أجواء مصارحة ومكاشفة تعيشها العلاقة بين حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي حول المبادرة الديمقراطية الداعية الى ان يكون مرشح حركة التجديد في رئاسية 24 اكتوبر 2004 مرشحا للمعارضة الموسومة بالديمقراطية او التقدمية. هذه المصارحة التي شهدتها خلال الايام الماضية صفحات جريدتي الحزبين «الموقف» و»الطريق الجديد» لم تخل من انتقادات خفية حاولت ان ترتدي صيغة الديبلوماسية. المصارحة بدأها السيد احمد نجيب الشابي الامين للحزب الديمقراطي التقدمي بإعلانه في مقال على صفحات الموقف اكد فيه رفضه للمبادرة وقال عنها: «انها تطرح مسألة الزعامة الموحدة للمعارضة» وسرعان ما ابدى السيد محمد حرمل الامين العام لحركة التجديد في مقاله الافتتاحي «بالطريق الجديد» موقفا مضادا ورأى ان يكون صريحا مثل صديقه احمد نجيب الشابي (كما وصفه) لكنه عارضه في موقفه قائلا بأن «المبادرة لا تطرح مسألة الزعامة وان مرشح التجديد للرئاسية لن يكون زعيما بل مناضلا سياسيا» وهو ما يعني ان التجديد كحزب او مرشحه لن يفتك الزعامة المنشودة بل ولا يسعى اليها. بل ان حرمل يمضي اكثر الى الأمام بالقول ان الرئاسية القادمة ليست مفتاح الزعامة رغم ان بعض الاطراف ترى انها مرتبطة بهاجس الزعامة والتهافت عليها ويؤكد ان عهد الزعامات التقليدية انتهى. **حوار وإقرار هذا الحوار السياسي وان كان عن بعد وبمداد الحبر، فإن فضائله تتمثل في فتح ملف كان مسكوتا عنه على الاقل في الأوساط الصحفية وبعيدا عن مجالس النميمة المعروفة في الاوساط السياسية وبين المناضلين، ويتمثل في الاقرار بأن فشل محاولات العمل المشترك بين احزاب المعارضة رغم تعدد التجارب والمشاركين فيها خلال العقد الماضي يعود الى الخلافات على الزعامة والقيادة اذ ان كل حزب وكل امين عام يحاول الاستفادة من العمل الائتلافي او الجبهوي والعمل على ان يكون «الزعيم» الموحد للمعارضة، الذي تطبّق كل تعليماته وتصوراته وبلا نقاش ان امكن. والمتابع لتجارب التحالف الفاشلة بين احزاب المعارضة وظهور اكثر من «ترويكا» واكثر من «ثلاثي» خلال العشرية الاخيرة وقبلها بقليل يتأكد ان «الزعامة» المزعومة هي التي قبرت هذه المحاولات ووأدتها بعد فترة قصيرة من الاعلان عنها، بل ان الساحة السياسية كانت شاهدة على محاولات اكثر من امين عام لحزب معارض لافتكاك الزعامة فوجد صدّا ورفضا عجلا بانتهاء التجربة. وفي الحقيقة فإن السعي الى «الزعامة» والتهافت عليها لم يبرز فقط في التحالفات والائتلافات بل انه كان حاضرا داخل كل حزب او على الاقل عديد الاحزاب المعارضة اذ كان بعض الامناء العامون او رؤساء الاحزاب يعيشون هذا الهاجس ويحاولون تجسيمه ومحاولة الظهور بأنه يملك الحقيقة والقرار في الحزب وان البقية الباقية في الحزب هم مجرد منفذين لسياسته او مجرد مساعدين له في احسن الحالات لهم مسؤوليات على الورق لكنهم لا يقومون بها على الوجه الأكمل. **أزمة ديمقراطية هذه الاجواء عكست ازمة الديمقراطية داخل عديد احزاب المعارضة وتجسمت في عديد الخلافات والانشقاقات واللجوء المكثف الى العدالة في ظل غياب الحوار المسؤول والمتكافئ. وتطرح هذه الاوضاع التي تكاد تكون حاضرة في جل الاحزاب، ضرورة تطوير التربية على الديمقراطية وتعميق ثقافة الاختلاف، اذ لا يمكن ان تطالب المعارضة بأن يكون الآخر ديمقراطيا وقابلا لتعدد الآراء وضامنا لحق الاختلاف في حين ان هذه القيم تغيب عنها ولا تجد لها حضورا في مختلف هياكلها. ان الزعامة الفردية التقليدية انتهت منذ سنوات وان المطلوب اليوم قبول الزعامة الموحدة (ان صحت العبارة) اي العمل على تدعيم ثقافة الوفاق والتسيير الجماعي ونبذ الأحكام المسبقة وإقرار حسن الظن بالجميع ودعم نقاط الالتقاء التي تبرز في تقييمات ومنطلقات المعارضة التي لا يكاد المحلل يجد فيها اختلافات.