تعتبر الترجمة مدخلا مهما من مداخل حوار الحضارات وانفتاح الثقافات على بعضها وذلك بالنظر إلى أهمية حركة الترجمة والدور إلى يمكن أن تضطلع به في تحقيق النهضة الفكرية بمختلف أبعادها. ومن هذا المنطلق حرص كل من المركز الوطني للترجمة والمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة”خلال سنة 2008 التي أقرها الرئيس زين العابدين بن علي سنة وطنية للترجمة على التعريف بالإبداع التونسي في شتى مجالاته الفكرية والأدبية والفنية وإبراز خصوصيات الثقافة الوطنية مع اكتشاف الإبداعات الأدبية والفكرية العالمية المترجمة من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية. وتجسم ذلك في عمل اللجان الفنية الثلاث التابعة للمركز الوطني للترجمة والمتركبة من شخصيات جامعية وعلمية وثقافية وهي “لجنة إستراتيجية الترجمة من أجل تعزيز الحضور الثقافي التونسي في المشهد الثقافي العالمي” و”لجنة إستراتيجية الترجمة من أجل التحديث الفكري والثقافي” و”لجنة إستراتيجية الترجمة من أجل مواكبة تطور المعارف العلمية والتكنولوجية ورهانات العلاقات الدولية”. وانتظمت في هذا الإطار العديد من التظاهرات التي لها مساس بالترجمة من ذلك ندوة دولية بعنوان”ترجمة تونس اليوم” ويوم دراسي حول”ترجمة الأدب في تونس من العربية واليها” إلى جانب اقامة معرض الكتاب المترجم على هامش معرض تونس الدولي للكتاب ولقاءات “الترجمة وفنون الشعر والرسم والمسرح والأغنية” فضلا عن موائد مستديرة اهتمت بحصاد الترجمة بين تونس وكلا من فرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا وألمانيا. ووضع المركز خطة وطنية للترجمة باعتماد سلم أولويات لترجمة أمهات الكتب في التراث الأدبي والفكري الوطني والعالمي والروائع الأدبية والدراسات والبحوث المتعلقة بالعلوم والفنون والمؤلفات ذات الأهمية الموسوعية وذلك مباشرة أو بالشراكة مع المؤسسات ذات الاختصاص. كما يواصل الجهود للإسهام في عملية التحديث اللغوي وإدراج اللغة العربية في الحركة الفكرية الحديثة وابتكار المفردات والمصطلحات وتسهيل تداولها بين الباحثين والدارسين ووسائل الإعلام وكافة الناس. ويحرص كذلك على رصد الترجمات المنجزة داخل البلاد وخارجها للإنتاج الفكري والأدبي والعلمي والفني التونسي وإصدار بيبليوغرافيا للترجمات التي تعنى بتونس وثقافتها وإعلامها. وفي جانب آخر يعمل المركز الوطني للترجمة على إعداد قاعدة بيانات حول الكفاءات المختصة في الترجمة بكل أنواعها وانجاز موقع خاص بها على شبكة الانترنات. أما “بيت الحكمة” فقد أفردت الترجمة بحيز هام ضمن برامجها فتشكلت للغرض لجنة علمية متركبة من كبار الجامعيين والخبراء والمختصين. وقد تمثل العناوين المترجمة 30 بالمائة من مجمل إصدارات المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون وتشمل اختصاصات متعددة تجمع بين الأدب والفلسفة والانتروبولوجيا والتاريخ والعلوم وقعت ترجمتها إلى اللغات الفرنسية والانقليزية والألمانية والاسبانية واليابانية واللاتينية ومن هذه اللغات إلى العربية . وأمكن لهذا المجمع تكوين رصيد من الأعمال المهتمة بترجمة المصطلحات في شتى المجالات المعرفية. واتجه مخطط “بيت الحكمة”إلى إصدار مجموعة من الكتب المترجمة في ثلاثة مستويات هي سلسلة”إطلالات” على الفكر الغربي المعاصر وسلسلة “التعريف بالأدب التونسي خاصة والأدب العربي عامة” قديما وحديثا وسلسلة “أحدث ما صدر” في الساحة الغربية بالخصوص. ويتم الحرص حاليا على مزيد تدعيم حركة التعريب داخل المجمع للاستفادة أكثر ما يمكن من معارف الآخر وأفكاره.