاع العام إلى حوالي 16 مليار دينار في 2018 مقارنة مع 7.6 مليار دينار في 2010. ويؤكدُ مراقبون أنّ الزيادات في الأجور دون مراعاة الوضعية المالية للبلاد، ستُجبر الدولة على مزيد من الاقتراض. وذكر رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريح سابق أن الزيادات في الأجور بعد الثورة في 2011 وفي “غياب نمو حقيقي، أدت إلى تضخّم ومديونية وتراجع القدرة الشرائية”. وحصلت تونس التي تعاني صعوبات مالية في 2016 على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.4 مليار يورو على أربع سنوات، مع الوعد بتنفيذ إصلاحات واسعة. وزار وفد عن أبرز المانحين الدوليين الثمانية جويلية الماضي للدعوة إلى الاستمرار في هذه الإصلاحات، وخصوصا منها التقليص من كتلة الأجور في القطاع العام. وتعيش تونس أيضا على وقع حراك سياسي كبير استعدادا لتتويجه في الانتخابات التشريعية والرئاسية المنتظرة نهاية العام الجاري. وستعرف الأسابيع المقبلة محطات مهمّة أبرزها مؤتمر حزب نداء تونس الذي فقد موقع الأول في المشهد الحزبي بالبلاد ويسعى إلى تداركه، إضافة إلى تشكل حزب جديد بقيادة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي يتعرض لانتقادات بسبب ما اعتبر توظيفا للجهاز الحكومي في بناء حزبه. ولئن قام التوازن السياسي في المرحلة التحضيرية لانتخابات 2014 حتى صيف 2018 على توازن التوافق السياسي بين حركة النهضة ونداء تونس بقيادة راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، وهو ما انعكس على المسار العام بالبلاد، تبقى عديد السيناريوهات المفتوحة على طبيعة التوازنات المقبلة، وربّما المفاجآت.