مع انكماش الضوابط الأخلاقية والقوانين الرّادعة اتسع الانفلات الإعلامي.. لقطات جريئة، تطفل على الحياة الخاصة، بثّ البلبلة والفوضى، إشاعاتٌ وأسوأ الكلام وأرذله، في فترة هي الأسوأ في تاريخ الإعلام السمعي البصري رغم الحريات المكتسبة. وبات الإعلام بمختلف قنواته المتعددة مركزا رئيسيّا لبث الكراهية، والمحطة الأشمل لنقل ما لا يتوجّب نقله، وصار قاطرة للتحريض الأعمى ومركزًا لاستفزاز مشاعر المواطنين في ظلّ غيابٍ ملحوظ لإعلام مهني يحتكم للحرفية والموضوعية، وبات الشغل الشاغل للمنشطين والإعلاميين الرفع من نسبة المشاهدة مهما كلف الأمر، فتحولت البرامج الاعلامية من برامج مؤطرة تخضع لضوابط قيمية إلى برامج اعتباطية لا تستند إلى قواعد واخلاقيات العمل الإعلامي، رغم العقوبات المالية والمعنوية التي تسلّطها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) بين الفينة والأخرى. ومؤخّرا، وجّه مجلس الهيئة لفت نظر إلى قناة الحوار التونسي وذلك نظرا للخرق المسجل في حلقة برنامج “الحقائق الأربع” التي تم بثّها مساء يوم 7 مارس 2019 من خلال عرض روبرتاج يتناول موضوع “الدعارة في دور السينما”. واعتبرت الهايكا في بيان نشرته اليوم الإثنين، أن عرض الروبورتاج دون أن يتم طمس أسماء الأفلام المعروضة لافتاتها في مواقع التصوير، ما من شأنه أن يسيء إلى صورة تلك الأعمال السينمائية وأن يتسبب في إلحاق أضرار مادية ومعنوية بأصحابه. وجاء تحرك الهايكا بعد الاطلاع على الشكاية الواردة على الهيئة بتاريخ 13 مارس 2019 والمقدمة من المخرج السينمائي إبراهيم اللطيف. ودعا مجلس الهايكا القناة إلى الالتزام بالضوابط القانونية وأخلاقيات المهنة الصحفية وعدم إعادة بثّ المقطع موضوع الخرق أو تداوله على المواقع الإلكترونية التابعة للقناة إلا بعد طمس أسماء الأفلام التي تم عرضها خلاله لما يمكن أن يسببه من إضرار بحقوق الغير وبقطاع السينما. وقبل ذلك وفي شهر مارس الماضي، قررت الهيئة ايقاف برنامج بنفس القناة لمدّة شهرين، على خلفية ما تضمنه برنامج (مع علاء) “من عدم احترام لكرامة الإنسان والحياة الخاصة، إضافة إلى بث مواقف وتصريحات وردت على لسان مقدم البرنامج علاء الشابي تقلّل من خطورة العنف المسلّط على النساء بكل أشكاله، في تعارض مع أحكام الدستور والقوانين الجاري بها العمل”. وفق ما جاء في بيان للهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري. ويرى مراقبون أن فوضى المشهد الإعلامي في تونس، وعلى الرغم من وجود هيئات رقابة دستورية، وقوانين منظمة للعمل الإعلامي، مازالت مستمرة، وتعيد إنتاج أخطائها الفادحة، حيث باتت بعض القنوات تتعامل مع هذه الهيئات وعقوباتها المالية بشيء من الاستخفاف واللاّمبالاة رغم التحذيرات والتنبيهات المتتالية الّتي تصدرها الهايكا. والشهر الماضي ، قرّرت الهايكا تخطئة القناة التلفزية الخاصة “التاسعة”، بمبلغ قدره 50 ألف دينار وإيقاف برنامج “ماغ 9″، لمدّة شهر بسبب تعمّد مقدمة البرنامج توجيه أسئلة تتعلق بمسائل تهم الحياة الخاصة للضيفة، بشكل يمس من كرامتها ودون مراعاة حالتها النفسية وتعمّدها إطلاق جملة من الأحكام التي من شأنها أن تؤدي إلى التمييز ضدها أو تعريضها للوصم، فضلا عن عدم الالتزام بما تفرضه اخلاقيات المهنة الصحفية من واجب احترام الحياة الخاصة للضيوف”. وفي ذات الشهر، وجه مجلس الهيئة لفت نظر على إذاعة “صبرة اف ام” ودعاها إلى ضرورة تفادي نشر فيديوهات أو رسائل تحمل مضامين من شأنها إثارة البلبلة والفزع في صفوف المواطنين. وفي فيفري الفارط، وجهت الهايكا لفت نظر الى قناتي “الحوار التونسي” و”قناة الجنوبية” لاخلالات في التعاطي مع مواد اخبارية وعدم الالتزام بالضوابط المهنية. وبسبب هذه الفوضى الإعلاميّة، يتوجه التونسيين شيئا فشيئا، إلى الركون إلى مزاج تشاؤمي يزدري كل القنوات التونسية وما تقدّمه من مضامين، ويتساءلُ مراقبون في هذا السياق ان كانت هذه القنوات قد فشلت في تقديم مضامين سياسية واجتماعية وترفيهية قيّمة، فكيف بإمكان المواطن التّونسي أن يعوّل عليها في تغطية الانتخابات، فهل بهذا المستوى الضحل وتجاهل المهنية سيقومون بتغطية نزيهة ومحايدة؟