عاصمة الأغالبة، هكذا عرفت مدينة القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2009 فهي أول مدينة إسلامية تأسست بالمغرب سنة 670م كما أنها من أهم المدن في افريقية التي ساهمت في التعريف بالحضارة العربية الإسلامية وترسيخ قيمها عبر العصور. وتعتبر القيروان اليوم امتدادا مميزا لقيروان الأغالبة إذ أنها أخذت بأوفر حظها من معالم الحداثة والتمدن بفضل ما حباها بها الرئيس زين العابدين بن علي من رعاية موصولة إيمانا من سيادته بالقيمة الثقافية والحضارية المتميزة لهذه المدينة. واستقطبت القيروان في العهد الاغلبي خلال القرن التاسع ميلادي علماء بارزين من افريقية والمشرق نظرا لإشعاعها العلمي والثقافي في تلك الفترة فقد أنعش الأمراء الأغالبة المجالس الأدبية والشعرية فكانت القيروان وجهة للعديد من طلبة العلم والمعرفة على غرار اسد بن فرات 759- 828 م فاتح صقلية ورجل الفقه والقضاء والإمام سحنون بن سعي 776- 854م عمدة وفقيه المذهب المالكي الذى يحظى بمقام خاص في القيروان يعرف بمقام “الإمام سحنون” تقديرا لمكانته العلمية والدينية. ومثل جامع عقبة بن نافع مركزا ثقافيا بارزا خصص لتدريس الفقه وأصول الدين في العصر الاغلبي وهو اليوم من أهم المعالم التاريخية وشاهد على تمازج الحضارات العربية الإسلامية وذلك لما تتميز به هندسته من زخارف ومخطوطات تعكس تطور الفن المعماري في تلك الفترة. ويعكس كل ركن من أركان مدينة القيروان الأرضية الثقافية الخصبة التي تميزت بها هذه المدينة وارتباط معالمها التاريخية بالعديد من الأعلام والمفكرين البارزين فقد كانت “بيت الحكمة” برقادة والتي تأسست سنة 878 م أول “جامعة علمية” في افريقية والمغرب تولى فيها التدريس عدد من العلماء المشهورين مثل الاديب الشاعر بن الصائغ المتوفي سنة 908م والطبيب اسحاق بن عمران المتوفي عام 903م واحمد بن الجزار المتوفى سنة 979م صاحب كتاب “زاد المسافر”. كما ساهمت “بيت الحكمة” في ترجمة العديد من المؤلفات اللاتنية واليونانية إلى العربية فضلا عن تنظيم المناظرات ونشر علوم الطب والفلسفة والفلك. وفي مجال الشعر والأدب فقد مثلت القيروان مناخا ثقافيا وفكريا مهما لنخبة من الشعراء والأدباء العرب فمنهم من نشأ وترعرع في ربوعها ومنهم من اختارها موطنا ليستقر فيه. ومن أعلام الثقافة الذين استقروا بعاصمة الأغالبة نذكر الشاعر والموسيقار ابو الحسن بن علي النافع 789- 857م المعروف “بزرياب” الذى غادر بغداد ليحط الرحال بالقيروان إلى جانب الشاعر الشهير علي الحصرى المتوفي سنة 1095م صاحب قصيدة “يا ليل الصب متى غده”. ونسب إلى مدينة القيروان كذلك شعراء وأدباء من العصر الحديث على غرار الشاعر التونسي والأديب محمد الحليوى 1900-1978 الصديق الحميم لأبي القاسم الشابي والذي اكتست أشعاره صبغة عقلية ومن مؤلفاته “مع الشابي” و”في الأدب التونسي” وكذلك الشاعر محمد مزهود “1929- 2003′′ الذي امتاز شعره بمتانة السبك وجزالة اللفظ حتى لقب بمتنبي تونس إلى جانب الشاعر والأستاذ الجامعي جعفر ماجد الذي ولد بالقيروان سنة 1940 وأوكلت له مهمة التنسيق العام لتظاهرة /القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2009. ولا يقل دور القيروان الديني والروحي في ترسيخ العقيدة الإسلامية وتحديدا المذهب المالكي بالمغرب الاسلامى أهمية في جعل عاصمة الأغالبة مهدا للحضارة العربية الإسلامية ومنبعا للثقافة والفكر المستنير.