لمْ تنل حادثة ”المعلم” المتهم بالتحرش بتلاميذه بإحدى المؤسسات التربوية بجهة صفاقس نفس الحظوة والمكانة التي نالتها قضية مدرسة الرقاب، والتي وقع تغطيتها إعلاميّا لأكثر من أسبوعين وفي كل وسائل الإعلام المرئية والسمعية والبصرية، بل اهتزت لها السلطات من أدناها إلى أعلاها، حيث اتخذت آنذاك الخطوات الكفيلة لردع كل المدارس القرآنية المرخصة وغير المرخصة، بل اكثر من ذلك ليقع استغلال القضية سياسيا على مستوى محلّي وعربي وتأويلها على أكثر من صعيد، قبل أن يُكشف المستور وتنقلب الوقائع رأسا على عقب، وعلى العكس من ذلك وقع تحجيم حادثة اعتداء المعلم الذي تحرّش ب20 تلميذا وتلميذة (17 من الإناث و3 من الذكور)، في وقائع اهتزت لها جهة صفاقس، مقابل ركون السلطات المعنية والمسؤولين الذين لم يتفاعلوا مع الموضوع إلاّ بعد تعرضهم لضغط المواقع الاجتماعية التي فضحت ممارسات المعلم وأوامر التعتيم على الموضوع. تفاصل الواقعة أقدم المتّهم وهو مدرس لغة فرنسية يبلغ من العمر(55 سنة) في مرّات عديدة على الاعتداء جنسيّا على التلاميذ في منزله، حين كان يقدم دروساً خصوصيّة، بالإضافة لتلك التي كان يقدم عليها في القسم في المدرسة التي يعمل فيها، كما كان يتعمّد عرض صور خادشة للحياء على التلاميذ. وبلغ عدد التلاميذ المتضرّرين من اعتداءات المعلم 20 تلميذاً وتلميذة (17 من الإناث و3 من الذكور) وتتراوح أعمارهم بين 9 و10 سنوات، مع العلم أنّ العدد مرشّح للارتفاع مع تقدّم الأبحاث”. وكان تحقيق قد فُتح في الغرض بعد إشعار مندوب حماية الطفولة بصفاقس بوجود شبهة اعتداءاتٍ جنسيّة بإحداى المدارس الابتدائيّة، ليقوم وكيل الجمهوريّة بإحالة الأمر على الفرقة المختصّة في البحث في جرائم العنف ضدّ المرأة والطّفل بمنطقة صفاقس الجنوبيّة. وكشفت الأبحاث الأوليّة في الموضوع عن تعرّض مجموعةٍ من التّلاميذ بإحدى المدارس الابتدائيّة بصفاقس إلى الاعتداء بفعل الفاحشة والتحرّش الجنسيّ من طرف معلّمهم. في الأثناء، تقدّم وليّ صحبة ابنته الّتي تزاول دراستها بنفس المدرسة بشكايةٍ في نفس الموضوع وتمّ على أساسها فتح بحث تحقيقي ثانٍ ضدّ المتّهم. وأفاد الناطق الرسمي بإسم محاكم صفاقس مراد التركي أنّ عقوبة المعلّم ”المتحرّش” قد تصل للسجن مدى الحياة ، مشيرا إلى أنّ جرائم التحرش و الإغتصاب ثابتة و تمت داخل حرم المدرسة و في بيته أثناء تقديمه للدروس الخصوصية.” تعليمات بالتعتيم على الموضوع موضوع “المعلّم المتحرّش” الذي تمّ التعتيم عليه في وسائل الاعلام السمعي البصري، كان له رجع صدى كبير جهويا وداخل ولاية صفاقس، حيث اهتزّت جهة صفاقس على إثر الواقعة كما قامت صفحات معروفة تاعبة لولاية صفاقس بنشر الخبر وبفضح حيثياته على أوسع نطاق. هذا ولاحظت صفحة (Centre Ville Sfax) وجود تعليمات فوقية تأمر بالتعتيم على الموضوع وعدم تمرير الخبر لوسائل الإعلام ،وأكدت ذات الصفحة أنه تم الاتصال بصحفية من اذاعة صفاقس لتمرير الخبر لكنها رفضت ، قائلة “عندنا تعليمات باش منحكيوش على الحكاية هذه “. ونشرت صفحة (Centre Ville Sfax) “إلى الآن لم نسمع لا بيان ولا تنديد من مندوب الطفولة ولا من وزيرة المرأة ولا من الإعلام الرسمي في الجهة.. قيل لنا ان هناك تعليمات من فوق بالتعتيم على الموضوع وعدم اثارته في وسائل الاعلام المحلية والوطنية..” وأضافت “الى حد الساعة لا بيان من الادارة الجهوية للتعليم ولا من نقابة التعليم الآساسي بل اجتهدوا في:”هيا انلمواا الموضوع و انحافظوا على سمعة المدرسة ..اذاعة صفاقس رفضت الحديث في الموضوع بتعليمات من فوق..طبعا لو كانت مدرسة قرآنية راهي الدنيا قامت..نستناوا في روضة العبيدي رئيسة هيئة مكافحة الاتجار بالبشر..نستناوا في البلومي وهاك الجوقة الي دايرة بيه..اعلام عار ومعادي لهوية الشعب التونسي فضحكم ربي..نطالب القضاء بتسليط اقصى عقوبة على هذا المجرم..الرجاء النشر والبرتاج وفضحه وفضح من تستر على جرائمه.” مدوّنون يشهّرون بالقضية بعد نشرها على مستوى جهوي والتفاعل معها تدريجيا، انتشرت قضية إعتداء المدرس على التلاميذ على نطاق أوسع في منصات التواصل الاجتماعي، وتفاعل مئات المدونون مع القضية “المسكوت عنها”، متسائلين عن سبب تعتيم الملف وعدم تفاعل السلطات المعنية مع الموضوع رغم أنه يتعلق باعتداء جنسي طال 20 تلميذا من قبل شخص يدرسهم داخل المؤسسة التربوية. وتساءل كريم عبود في هذا الصدد “وينو الفلومي و ويني وزيرة الاتجار بالاطفال و و ينو اعلام العارفرق كبير بين المدارس القرآنية لتقري فاها ناس تخاف ربي و بين الاوكار متاعهم ( مع احترامي لالشرفاء) وينو العماري و ويني ميا و وينو وينو وينو ..؟” وكتبت فتيحة شلي “كان جاء فيها حكاية دين وفقه وصلاة راهي الدنيا قامت.. وما قعدتش وينو حمزة البلومي ؟؟” تفاعلٌ مُتأخر لوزارة المرأة والطفولة رغم أن القضية طفحت على ساحة الأحداث وتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مكثّف الأحد الماضي، إلاّ أن وزارة المرأة والأسرة و الطفولة لم تتعامل بشكل جاد مع الموضوع إلاّ أمس الثلاثاء، وبضغط من مواقع التواصل الاجتماعي، وأصدرت الوزارة أمس بيانا في الغرض تؤكد فيه استعدادها القيام بزيارة ميدانية للمؤسسة التربوية رفقة الأخصائية النفسية التابعة للمندوبية الجهوية للتربية صفاقس 2، بعد ان اتضح ان الهعدد الجملي لللذين تعرضوا لاعتداء بفعل الفاحشة وتحرش جنسي واغتصاب، قد بلغ 20 طفلا إلى غاية تاريخ 11 مارس 2019. وأشارت الوزارة في ذات البيان إلى أن السيد وكيل الجمهورية صفاقس 2 بجملة الأطفال الضحايا تعهد وأذن بفتح بحث تحقيقي، وتم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق المضنون فيه من قبل السيد قاضي التحقيق المتعهد بالموضوع منذ تاريخ 8 مارس 2019. كما أكدت وزارة المرأة والأسرة والطفولة إلى أنّه تمّ الاستعانة بقسم الطب النفسي للأطفال بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر صفاقس لإجراء المرافقة والمتابعة النفسية اللازمة بالعيادة الخارجية للأطفال ضحايا هذه الاعتداءات، كما تم تكليف الأخصائية النفسية بالمندوبية الجهوية للتربية بصفاقس 2 بمواصلة إجراء المرافقة والمتابعة النفسية لكل الأطفال. من جانبها، أفادت المندوبية الجهوية للتربية بصفاقس 2 أنّ الحادثة جدّت خارج أسوار المدرسة والقضيّة تعهّد بها القضاء محل متابعة من قبل وزارة التربية وكلّ القائمين على القطاع مبيّنة أنّ كافة الإجراءات المتخذة كانت بالتنسيق مع وزارة المرأة والطفولة . اتحاد الشغل..بين التعميم والتعتيم أمّا الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الأساسي، توفيق الشابي، فقد اعتبر أنّ حادثة التحرش الجنسي بالتلاميذ “ممارسة معزولة لا تمتّ بأية علاقة لمهنة التعليم”. وشدد الشابي، في تصريح صحافي اليوم، إلى أنه لا يجب تعميم الحادثة لتجنب ضرب المؤسسات التربوية العمومية، قائلا “قد نجد مثل هذه الممارسات في مؤسسات تربوية عمومية، وقد تكون في الخاصة أيضا، وقد نجدها في قطاع التعليم كما في قطاعات أخرى”، داعيا إلى عدم تشويه صورة المربين أو العاملين في قطاعات أخرى قد تحدث فيها مثل هذه الممارسات اللاإنسانية. ويُلاحظ أنّ تعامل اتّحاد الشغل مع حادثة الاعتداء الجنسي على 20 تلميذا (الرقم مرجح للارتفاع) لم تكن في ذات مستوى تعامله مع حادثة الرقاب، التي أولها الاتحاد سياسيا وكان له موقف حازم فيها بنعت المدرسة القرآنية ب«ثكنة طالبانية» رغم ضبابية القضية ورغم ان الابحاث خلصت في قضية الرقاب إلى تعرض تلميذ فقط لاعتداء جنسي من قبل طالب من جامعة سوسة لا علاقة له بالمدرسة المذكورة. ويعزو مراقبون سبب التناقض الواضع في معالجة اتحاد الشغل للقضيتين السابقتين رغم ان كلتيهما معنيتين بالطفولة، إلى كون قضية الرقاب قابلة للتأويل والتطويع الايديولوجي والسياسي، في حين أن قضية مدرسة صفاقس غير قابلة للتوظيف الحزبي والإيديولوجي. وخيّم تباينٌ في المواقف والمعالجة لدى السلطات ووسائل الإعلام في طريقة تناول ملف الاعتداء الجنسي على الأطفال في “قضية الرقاب” و”المدرسة الابتدائية بصفاقس”، رغم انّ الضحية في كلا الحالتين هو الطّفل، لكن مركز الاختلاف حسب متابعين هو نوعية القضايا ومدى امكانية استغلالها لأغراض سياسية قبل أشهر من الاستحقاق الانتخابي، في واقع يكشف مستوى ترديّ المشهد السياسي في تونس والذي لا يرى جزءٌ منه مانعًا في المتاجرة بالقضايا الحسّاسة حتى تِلك الّتي تُعنى “بالأسرة والطّفل”.