المشهد الشعري التونسي هو عبارة عن مشهد فسيفسائي تتحرّك في فضاءاته كلّ الأجيال الشعرية: من الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، مرورا بالستينات والسبعينات وصولا إلى الثمانينات والتسعينات... وهذا التواصل الزمني استفاد منه الشعر التونسي من حيث تنوّع الرّؤى والتيارات والمضامين والأشكال.. الأمر الذي أفرز لنا تجارب متعددة ثرية بنصوص ابداعية قوية في ساحتنا الشعرية اليوم تتفوّق أحيانا على ما يكتب الآن في بقية الأقطار العربية من قصائد متشابهة لا نجد ما يميّز أصحابها عن بعضهم البعض. ولكن، ورغم ما يوجد من ايجابيات على مستوى النص الشعري التونسي حاليا، ورغم علاقاتي الشخصية الجيّدة مع جميع الأصدقاء الشعراء، فأنا أتألّم كثيرا للانحدار الذي وصلت إليه ساحتنا الشعرية على المستوى الأخلاقي، إذ تحوّل عديد الشعراء إلى أبواق للنميمة والفتنة والصراعات التافهة والخصومات الفارغة والنزاعات العنيفة والحروب الباردة والساخنة.. وقد أثّر كل ذلك على طبيعة العلاقات بين الشعراء، فترى الجفاء والقطيعة والانتفاخ والتطاوس والتطاول والحقد والبغضاء عوض الحميمية والتلاقي والتواصل والتواضع والمحبّة لذلك دعوت أكثر من مرة وفي عدة مناسبات إلى انشاء جمعية للمحبة بين الشعراء.. تجمع ولا تفرّق تبني ولا تهدّم، تتسامح ولا تنتقم، تنشر النور وتبدّد الظلام، تشيع الجمال والبهجة وتقاوم القبح والتعاسة. وأعتقد أن بالأفكار الطيبة، وبالقيم والمبادئ النبيلة والسامية ينتصر المشهد الشعري التونسي على السلوكيات المشينة والمتخلّفة، وسيعزّز مكانة الشاعر لدى الرأي العام ويمنح لدوره قيمة أكبر في المجتمع.. وهذا يتطلب عملية نقد ذاتي صادقة ليراجع الشعراء أنفسهم ويصحّحوا علاقاتهم.. وإن تحقّق لنا ذلك فسيكون المشهد الشعري نظيفا وأكثر ثراء وعطاء وإشعاعا في الداخل والخارج.. مع مواكبة نقدية جادة وجدية تدفع هذا لمشهد الشعري إلى الأمام، بامتياز وقوّة وتفوّق.