بمتابعة كواليس الجلسة العامّة التي خصصت، يوم الجمعة الماضي، للتصويت على منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي والتي تمّ إسقاطها، لم تكن المواقف داخل كتلة قلب تونس من منح الثقة لحكومة الجملي منسجمة تماما بين أعضاء الكتلة، فقد أبدت مجموعة من أعضاء الكتلة رغبة في منح الثقة للحكومة فيما تشبّثت مجموعة أخرى بإيعاز من رئيس الحزب نبيل القروي بموقف المجلس الوطني للحزب الرافض للتصويت على منح الثقة لحكومة الجملي. ولعلّ ما ترجم عدم الانسجام في المواقف هو حضور رئيس حزب قلب تونس منذ الساعات الأولى لانطلاق جلسة التصويت على الحكومة في مجلس نواب الشعب إلى حدود اللحظات الأخيرة من اقتراب عملية التصويت في وقت متأخر مساء الجمعة، وعقده اجتماعات متتالية مع أعضاء كتلته البرلمانية أكّد خلالها القروي تشبّث كتلة حزبه بموقفها بعدم التصويت للحكومة. خلاف تزامنا مع الجلسة العامة، لم يخف وجود خلاف بين موقف رئيس الحزب ومن معه مع موقف النائب عن كتلة قلب تونس رضا شرف الدين ومجموعة من نواب كتلته الذين عبّروا في الكواليس التي دارت داخل بهو المجلس عن رغبة في منح الثقة لحكومة الجملي مع رفض التصريح بذلك بشكل علني، وبدا الخلاف جلّيا بين المجموعتين داخل نفس الكتلة. حضور القروي طيلة سير الجلسة العامة بالبرلمان، واجتماعاته المتتالية بأعضاء كتلته، وتجديد تأكيده في تصريحات إعلامية متتالية، في ذات اليوم، موقف حزبه من الحكومة الجملي، كان يُخفي تذبذبا وتناقضا في مواقف أعضاء الكتلة من التصويت على منح الثقة للحكومة من عدمها. اتفاق مسبق القروي بدا متمسّكا بنفس الموقف الذي اتخذته كتلة حزب تحيا تونس بعدم التصويت للحكومة، رغم انعقاد اجتماع مشترك جمع القروي برئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي على هامش الجلسة العامة في محاولة لتقريب وجهات النظر في التصويت على الحكومة. الانسجام بين موقفي كتلة تحيا تونس وقلب تونس، في جلسة منح الثقة، كان يوحي بوجود اتفاق مسبق بين الحزبين لاتخاذ نفس الموقف من الحكومة، ولعلّ التسريبات التي تحدّثت عن وجود لقاءات غير معلنة بين القروي والشاهد الأسبوع الماضي تؤكّد هذا الاتفاق المسبق. والأسبوع الماضي، جمع رئيس تحيا تونس يوسف الشاهد برئيس حزب قلب تونس نبيل القروي لقاء أوّل غير معلن ولقاء ثان معلن في إطار إجراء مشاورات تتعلق بالتوافق بين الكتلتين البرلمانيتين للحزبين خلال المدة النيابية القادمة. وتحادث الطرفان بشأن التنسيق فيما بينهما في العمل البرلماني وإمكانية السير على نفس المواقف فيما يخص الشأن الوطني وخاصة فيما يتعلق بالتصويت لحكومة الحبيب الجملي. وجرى اللقاء بطريقة غير معلنة وسبقته لقاءات أخرى بين قيادات من حركة تحيا تونس وحزب قلب تونس. رهان جبهة القروي والشاهد هذا التقارب بين كتلتي تحيا وقلب تونس الذي بدا حذرا في بدايته عبر لقاءات واتفاقات غير معلنة، خرج فيما بعد للعلنية بمجرّد إسقاط حكومة الجملي، إذ تم الإعلان عن تكوين جبهة برلمانية تضمّ كتل تحيا تونس وقلب تونس والإصلاح الوطني والمستقبل. وقد أثار هذا التقارب استغرابا كبيرا لدى عدد من المراقبين للشأن العام فبعد أشهر طويلة من حرب إعلامية ومرحلة كسر عظام بين الشاهد والقروي، منذ حدوث انشقاقات داخل حزب نداء تونس مرورا بفترة الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة التي سعى كل طرف خلالها إلى شيطنة الآخر، ها هو يحصل اليوم تقارب بين الطرفين بعد حرب طاحنة في محاولة للمّ شمل الأحزاب المنشقة عن النداء (تحيا تونس وقلب تونس ومشروع تونس ونداء تونس) عبر تشكيل جبهة برلمانية واحدة. لكن مدى تماسك هذه الجبهة يبقى رهين ما سيفرزه مسار تشكيل الحكومة المقبلة، وحجم تمثيلية هذه الجبهة في هذه الحكومة، فهذه الجبهة تسعى إلى أن تكون قوة سياسية وبرلمانية فاعلة ومؤثرة في مشاورات تشكيل الحكومة. وبالرجوع إلى الخلافات داخل حزب نداء تونس الذي انشقّ إلى مجموعة حزيبات صغيرة بسبب معركة التموقع داخل الحزب وداخل السلطة، يمكن استنتاج أن الجبهة البرلمانية التي تضمّ تحيا وقلب تونس بُعثت للهدف ذاته وهو التموقع في السلطة، لذلك فإن استمرارية وصلابة هذه الجبهة البرلمانية ستكون مرتبطة بمآلات مسار تشكيل الحكومة المرتقبة، وما إذا كانت مكوّنات هذه الجبهة ستكون ممثلة في الحكم أم لا، أو أن التقارب الحاصل بينهما كان لغاية واحدة وهي إسقاط حكومة الجملي يتم على إثرها نقض بقية الاتفاقات إذا لم تكن مكوّنات هذه الجبهة في السلطة. فهل تثبت هذه الجبهة تماسكها مهما كانت المآلات؟ أم سينتهي بها الأمر إلى ما انتهى إليه مصير النداء؟ فيدفع القروي بذلك ثمن التقارب مع تحيا تونس وتوحيد الموقف من حكومة الجملي بعد أن عبر عدد من نوابه عن رغبة في التصويت على حكومة الجملي، فيحصل انقسام داخل كتلته، وقد تنضم تلك المجموعة إلى كتلة تحيا تونس، فللشاهد سابقة في استقطاب نواب إلى صفّه، فقد انشق سابقا عن النداء وأتبع ذلك الانشقاق انضمام ما يناهز 30 نائبا من النداء له وتكوين حزب تحيا تونس وكتله في البرلمان السابق وانتهى النداء ب3 نواب.