بقلم : عبد الرحمان مجيد الربيعي عندما يتأمّل المرء فصول المسرحيّة الرديئة الاخراج بتسليم ما يسمى السيادة للاعراقيين، على عكس ما عودتنا به هوليوود (مشهد اسقاط تمثال الرئيس صدام في ساحة الفردوس مثلا) حيث المكان معلوم وصاحب التمثال رئيس الدولة ودعك من المنفذين. ومن أين أتوا؟ وكيف تدربوا على أداء دورهم؟ ووضع العلم الأمريكي ليلفّ به رأس التمثال ثم استبداله بالعلم العراقي وكأن سهوا قد حصل. كل شيء كان محسوبا بدقة ونُفّذ على يد من أوكلت لهم المهمة رغم أنهم فشلوا في شيء واحد هو جعل التاسع من أفريل حيث احتلت بغداد عيدا وطنيا! عندما أصف المسرحية بأنها رديئة الاخراج بل وكارثية الاخراج فإنني لا أظلم أحدا من (أبطالها) الذين رأيناهم أمامنا. الحاكم بأمره (السابق) بريمر يسلم أوراق ملكية حكومته للعراق للرئيس الجديد والوزير الأول الجديد أيضا بحضور قاض، وهرول بريمر للمطار في عزّ قيظ العراق وكأنه غير مصدق بأنه قد نجا بجلده من جحيم العراق، ولعله سيعيش كوابيس العراق في أي منتجع يحل فيه ولن تأتيه في منامه إلا المتفجرات والقذائف وسيصطلي بالرعب العراقي حتى وإن ظنّ أو أوحى لنفسه بأنه صار بعيدا عنه. نعم، هي مسرحية رديئة، ارتجلت على مسرح لا ملامح له، وقدّمت قبل موعد الافتتاح المعلن بيومين. وكان الممثلون فرحين لأنهم أنجزوا مسرحيتهم وفوّتوا الفرصة على صواريخ المقاومة من أن تنال منهم، وهات يا تصريحات. الرئيس بوش الابن كان في اسطنبول يحضر اجتماعات حلف الناتو، مررت له كوندا ليزا رايس ورقة أخبرته فيها بالنبإ السعيد، العراق صار حرا. (هكذا في رمشة عين!)، وعلق على الورقة بكلمات تتحدث عن انتصار ديمقراطية الاحتلال. كل ما جرى مجرد مسرحية وأكرر الصفة للمرة الثالثة بأنها رديئة، وغير مقنعة لأحد. فالعراق احتلّ بأكثر الأسلحة فتكا وتدميرا، ومن احتلوه اكتشفوا الى أي حد كانوا جهلاء بتاريخ المنطقة لا بل وبالتاريخ العربي وبالانسان العربي الذي لا ينام على ضيم. ليس هناك استقلال اطلاقا، والتلاعب بالمسميات لن يغير من حقيقة الأمر شيئا، ومن هم حكام رأينا تنصيبهم على يد بريمر (كيف قبلوا بهذا؟). كما أنهم لا يستطيعون حماية أنفسهم، ولا ثقة لهم بعراق حقيقي وليس هجينا أو عميلا ليقوم بهذه المهمة، ولذا بقوا تحت الحماية المباشرة من قبل قوات الاحتلال الأمريكي التي بدلا من أن تغادر مع بريمر نجد بأن عددها سيزداد وأن ثلاثين ألف جندي أمريكي من الذين تقاعدوا أخيرا سيعاد تجنيدهم لغرض ارسالهم الى العراق. أي أن الأمريكان يتوقعون الأسوأ لقواتهم وللحكام (الواجهة) الذين نصبوهم تحت شعار اعادة السيادة للعراقيين. أيها السادة، إنّ ا لشعوب ومصائرها وإراداتها ليست مسرحية حتى وإن لاغ ممثلوها بالدم حتى غرقوا فيه وسيغرقون أكثر حتى يفطموا. وإن هذه المعالجات المرتجلة لن تخرج العراق من المحنة. ومازال الناس يجهلون من هم هؤلاء الذين قدموا مع الدبابات الغازية وصاروا حكاما؟ وما هي الأحزاب أو الحركات التي يمثلونها؟ وما هو حجمهم وتأثيرهم؟ وأذكر هنا أنني كنت أقرأ قبل أيام تقريرا عن الصحف الكثيرة التي تصدر في العراق، وتوقفت عند رقم مبيعات جريدة (الوفاق) لسان حزب رئيس الحكومة المعيّن علاوي، ولا تستغربوا إن قلت لكم بأن مبيعها هو (500) خمسمائة نسخة فقط! فأي حركات سياسية هذه؟ ومن أين لها الدعم الجماهيري لتحكم بلدا عظيما متراميا ومتداخلا كالعراق؟ لقد أعلنوا أنهم سيتسلمون الرئيس العراقي صدام حسين ولكنه سيظل في حراسة الأمريكان؟ هل هناك من يساعدني على حلّ هذا اللغز المحيّر؟ في تقديري ان الاخراج الهوليودي المبهر الذي يعتمد الصور الصاعقة ربما أعدّ لهذا الموضوع بأن يرى العراقيون رئيسهم الذي عايشوه أكثر من ثلاثين سنة وهو مكبل بالسلاسل، ، وسنجد هذه الصورة في كل الفضائيات والصحف، وتجري فصول المسرحية بأن يُسلّم أمام عدسات التصوير فقط للعراقيين وينتهي الأمر. إذ سيعاد للأمريكان من جديد. وأكاد أجزم بأن لا أحد من رجال الأمن العراقيين الذين عينهم الاحتلال سيكشف عن وجهه ليراه الناس ويعرفوه، لا أظنّ أن هذا سيحدث، لأن من يصدق المسرحية التي زجّوا به فيها سيكون على درجة كبيرة من الحماقة والغباء اللّهم إلا إذا كان من (البودي غارد) الذين لا يعرفهم العراقيون لأنهم لم يعيشوا بينهم. إن العراق اليوم سفينة مسروقة في بحر هائج. هذه هي الخلاصة، والقراصنة تعبوا وملّوا، بدليل أن كبيرهم بريمر فرّ بعد دقائق من تسليم سند التمليك الذي ورثه عن أجداده للوكلاء الجدد. كل ما يجري لن يغيّر في الأمر شيئا، وفي انتظار العراقيين دم كثير هو الذي سيشكل السماد لشجرة الحرية!