جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى مفاجئة ومخالفة تماما لنتائج سبر الآراء التي رجّحت مرور أحد أضلاع الحكم للدور الثاني ولكن النتائج أكّدت فوز قيس سعيد بالمركز الأوّل بنسبة 18.4 بالمائة متقدّما على نبيل القروي صاحب المركز الثاني ب15.6 بالمائة. نتائج أسقطت المنظومة التقليدية التي دخلت بكل ثقلها في هذه الانتخابات، وفاجأت المنظومة الثورية لتدخل تونس في مرحلة جديدة من ثورة الميدان إلى ثورة الصندوق، أو كما عبّر عنها الأستاذ قيس سعيد بالثورة التي تحترم الشرعية القائمة. المنظومة أو “السيستام”، بدأت في التراجع منذ أن انتصرت الثورة وهرب بن علي، وتجاوزت تونس حكما استمر 55 سنة بنظام أوحد بأفكار نمطية ونزعة جهوية جثمت على صدور التونسيين طيلة عقود من الزمن. حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تونس بين سنتي 1957 و1987 ومزج في حكمه بين نزعة السلطان المستبدّ وبين نزعة جهوية لم تخف عن احد رغم بروز لل”بلدية” من أصهاره الذين ظلوا يحاولون استعادة الحكم وبلغوا مراتب مهمّة مع حكومة الباهي لدغم غير أن بورقيبة سحب البساط من تحب “البلدية” وأعاده إلى أبناء جهته من المنستير والساحل، فعيّن الهادي نويرة وزيرا أوّلا بين 1970 و1980 ولما اشتدّ المرض بنويرة عيّن بدله محمد مزالي وهو كذلك من أبناء المنستير. وفي سنة 1986 عيّن بورقيبة رشيد صفر وزيرا أوّلا وهو من نفس الجهة ثم عزله ليعيّن مكانه بن علي ابن حمام سوسة والذي التقط الحكم لنفسه وأزاح بورقيبة وواصل نفس نظامه، رغم تغيير بعض الأساليب إلاّ أن الوزارة الأولى بقيت حكرا على ولاية الرئيس حيث أن الهادي البكوش وحامد القروي ومحمد الغنّوشي والذين عيّنوا على رأس الوزارة الأولى كانوا من نفس الجهة التي ينحدر منها بن علي. سقط النظام في 2011 ولكن جذوره بقيت، لكن استعاد البلْدية الحكم من جديد عن طريق الباجي قائد السبسي، ومع أوّل انتخابات فازت بها حركة النهضة وبعض الأحزاب الأخرى عيّنت الحركة حمادي الجبالي رئيسا للحكومة وهو من نفس الجهة التي حكمت البلاد طيلة 55 سنة. وفي سنة 2014، نزل النظام القديم بشقيه “الساحلي” و”البلدي” لدعم الباجي قائد السبسي من أجل استعادة الحكم هذه المرّة عبر صندوق الاقتراع وكان لهم ما أرادوا ولكن بعد 4 سنوات فشل هؤلاء في الانتخابات البلدية فشلا ذريعا أما صود المستقلّين واحتلال حركة النهضة للصدارة. ومع ثاني انتخابات رئاسية، سقط نهائيا النظام القديم بعد فشل كلّ رموزه رغم أن البعض يتحدّث عن على أن القروي قريب من “البلدية” ولكن هو ينحدر من أصول لا علاقة لها بالبلدية في الأصل ثم إنّ مشروعه وإن كان يعتمد على بعض الأساليب النظام السابق في استمالة الفقراء إلاّ أنّه يعطي أولوية مطلقة للجهات التي ظلمها النظام السابق وأنصفها دستور 2014 من خلال التمييز الإيجابي الذي بقي حبرا على ورق. برز قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية في مفاجئة مدوّية خاصة وأن حظوظه أصبحت مرتفعة في الوصول للقصر بعد توالي بيانات الدعم له من الساحة الثورية وغيرها، وهو ما قد يعتبر زلزالا حقيقيا يسقط “السيستام” عبر ثورة الصندوق.