لم أكن أعرف رئيس مجلس بريمر الشهري الذي اغتيل ببغداد يوم الاثنين الماضي عزالدين سليم، ولا أعرف ان كان ضمن قائمة المجلس الحقيقية أم هو احد (الدوبليرات) بلغة السينما او (البدائل) بلغتنا، اذ اننا رأينا العجب العجاب في (العراق الجديد). اعضاء مجلس حكم يتوارون عن الانظار ذعرا ويوفدون بدلا عنهم ممثلين لهم يسمونهم (مناوبين) فكأن موقعهم الذي منحهم اياه جلالة بريمر هو موقع مثل (الطابو) ومن حقهم ان يورثوه لمن شاؤوا من عرقهم وطائفتهم ضمن المحاصصات المشينة. نعم، لا أعرفه وليس صدفة ان لا يعرفه العراقيون ايضا. ومن الاجوبة التي استمعت اليها عنه وبثتها احدى الاذاعات الاوروبية الناطقة بالعربية ما قاله شاب سأله المذيع عنه فقال: (لا أعرفه ولا يهمني امره، الامريكان هم من جاؤوا به). وفي احدى الفضائيات قال شاب من جيش المهدي وهو يتمترس في موقعه: لقد جاء به الامريكان، وكل من يأتي به الامريكان عميل لهم. الآن لنقلّب الوجه الآخر للموضوع فهوشيار زيباري الذي صارت الفضائيات تستفتيه ظهر علينا وهو غاطس بين عشرات اللاقطات التي يحمل كل واحدة منها اسم فضائية اعطى الجواب الفصل بأنه ما دام قد قتل على يد (الارهابيين) فهذا دليل على وطنية (رجالات) مجلس الحكم... الخ. ويبدو ان البعض ذاكرتهم غائبة، او أنهم اعتمدوا تغييبها ظنا منهم ان المتابعين ينسون اليوم ما حدث بالامس رغم ان ا لاحداث متصلة ببعضها، ولا يمكن فصلها أبدا. لقد أعلن المقاومون ومنذ اطلاقتهم الاولى الموجهة لصدور المحتلين وأتباعهم أنهم سيتعاملون مع الخونة وباعة الأوطان ونذل مجلس بريمر كما يتعاملون مع المحتلين، ونضيف من وحي ما علمتنا الاحداث بأن عقاب الخائن والعميل يجب ان يكون أقسى من عقاب المحتل. نقول هذا ونحن نؤمن ان المحتلين لا يحترمون في قراراتهم هؤلاء الذين يسيل لعابهم وراء مناصب في الهواء وصفقات تخريب لا تعمير مزعومة. ولنتذكر حكاية ذلك الخائن الذي قدم لنابليون كل ما أراد حتى احتل وطنه فجاءه يطلب الثمن بناء على وفائه لنابليون. فما كان من نابليون الا ان طرده وهو يقول له: لم تكن امينا او وفيا لوطنك فكيف تكون وفيا لي؟ وكان رحيما به عندما بصق عليه وطرده. ان العراق يشتعل اليوم، وبدأ العراقيون يعرفون ويدركون جيدا اكاذيب المحتلين الذين ألحقوا بهم اهانات لم يكونوا يتوقعونها وكان عليهم ان يتوقعوها قبل ان يسلموا قيادهم لهم ويتعزز الاتباع والعملاء والمترجمون والخاضعون بهذا الشكل المزري والمذل. ان الاحتلال دمّر ا لعراق، حوّله الى خراب، ولم تسلم حتى المراقد المقدسة في كربلاء والنجف والكوفة وكانت توصف بأنها خطوط حمراء، فأصبحت هذه المدن التي كانت تعج بعشرات الالوف من الزوار اشبه بمدن اشباح ووصل رصاص الغزاة الى قبة الامام علي بن ابي طالب ورأينا الرصاص وقد ثقب بهاءها الذهبي. فأين الخطوط الحمراء أيها البريمريون (الميامين)؟ سيذهب هذا أو ذاك من مجلس بريمر اغتيالا او كمدا في ساعة حساب مع النفس لمن في داخله بقية من وطنية قديمة، نعم سيذهبون ولكن العراق سيبقى. ولم تكن عملية اغتيال عزالدين سليم الدقيقة المحكمة تستهدفه وحده بل كانت تستهدف اخرين من مجلس بريمر وممن شكّلوا نواة الاحتلال وتابعوا الاعداد له في كل مراحله بما قدموا من خرائط وفبركوا من معلومات. وقد ذكرت الانباء أن من بين الذين قتلوا مع سليم احد (الدوبليرات)، ولم يذكر (دوبلير) من كان. وأمام مقاومة تتمتع بهذه الدرجة من الحرفية والدقة لابد للمتابع ان يرى ويرى، لأن العملاء مستهدفون كل الاستهداف، ولن يطمئنوا بالتأكيد منهم في العراق وحساب العراقيين الشرفاء معهم مفتوح (رغم انهم يدّعون عراقية الانتماء). فأثداء العراقيات لم ترضع خونة الارض والتاريخ أبدا. لم يكن العراق في هذه الفوضى يوما، ولم يكن مستباحا بهذا الشكل. لم تصل اهانة مواطنيه حد الاعتداء الجنسي المصور على الرجال وهم مكبلوا الايدي والأكياس على رؤوسهم! لم يمس الشرف ابدا حتى جاء الامريكان. كذلك لم تصرخ امرأة طالبة نسف سجن ابو غريب بمن فيه لايقاف مسلسل الجرائم والاعتداء من قبل شذاذ الافاق والمرتزقة ضد نجيبات العراقيات وامهات الابطال وربّات كل النساء اللواتي شددن من عزم الرجال في حروب التحرير والذين تم اقتيادهن الى سجون العار. إن «وكسة» امريكا في العراق ما بعدها (وكسة) ومئات الألوف من جنودهم لم تستطع ايقاف قصاص المقاومة منهم ولذا سيجلبون المزيد من الجند والعتاد، ذكرت الاخبار أنهم سيسحبون عدة ألوف من جنودهم في كوريا الجنوبية، وسيفعل نفس الشيء تابعهم بلير بارسال اكثر من ثلاثة الاف جندي الى العراق بعد ان اصبح جنوده اسرى البصرة الفيحاء. ولكن كل هذا لا يفيد ولا ينفع وما عليهم الا ان يكفّوا عن ركب رؤوسهم ويعترفوا بأن هناك شعوبا عصيّة، لا يمكن اذلالها ابدا وعلى رأسها الشعب العراقي. ولعل أجمل وأدق تعليق هو ما قاله وزير خارجية اسبانيا عندما سئل عن قتل رئيس مجلس بريمر لهذا الشهر، حيث ذهب الى كبد الموضوع وليس الى اطرافه عندما قال: أن لامريكا ان تنسحب من العراق. ونقولها: اسحبوا عساكركم وجلاديكم وامضوا، العراق لا يريدكم، والعراقيون يمقتون وجودكم، ارحلوا حتى لا تغطسوا في وحل العراق دون أن تنالوا شيئا مما حلمتهم به وأردتموه. ان مشاريعكم انكسرت في العراق، حيث اخترتم المكان الخطأ فنالكم ما نالكم. لن تكون لكم (قواعد) في العراق ولا (مستوطنة) تسمى سفارة تضم خمسة الاف عامل. كما لا يبقى لكم في العراق عميل واحد، وعملاؤكم الذين دخلوا معكم سيخرجون معكم اذ لم يكن لكم في العراق من ينتظركم ولن يأسف عليكم احد ان غادرتم.