مكتب الساحل الشروق أون لاين –رضوان شبيل: وسط أجواء احتفالية شهدت قاعة معرض سوسة الدولي للكتاب حفل توقيع الكتاب الأول للصحفي محمد علي خليفة (دار الأنوار التونسية) والذي عنونه ب "ورقات انتقالية: محطات من تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس". تضمّن الكتاب 45 مقالا كان قد تم نشرهما في جريدة "الشروق" ركز فيها الكاتب على فترة ما بعد سنة 2011 وشكلت هذه المقالات حسب تأكيد كاتبها توثيقا لمراحل عرفها الانتقال الديمقراطي في تونس من خلال جملة من الأحداث بدءا بالانتخابات التأسيسية، مرورا بما تلت هذه الفترة من أحداث وصراعات مثل إضراب الصحفيين حيث أكد أنّ "أن الإعلام لا يمكن بأي حال أن يكون في أداة بيد أي طرف سياسي" وصراعات الأحزاب وإضراب 13 ديسمبر والتحوير الوزاري في ديسمبر 2012 والعمليات الإرهابية... وصولا إلى تتويج تونس بجائزة نوبل للسلام من خلال مقال عنونه ب "حصاد...يرجّح كفة التفاؤل". وعرّج الكاتب على وضعية "ما بين بين" التي تتموقع فيها تونس، "بين الديمقراطية والحوكمة والشفافية وبين العنف والإرهاب والفساد" مرجحا كفة التفاؤل في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية، معتبرا أن "خمس سنوات في عمر تجارب الانتقال الديمقراطي قد لا تعني شيئا ...لذلك قد لا يكون من الإنصاف الحكم على التجربة التونسية اليوم بالنجاح أو الفشل...المهم أن هناك حدا أدنى من الاتفاق على أن تغييرا ما قد حصل وأن نقاطا ايجابية تم تسجيلها وسط هذا المشهد القاتم وأن الأمل قائم...رغم كل شيء". هكذا كانت هذه المقالات والتي وإن اتخذت اسم البطاقات أو صنف العمود الصحفي فإنها جمعت بين الحدث وتحليله ونقده حد الاستشراف، ورغم اختلاف مواضيعها فإنها تكتسب تجانسها من بعدها السياسي الاجتماعي، تُوحّدها فترة تاريخية فارقة، وقد برهن كاتبها أن كتابة هذه البطاقات لم يكن من فراغ وأنها ليست بمنفصلة عن بعضها البعض وقد أكّد ذلك التلاحم والتسلسل هذا الكتيب ذو المائة والثلاثين صفحة عاكسا لغة صحفية تتسم ببعد النظر والتعمق في أمهات القضايا متخذة من الأحداث وسيلة لكتابة تاريخ فترة عاشتها بلادنا برؤية موضوعية ناقدة في طياتها.
ولعل فكرة الكتاب وحدها تبرز المنحى الأدبي بصفة وإن كانت غير مقصودة كما أكّد الكاتب ذلك ولكن تعكس فترة طفولة وشباب الكاتب التي قضى جزء كبيرا منها بين أحضان مختلف أشكال الأدب من قراءات قصصية إلى شعرية شحنت مخيلته وصقلت أسلوب كتابته... ولعل هذه "الورقات" هي في نفس الوقت توثيق للنضج الفكري والإعلامي الذي يتميز به الكاتب وتوثيق لمسيرته في أعماق هذه الورقات والتي لخصها الأستاذ جلال بن سعد في دراسة نقدية كان قد قدمها بهذه المناسبة. وثمّن الأستاذ جلال هذا الأثر الكتابي الذي اعتبره يدخل في خانة فضل الصحافة على الأدب مستشهدا بأدباء مثل طه حسين (حديث الأربعاء) ونجيب محفوظ واصفا هذه الورقات بأنها "متكاملة في غصن الصحافة من شجرة الإعلام...وهي جمع بين التحليل والمواقف بأسلوب سهل يشد القارئ عاكسا ازدواجية الأنا والهو في شخصه المبعثرة في هذه الورقات تلميحا وتصريحا". ودار بعد التقديم حوار بين الكاتب والحاضرين نشطه الشاعر الشاب صالح السويسي، وقد أثنى المتدخلون على الكاتب من حيث النقلة التي حققها في مسيرته من الصحفي إلى الكاتب وإلى مضمون الكتاب التوثيقي والتاريخي في أبعاده، وأجمعوا على خصال محمد علي خليفة أخلاقيا ومهنيا، الذي أكّد في كلمته عزمه على الاستمرار في التجربة مؤكدا وجود اقتراحات في تأليف بعض الكتب بصفة ثنائية سيعلن عنها في الإبان. وأكد محمد علي خليفة أن مبادرته حفزت الكثير من زملائه على التأليف أدبيا أو إعلاميا، ويبقى هذا الكتيب أثرا شاهدا على فترة ما في تاريخ بلادنا بعين السلطة الرابعة مما يكسبه أكثر مصداقية وأعمق رؤية، وقد يكون مساعدا في العديد من البحوث وتبقى أهميته الكبرى في ترسيخ رسالة الإعلامي من أنه ليس "مُخبرا " فقط بل محللا ناقدا ومستشرفا في إطار أخلاقيات المهنة.