نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى قبل يومين من إجراء الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية ورقة بحثية بعنوان “الجولة الثانية من الانتخابات، جميع الخيارات ممكنة“، حررها غازي بن أحمد، رئيس المبادرة المتوسطية للتنمية وأنجيلا كونتولي، العضو المؤسس للمبادرة المتوسطية التي تتخذ من تونس مقراً لها. ومن اللافت أنّ المقالة استندت إلى معطيات غير موثوقة ومضللة، وتكاد تكون صدى للحملات الإعلامية غير المهنية في تونس والتي رافقت الاستحقاقين الانتخابيين التشريعي والرئاسي. فقد ورد أنّ قيس سعيد “يقال إن هذا الشخص الذي لم يكن معروفًا على الساحة السياسية قبل الآن”، حيث تنكر المقالة مختلف المواقف والأنشطة التي ساهم بها الرجل في الساحة الوطنية منذ بداية الثورة حتى الآن، وهي علنية وموثقة. ويشير الكاتبان إلى أنّ سعيد “بات اليوم يحظى علنًا بتأييد “حزب النهضة” الإسلامي و”الرابطة الوطنية لحماية الثورة”. وفي هذا الاختصار لحجم التأييد الواسع من أحزاب متباينة، يتجلى التوجه نحو تصنيف الرجل إيديولوجيا ونزع صفة الاستقلالية عنه. ويتأكد هذا المنحى غير البريء في الورقة بإضافة معلومة كاذبة مفادها “وقد شدد سعيد، باعتباره مختصًا في القانون الدستوري، على ضرورة أن تحترم الحكومة المادة الأولى من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو الديانة الرسمية في تونس. وبالتالي جادل سعيد قائلاً إن كل القوانين يجب أن تستند إلى الشريعة الإسلامية”. ويرجح الكاتبان أنّ قيس سعيد قد تأثر باحتجاجات السترات الصفراء التي اندلعت في فرنسا، لكنّ الحقيقة هي أنّ منافسه نبيل القروي هو الذي حاول استنساخ التجربة عبر “السترات الحمراء” وروّج لها في قناته، غير أنّه فسل في ذلك فشل ذريعا. وعند الحديث عن شخصية نبيل القروي تشير الورقة إلى عملية إيقافه قبل الانتخابات وسبب ذلك في 15 كلمة، ثم تخصص فقرة من 148 كلمة عاد فيها الكاتبان إلى تداعيات بثّ فيلم الرسوم المصورة “بيرسيبوليس” على قناة نسمة سنة 2011 ليخلصا إلى أنّ “هذا المرشح يعتبر منذ سنوات شخصيةً مثيرةً للجدل في تونس”. وفي هذا التضخيم محاولة لإبراز القروي شخصية علمانية على النقيض من قيس سعيد ورمزا لحرية الرأي والتعبير. وتمضي المقالة في إبراز القروي ضحية لانتهاك حرية التعبير وتعيد ترديد الادعاءات المضللة لأنصاره بخصوص عدم تكافؤ الفرص، فتقول “وهو من الفائزين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية بالرغم من تجاهل قاعدة تساوي المرشحين في أوقات البث الإذاعي والتلفزيوني المخصصة لهم”. وكان على الباحثين أن لا يقعا في هذا التضليل، حيث يملك القروي قناة تخصص كامل بثها للدعاية له ولقائماته مقابل مرشح تنازل عن حقه في النفاذ إلى الإعلام. ونستغرب كيف للكاتبين وهما يديران مؤسسة مدنية أن لا يكونا قد اطّلعا على البيانات الصادرة عن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المتعلقة بالغرامات المالية التي فاقت 600 ألف دينار والتي عوقبت بها قناة نسمة من أجل الإشهار السياسي. وقد تضمنت الورقة معلومة كاذبة مصدرها جريدة الشعب لسان الاتحاد العام التونسي للشغل وردت في افتتاحية رئيس التحرير يوسف الوسلاتي، مفادها أنّه “عندما طلب الغنوشي زيارة القروي في السجن، رفض الأخير وقال: لا مفاوضات قبل أن أغادر السجن”. وزادت الورقة معطى لا أساس له من الصحة وتفصح تصريحات قيادات الحزبين المعنيّين بخلافه: “والآن أصبحت فكرة التفاوض أو التحالف تلقى قبولا بين النهضة وقلب تونس وصارت كل الخيارات ممكنة”. واختتمت الورقة بتوقع في غير محله، اكتمل به ضعفها وعدم جديتها وسقوطها العلمي، حيث ورد “وبغياب محكمة دستورية في تونس، تبقى قدرة القروي على المشاركة في الانتخابات كمرشح رئاسي فعلي مسألةً عالقةً. وفي حال خسارة القروي في السباق الرئاسي، قد يصبح لديه آنذاك المسوغات اللازمة للطعن في نتائج الانتخابات، وبذلك تستمر مسألة المرشح الرئاسي المقبل في تونس لفترة أطول بعد. وفي هذا الحالة، لا أحد يعرف ما إذا كانت الانتخابات ستحدث مجددًا أو يستطيع التنبؤ بالظروف التي ستجري فيها”. ورغم أنّ “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، ينوّه أدنى المقالات المنشورة على موقعه أنّ “الآراء التي يطرحها مساهمو المنتدى لا يقرها المعهد بالضرورة، ولا موظفوه ولا مجلس إدارته، ولا مجلس مستشاريه، وإنما تعبر فقط عن رأى أصحابها”، إلاّ أنّه كان يجب على المشرفين على تقيم الورقات والمقالات أن يتثبتوا من سلامة المضامين الواردة فيها، وهو ما تقوم به جميع مؤسسات النشر التي تحترم قراءها وتسعى لضمان مصداقيتها. وكان حريّا أن لا تكون إقامة الكاتبين بتونس كافية للثقة في نزاهتهما، فمن الواضح أنّهما يعوّلان على تضليل جهات دولية عبر توظيف منصات بحثية قريبة من أصحاب القرار الأمريكي ومنها معهد واشنطن. لطفي الحيدوري