تزامنا مع الضربات الإرهابية الفاشلة التي شهدتها تونس يوم الخميس الماضي، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبرا مفاده أن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي فارق الحياة تأويلا لبيان رئاسة الجمهورية التي أكدت فيه أن الرئيس تعرّض لوعكة صحيّة حرجة. وقد سارع بعض الصحفيين إلى نقل خبر الوفاة استنادا إلى ما أسموه “مصادر موثوقة ومصادر برلمانية ومصادر مطلعة”، في حين أن نجل الرئيس وطبيبه والصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية نفوا ذلك. وقد نشرت وسائل إعلام أجنبية إشاعة وفاة رئيس الجمهورية استنادا إلى معلومات أدلى بها مراسلوهم بتونس، كما نشر بعض الصحفيين التونسيين تدوينات مفادها أن مصادرهم أعلمتهم بوفاة رئيس الدولة الشيء الذي أثار بلبلة في البلاد وأثار حفيظة أهل الاختصاص. وقد اعتبر أستاذ الإعلام والعلوم السياسية الناصر المكني أن ما حدث يحيلنا إلى الحديث عن أخلاقية التعامل مع خبر عجز أو وفاة شخصيات محورية في الدولة عبر وسائل الإعلام وفي الفضاء العمومي سواء من قبل صحفيين أو من قبل نخب مثقفة تبدي اهتمامنا بالشأن العام. وأضاف المكني في تصريح لموقع “الشاهد” أنه في العادة تحظى الأخبار التي تتعلق بشخصيات محورية في الدولة والأخبار التي تتعلق بمشاهير الكرة والفن، بمتابعة فائقة من قبل وسائل الإعلام ومن قبل عموم الناس أيضا، وتمنح الأخلاقية الصحفية مجالا واسع من الحرية لمعالجتها لأنها مواضيع تتعلق بالمصلحة العامة ولكن دون أن تسمح بتجاوز حدود قد تؤدي إلى نشر أخبار كاذبة أو خيالية أو مفبركة ومشوهة ودون إسنادها إلى مصادرها ودون التثبت من صحتها. كما أكد المتحدّث أن جميع المواثيق الدولية والمواثيق الوطنية ومواثيق بعض المؤسسات الصحفية تنص على أن معالجة مثل هذه المواضيع الحساسة تتطلب يقظة والتزاما بالدقة وبمهنية عالية لأنها تتعلق بشخصية تتمتع برمزية كبيرة في المنظومة السياسية الوطنية حتى بعد التخلي عن النظام الرئاسي واستبداله من قبل المجلس الوطني التأسيسي بنظام برلماني. مقاربات مختلفة في معالجة شائعة وأشار أستاذ الإعلام والعلوم السياسية إلى أن عددا كبيرا من الصحفيين اعتمدوا مقاربات مختلفة في معالجة شائعة وفاة رئيس الدولة الباجي قائد السبسي قائلا “المقاربة الأولى، تفتقد إلى المهنية تمثلت في بث خبر وفاة رئيس الدولة باعتماد صيغ لغوية تضمن اليقين لا الظن ولا تسندها إلى مصادر صحيحة، ولكن بنتها على استفادات غير ثابتة أو مصادر شبكات التواصل الاجتماعي. والمقاربة الثانية بثت خبر وفاة رئيس الدولة باعتماد مصادر صحفية ومواقع الكترونية أجنبية ايطالية وعربية وغيرها دون التثبت من مصداقية مصدر الخبر ومن مصداقية الوسيلة الإعلامية ذاتها ودون الوقوف على خلفية نشر الخبر في هذا الوقت بالذات. والمقاربة الثالثة تحلت بمهنية وقامت باتصالات بمصدر الخبر بمؤسسة رئاسة الجمهورية للتثبت من الخبر. وعرضت للناس مباشرة على الهواء نفي خبر الموت من قبل السيدة سعيدة قراش الناطقة باسم رئاسة الجمهورية التي أكدت سلامة رئيس الدولة التي يخضع إلى العلاج بالمستشفى العسكري بتونس العاصمة. أزمة مهنية وأخلاقية وأكد الناصر المكني أن خبر وفاة رئيس الجمهورية أخذ أبعادا خطيرة لأنه تزامن مع حادثتين إرهابيتين أليمتين جدتا في قلب العاصمة التونسية وتنزل في ظرف خطير تمر به البلاد عموما (حرق محاصيل زراعية كبيرة واحتقان سياسي ودعوات إلى الانتقام والتشفي من قبل سياسيين في إفلات تام من العقاب) وتجربة الانتقال الديمقراطي خصوصا تناصبها أطراف داخلية وإقليمية عربية العداء الواضح وتسعى إلى إفشالها بكل الوسائل المالية والدبلوماسية والعنيفة، مضيفا أنه مهما يكن من أمر، تخفي طريقة نشر أخبار وفاة رئيس الدولة، أزمة مهنية وأخلاقية في التعاطي الإعلامي والاتصالي مع القضايا الحساسة في تونس، إذ بينت على المستوى الصحفي ضعفا فادحا في معالجة أخبار تتطلب دقة فائقة وحذرا في النقل وتثبتا من صدق المصدر وتحريا للأخبار الكاذبة. ضعف السياسة الاتصالية لرئاسة الجمهورية وأضاف المتحدث أن هذه الحادثة عبرت، مثل كل مرة ضعفا في السياسة الاتصالية لرئاسة الجمهورية على الرغم من التنبيه مرارا إلى أن مثل هذه الخطط الاتصالية لا تزال تمنح بحسب الولاء السياسي لرئيس الدولة إلى غير المختصين في الاتصال، مضيفا أن هذه الحادثة بينت ضعفا في أفق الذهني لأغلب الصحفيين التونسيين مثل معالجة مثل هذه الشائعات الخطيرة حيث اكتفوا بالبحث عن “السبق الصحفي” لكسب الشهرة ولم يتجاوزوا الحدث إلى معالجته بطرق عقلانية وعلمية تتطلبها المرحلة، فعمل بعضهم إلى إبداء تعاليق بسيطة أو إلى فسح المجال لغير أهل الاختصاص بعرض وجهات نظر تغلب عليها العاطفة البدائية أو الحسابات السياسية، والحال أن الأمر يتطلب مراجعة أساتذة القانون الدستوري أو الإعلام والاتصال ليقدموا للناس خطابا علميا عقلانيا يشرح ويحلل استنادا إلى دستور البلاد الذي وضح طرق سد الشغور في منصب رئيس الدولة في حالة العجز الجزئي (الفصل83) أو العجز الكلي والوفاة(الفصل84)، ويناقش بالمناسبة سبل استكمال تأسيس المحكمة الدستورية حتى نضمن تداولا دستوريا سلميا وسليما على منصب رئاسة الجمهورية في مثل هذه الظروف الاستثنائية. تجدر الإشارة إلى أن لجنة أخلاقيات العمل الصحفي بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، دعت في بيان لها الصحفيين إلى الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي، كما حثتهم على الامتناع عن نشر أي خبر دون التثبت من صحته عبر أكبر عدد ممكن من المصادر وعدم الاكتفاء بمصدر واحد أو مصادر ضعيفة وغير ذات صفة والامتناع عن نشر الأخبار الزائفة والإشاعات خاصة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي. كما دعت اللجنة الصحفيين إلى التقيد بقواعد العمل الصحفي المحترف في التركيز على المعلومات المتوفرة بمصادرها وعدم الانسياق وراء الإشاعات التي ينشرها غير المحترفين في العمل الصحفي.