نشر الإعلامي والمحلل السياسي الحبيب بوعجيلة تدوينة على صفحته الرسمية على فايسبوك بشأن المشاورات الأخيرة لتشكيل حكومة الفخفاخ. وفي ما يلي نص التدوينة: مفاوضات حكومة السيد الياس الفخفاخ لم اتابعها من موقع الفاعل أو المؤثر ولكن الساحة السياسية التونسية وكواليسها اصبحت اليوم في متناول المتابعين الذين يوجدون في قلبها او على تخومها . لهذا السبب ازعم اني يمكن ان اكون لنفسي رأيا و قراءة لهذه الازمة الاخيرة التي اندلعت بين النهضة ورئيس الحكومة المكلف . مطالبة النهضة بموقع مركزي في الحكومة وفي شؤون تشكيلها وإبداء الرأي في كل الوزراء المرشحين وحرصها على نصيب يناسب حجمها الانتخابي اضافة الى حرصها على تشريك قلب تونس ..كل ذلك نابع من قراءة نهضاوية لمشهد سياسي مازال فيه صراع الوجود والتنافي وموقع ” الاسلاميين ” وغلبة منطق ” الاستئصال ” مقومات اساسية مفسدة للثقة ومربكة لمسار الانتقال الديمقراطي . الحقيقة ان تجربة السنوات التسعة من عمر ” الثورة ” لا تكف عن التأكيد بأن نفس ” اللوجيسيال ” الذي حكم ” العقل السياسي ” التونسي في ما قبل الثورة هو الذي يواصل حكم هذا العقل بعدها : الموقف من النهصة والاستعداد الدائم لتحالف الجميع مع الجميع في مواجهتها كلما كان هناك احساس بأن القدرة على الحضور في المشهد انتخابيا تتطلب ” تحجيم الاسلاميين ” . تدرك النهضة باستمرار ان غلبة هذا ” اللوجيسيال ” على عقل اغلب الفاعلين يفرض عليها باستمرار ” الحذر الدائم ” كي لا تسمح بأن يجتمع ” الجميع ” في مواجهتها . يجب ان نعترف بحقيقة ان العنوان الرئيسي للاستبداد كان باستمرار في العقود الاربعة الاخيرة من عمر الدولة الوطنية التونسية وحتى العربية هو ” استهداف الاسلاميين ” ويجب ان نقر بأن كل تحالف بين ” النخبة المسماة حداثية ” و ” الدولة ” كان الاسلاميون دوما ضحيته . القوى الديمقراطية الحقيقية التي ادركت هذه المعادلة لم تتمكن من فرض الحرية ومقارعة الاستبداد الا حين جعلت ” الحرية للاسلاميين ” شرطا للديمقراطية الحقيقية والمضمونة .في المقابل نستطيع بسهولة اكتشاف ” العرق الاستبدادي ” في ” العقل المزعوم ديمقراطيا ” بمجرد ملاحظة ” ادمانه ” على ” معاداة الاسلاميين ” . مما تقدم قدرنا باستمرار ان الموقف من ” النهضة ” وطريقة التعاطي معها بعد الثورة هي ” معيار ” ضمان أو تهديد ” الانتقال ” و” الثورة ” . لهذه الأسباب نعتبر أن عبير موسي هي ” التعبير الاوضح ” على اللوجيسيال المذكور اعلاه بحيث تكون كل الخطابات السياسية والاعلامية الاخرى مجرد تنويع على خطاب عبير: معاداة النهضة = معاداة الحرية = معاداة الثورة . ضمن هذا ” الصراع الوجودي ” الذي يحكم المشهد تتصرف النهضة وتجد في كثير من الاحيان مبررات لتصرفها في طريقة تعاطي الخصوم مع لحظات التفاوض الكبرى التي شهدها المسار . تتوجس النهضة من المرونة التي ابداها التيار والشعب مع تشكيل حكومة الفخفاخ مقارنة بتصلبهما في مفاوضات الحكومة السابقة وتتوجس من التساهل الذي أبداه المكلف معهما في ما منحهما وتتوجس من نوعية الأسماء المستقلة التي تم اختيارها فتهرع الى ضرورة فرض شروطها وحجمها وإلى ” الالتصاق ” بقلب تونس الذي لا يبدي موقفا رافضا له اي طرف حزبي معادي للنهضة ما يجعلها تسبقهم جميعا في الدفاع عليه تجنبا لكل تحالف في مواجهتها في اطار عقل سياسي ليس هذا ” اللوجيسيال ” غريبا عنه أعرف أني كالعادة بهذه المواقف أجازف بالخسارة الذاتية الدائمة والإكثار من خصومي في مشهد سياسي وإعلامي وثقافي ومنظماتي يسيطر عليه ” لوجيسيال ” معاداة النهضة ويضيق بكل محاولة للتحليل الموضوعي. ولكني اتصور ان بناء ديمقراطية مستقرة وحرية مضمونة يقتضي فضح العقل السياسي الذي سيطر على البلاد العربية منذ نشأة ” النظام الرسمي العربي ” بما هو نظام ” استئصالي ” بنخبة وظيفية محمولة خطأ على ” المعارضة ” و ” الديمقراطية ” و ” الحداثة ” . بناء على كل ما سبق اقدر والله أعلم ان أخطاء حقيقية شهدها منهج التفاوض حكمها هذا العقل في تشكيل حكومة الفخفاخ كان بالامكان تجاوزها وتجنب أزمة الساعات الأخيرة التي ستلقي بثقلها على كل عهدة هذه الحكومة حتى لو مرت .