لا يختلف اثنان أنّ حرية التعبير تعتبر المطلب الوحيد الذي حققته الثورة بما يتيح كرامة الإنسان وممارسته حقّه باعتباره مواطن له من الحقوق والواجبات ما يجعله يتساوى مع أي شخص آخر مهما كان مركزه في الدولة. ولكن ورغم تحقيق هذا الحقّ الجوهري في إرساء دولة ديمقراطية فإنّه مازال هنالك حديث عن ممارسة التعذيب. ورغم إجماع الحقوقيين على أنّ التعذيب لم يعد سياسة دولة كما كان في العهد السابق إلاّ ان الدولة أصبحت صامتة تجاه الذين يعذبون الموقوفين من أجل انتزاع اعترافات منهم. وفي هذا الخصوص، قال رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان جمال مسلم في تصريح لموقع “الشاهد” إنّ عددا قليلا من القضايا التي تقدّم في مسائل الانتهاكات ضد الحرمة الجسدية تصل للدوائر القضائية ويصدر بخصوصها أحكام باتة، دون تنفيذها، متسائلا: هل مازال هنالك حماية لبعض الأشخاص خاصة المنتمين إلى وزارة الداخلية؟ وأضاف مسلم أنه ليس هنالك إرادة لاتخاذ الوقاية من التعذيب سياسة للدولة لأنّه ليس هنالك محاسبة ولا يتم إيصال الملفات المتعلّقة بالتعذيب للدوائر المتخصصة وليس هنالك مراقبة قصد احترام كرامة الإنسان والتي هي من مرتكزات الدولة الديمقراطية. وعبّر مسلم عن أسفه لتواصل التعذيب، قائلا: “نأسف لعدم قدرة الدوائر القضائية المتخصصة -والتي تكفلت بها هيئة الحقيقة والكرامة- في إنصاف من تعرّضوا للتعذيب من مختلف العائلات السياسية. وأوضح مسلم أن عدد الشكايات في خصوص التعذيب بعد 2011 ارتفع، وهذا لا يعني أن عدد حالات التعذيب قد ارتفع، لأنّه قبل الثورة أغلبية الذين يتعرضون للتعذيب لا يشتكون. ومن جانبها، قالت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين بمناسبة اليوم الوطني لمناهضة التعذيب الذي يتزامن مع تاريخ 8 ماي من كل سنة، إن الدولة لا تحيي هذا اليوم ولا تحتفي به لأنّها لا تضع في أولياتها مناهضة التعذيب. وأكدت القرافي في تصريح لموقع “الشاهد” أن الدوائر المختصة للنظر في الانتهاكات الجسيمة لجرائم التعذيب في تونس وخاصة في علاقة بالعدالة الانتقالية "تعمل تحت الحصار” وتحكم بالتهديدات الفنية والأمنية وخاصة تحت تهديد النقابات الأمنية التي تحاصر المحاكم وترفض تأمينها. وأضافت القرافي أنّ العدالة الانتقالية تعتبر فخرا لتونس في فضائها الإقليمي، مشددة على أنه ليس هناك إرادة سياسية للتصدي للانتهاكات الجسيمة التي تمارس على المتهمين والمحكومين عليهم والموقوفين المتمثلة في جرائم التعذيب. وأوضحت القرافي أن الدولة لا تضع في أولوياتها مسألة مناهضة التعذيب مثلما هو الحال بالنسبة لمكافحة الإرهاب، وأرجعت المتحدثة ذلك إلى غياب الإمكانيات للقضاء التونسي على مستوى القوانين وأيضا على المستوى اللوجستي المتعلقة بالأساس بنقص تكوين القضاة في التعامل مع قضايا التعذيب، بالإضافة إلى غياب المتابعة.