ملفتة للانتباه تلك التدوينة التي نشرها رفيق عبد السلام على صفحات داخلية ثم تسربت الى العلن، يؤكد فيها أنه غير معني بأي من المناصب الرسمية، لا رئاسة الحكومة ولا غيرها. الانتباه ليس نتيجة مباشرة للتدوينة، بل لسيل التعليقات التي تبعتها والتي شجعت وباركت وهللت.. ما يوحي بأن رفيق اقدم على خطوة رائعة وأن الوضع الحقيقي أن لا يشارك ولا ينافس ولا يطمح ولا يتطلع.. ليس لأنه قليل حيلة سياسية أو خانته مدرجات التعليم فاكتفى بمحو الامية، لا أبدا! فالرجل في جرابه دكتوراه ذروة التحصيل، إنما مشكلته الوحيدة انه صهر زعيم الحركة! صهر راشد الغنوشي! هكذا توحي المناخات، وهكذا تم ترويض العقول على اللامعقول.. وانطلاقا من هذه المصاهرة، اشتغلت مكينة بشعة، مهمتها تحويل الفضيلة الى رذيلة. من المسلمات أن تكوين الرجل وتاريخه أكبر بكثير من تسجيله كملحق لأي شخصية مهما على شأنها، هو ابن المحنة وابن المنحة، بزغ في الحركة وفي الجزيرة وفي ساحات الفكر والسياسة قبل أن يرتقي الغنوشي الى قيادة التجربة، بل كان هناك حين كان اسم الغنوشي يبعث على القلق! فرنسا تمنعه وبن علي يطلبه والأنظمة العربية تتوجس من عدواه لنخبها، فرفيق صاهر الغنوشي حين كان اسمه في اللائحة السوداء وليس حين رضيت باريس فغمزت.. فارتخت أوروبا و أفسحت. ثم انه حتى من يصاهر القواد الصبايحي السفاح الانقلابي المجرم.. لا يجب أن يعيّر به، لأنها وببساطة “لا تزر وازرة وزر أخرى” والتقييم يتم على شرط سلوك الشخص نفسه وربما زوجته ليس أكثر، فما بالك والرجل يصاهر الشخصية الإسلامية التي نقلت الفكرة من الصراع مع الدولة الى الألفة معها، من معاداة الدولة الى الانتصار لها، من الصدام مع السيستام الذي احتكر الدولة لأكثر من نصف قرن، الى ترويضه وسحبه بعيدا عن الساحة المكتظة وإفراغ شحناته هناك حتى لا تنفجر في قلب المجتمع، هو السياسي العربي الذي استبدل الكاميكاز الانتحاري ضد السيستام بحرب الاستنزاف مع السيستام، هو أيضا أسس لفلسفة سحب الثورة من الصدام العشوائي على أرض تحبذها الثورة المضادة، وثم سحب الثورة المضادة إلى أرض تتوافق وأسلحة الثورة ومواردها. أي نعم نحن نعيش منحة الحرية الأفضل عبر تاريخ تونس، ولك أن تفتخر بصهرك الفنان أو الرسام أو بائع الورد أو الطبال، لك أيضا أن تفتخر ب”صهرتك” الرقاصة أو الشمامة أو الغبّارة، كما يحق لعبد السلام أن يفتخر بمصاهرة الرقم الصعب في التجربة التونسية والرأس الأول المطلوب إقليميا من طرف قراصنة الثورة المضادة، كارلوس العسكارتاجية والنفطاجية والعبودوستموجية.. بعبع بوغلاب وعمرو أديب وغلمان زايد والثيران الحمراء المحنطة في ساعة زمنية ستيناتية رثة مستهلكة. إذا كانت الذاكرة المرهقة المعطوبة بالتشويه والتشويش، قررت أن ترحّل قيمة الغنوشي إلى ما وراء الموت! تماما كشابي الشعر وبن يوسف النضال وشرايطي السلاح ، فذلك لا يعني ان تتحول الساحة إلى كائنات بوغلابية، تفزع في وجه العصابة الاعلامية حين تذكر قيس سعيد بشر لبضع أسابيع، وتبتلع السنتها امام 8 سنوات من طحن الغنوشي! في تحالف اجرامي بين البؤر الاعلامية المحلية والاخرى الاقليمية المعادية للثورات العربية الناطقة الرسمية باسم الثورات المضادة. بعد أن تتنحى الأحكام القبيحة جانبا، وتصبح مصاهرة الأخيار ورجال الفكر والدعوة فضيلة وليست رذيلة، تضيف إلى رصيد صاحبها ولا تبتزه، تنمي فضيلة التخيّر لنطفكم ولا تسحقها، بعد ذلك لا يهم لتذهب المناصب الى الجحيم فهي عارية و مردودة، وليذهب عبد السلام إلى شارع النهضة المكتظ بالمحرومين، فيجرّب كغيره من الأحرار الذين عاشوا المحنة ولم يروا من المنحة غير المزيد من الجهد والعرق في الحملات الانتخابية وفي التصدي للحملات المركزة ضد حركتهم، وفي معارك الكر والفر مع الثورة المضادة، ذلك الجيل المطحون الذي انتقل من الزنزانات إلى الساحات! من الدم الى العرق، ومازال يبحث عن لحظة انصاف قد يمضي العمر ولا تأتي.. ليتنحى عبد السلام وسمير والمكي والبحيري، ليتنحى الغنوشي نفسه لتتنحى كل الطبقة الأولى إلى الخنادق، إلى خطوط الإمداد والتصدي، الى حيث أوتاد النهضة ووقود معاركها، ذلك لا يهمنا.. المهم ان تُعدّل المفاهيم وأن لا يتم استغفال العقول ومراودتها بالمشين والمهين… سجّل إذا.. مصاهرة الأخيار فضيلة وليست رذيلة. نصرالدين السويلمي