شركة تونسية ناشئة تجدّد حلا من أجل تيسير النفاذ إلى المياه والحدّ من التلوث البلاستيكي    ندوة إقليمية حول جرائم قتل النساء في تونس والمغرب والأردن يوم الإربعاء القادم بالعاصمة    مرشح تونس الحبيب عمار "مواصلة العمل بالمنوال السياحي الحالي سيحطم القطاع ولا بد من رؤية جديدة"    وزير الفلاحة.. "عدد الأضاحي يكفي لحاجيات التونسيين وقريبا سيتم تسقيف الأسعار"    الخارجية الفرنسية : ''علاقاتنا مع الجزائر ما زالت مجمدة''    كاس العرب للمنتخبات لكرة اليد: المنتخب التونسي ينهي مشاركته في المركز السابع    الرابطة الأولى.. نتائج الدفعة الثانية من مواجهات الجولة 29 والترتيب    النادي الصفاقسي ينتصر ويقدّم مردودا مقبولا    عاجل : تحذيرات صحية هامة للحجيج التونسيين    ورشة عمل بعنوان "الذكاء الاصطناعي في خدمة الانترنات" وأنشطة متنوعة في إختتام تظاهرة ثقافية بدار الثقافة النموذجية ببن عروس    الملك سلمان يوجه دعوات لقادة هؤلاء الدول    وفاة القاضي شعبان الشامي ,صاحب أول حكم بإعدام رئيس مصري سابق    نحو إعداد منصة رقمية خاصة بالترخيص للتصرف في الملك العمومي للمياه    مركز النهوض بالصادرات ينظم يومي 23 و24 جوان القادم لقاءات شراكة افريقية في 5 قطاعات خصوصية    خولة سليماني: "اليوم أشعر أنني حرة أكثر من أي وقت مضى"    تطور كبير في صادرات القوارص التونسية    جمعية "آلارت" تقترح مبادلة القمح الصلب لتفادي ضياع المحصول وتدعو إلى إصلاح شامل لقطاع الحبوب    زغوان: تسجيل فائض في التفريخ الطبيعي لخلايا النحل بحوالي 12 ألف خلية جديدة خلال 3 اشهر (رئيس مجمع التنمية لمربي النحل)    التونسي نصر الدين نابي يقود كايزر شيفز نحو التتويج بكاس جنوب افريقيا    الأولمبي الباجي ضد الترجي اليوم : التوقيت    مرصد سلامة المرور: ارتفاع عدد قتلى حوادث الطرقات    عاجل/ تقلبات جوية وأمطار بهذه المناطق بعد الظهر..    غدا.. جلسة عامة بالبرلمان للحوار مع وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية    وفاة "كروان الإذاعة" عادل يوسف    المسرح الروماني بالجم يحتضن يومي 10 و 11 ماي الجاري النسخة الثامنة من مهرجان " الأيام الرومانية بالجم تيتدروس    القيروان: الدورة الثانية لمسابقة المطالعة بالوسط الريفي    مدينة العلوم بتونس تنظّم يوم الاثنين 26 ماي سهرة فلكية بعنوان السماء الرقمية : علوم البيانات والذكاء الاصطناعي""    مداهمة وكر لصنع مواد مسكرة..وهذه التفاصيل..    النادي الافريقي ينعى المحب ومغني الراب "كافون"..    نابل: وزير البيئة يؤكد استكمال انجاز مشاريع محطات تطهير وتوفير الاعتمادات لمشاريع حماية الشريط الساحلي    بوتين يقترح محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول    رئيس وزراء باكستان: سيذكر التاريخ كيف أسكتنا الجيش الهندي    حالة الطقس ليوم الاحد    اكتشاف أنفاق سرية تحت مبنى الكابيتول الأمريكي (فيديو)    الجمهور بصوت واحد: النجم فخر الانتماء    كلاسيكو ناري اليوم بين برشلونة و ريال مدريد : التوقيت    مواجهات حاسمة في الجولة 29 للرابطة المحترفة الأولى: لقاءات مشوّقة اليوم!    "بلومبيرغ" : ترامب يهمّش مجلس الأمن القومي    في تظاهرة هي الأولى من نوعها في ولاية سوسة: «حروفية الخط العربي»من أجل تربية فنية وتعزيز الهوية    وداعا كافون    المرض الذي عانى منه ''كافون''    تونس: هذه استعدادات وزارة النقل لضمان نجاح الموسم الصيفي    مغني الراب "كافون" في ذمة الله    مغني الراب احمد العبيدي المعروف ب"كافون" في ذمة الله    عاجل : أحمد العبيدي '' كافون'' في ذمة الله    القصرين: أكثر من 1400 تلميذ ينتفعون بخدمات قوافل طبية حول صحة الفم والأسنان    المهدية: فتح بحث تحقيقي في شبهة سرقة تجهيزات بمستشفى الطاهر صفر    اختصاصي أمراض القلب: قلة الحركة تمثل خطراً صحياً يعادل التدخين    إصلاحات ثورية لتحسين خدمات تصفية الدم: نصوص قانونية و هذه التفاصيل    المهدية: إيقاف 3 أعوان بمستشفى الطاهر صفر بشبهة السرقة    مصر: جريمة مدفونة منذ 8 سنوات.. طفلة تفضح والدتها وتكشف مقتل والدها    سيدي بوزيد: قطع مؤقت ليومين للكهرباء بهذه المناطق    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    معهد البحوث الفلكية في مصر.. لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأضحى والأمر متروك للسعودية    الحكومة الألمانية الجديدة تواجه إرثاً من الصعوبات الاقتصادية    مجلس نواب الشعب ينعى الفقيد النائب نبيه ثابت    ملف الأسبوع: مهلكة عظيمة: لا تتتبعوا عوراتِ المسلمينَ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تجف الدموع
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

لست أدري لماذا كلما تأملت في ما آلت إليه أوضاعنا العربية تذكرت الدكتور الدوري، المندوب السابق للعراق لدى الأمم المتحدة. ولعلني أتذكر بالتحديد ذلك الوابل من الدموع التي ذرفها عندما سقطت بغداد ولم يعد أمامه مجال للكلام والدفاع عن بلاده في أروقة الأمم المتحدة.
ولعل ما وصلت إليه حالنا اليوم لا تطهره دموع الدوري ولا دموعنا مجتمعة، إذا كنا مازلنا قادرين على البكاء، لأن البكاء ليس دليلا على الضعف في كل الحالات بل لعله قوة ونعمة من اللّه عند فئة من المجتمع ناضلت وكافحت من أجل قضية معينة، ولما لم يسعفها الحظ أو خانتها الظروف لجأت إلى ذلك المتنفس اعترافا منها بالأمر الواقع.
ومن بين أخطائنا، نحن العرب، أننا لا نعترف بالأمر الواقع.. لأن الاعتراف في حد ذاته فضيلة والفضيلة هي الوسيلة الوحيدة التي تمكننا من السعي من جديد للخروج من أزماتنا والبحث عن حلول مثلى تتلاءم مع مقتضيات العصر وتمكننا من اصلاح أنفسنا ومحاسبة ذواتنا.
وإن مؤتمر القمة، أي مؤتمر قمة، أو أي اجتماع عربي في إطار عمل عربي مشترك يذكرنا من جديد بمأساتنا العربية بعدما نكون خامدين متناسين آلامنا وأوجاعنا... فنجدها فرصة لننهال بالنقد وتوجيه اللوم للآخرين، لنتملص من مسؤولياتنا تجاه ما يجري من أحداث ونبحث في إطار فلسفي وسياسي عن ضحية نستظل بها أو نداري بها ضعفنا. وتأخذ اتهاماتنا، إلى بعضنا البعض، منحى التسلية والتهكم فيصبح الحديث ذا بعد خطير، فتنقلب اللعبة من كونها مجرد مداراة إلى تواطؤ مع النفس وانصياع أعمى لها.
وحتى لا أنخرط بدوري في هذه اللعبة المملة، لا أريد أن أركز على قمة تونس حتى لا تأخذني العاطفة فتميل الكفة صوب بلادي، بدلا من معالجة الموضوع على مستوى قومي، وتفادي الأبعاد الضيقة مثل ما تفعل بعض المحطات الفضائية العربية، التي همشت الموضوع الأساسي وركزت عليه من خلال البلد المضيف. فبدل أن يقع تناول الموضوع بدون خلفيات وتسليط الاهتمام على العراقيل التي تعترض مؤتمرانا واجتماعاتنا العربية، نظل نبحث عن مبررات هزيلة أو أنها ليست في محلها فنخرج عن موضوع الساعة... ولقد كان لمثل هذا المنحى والاتجاهات الخاطئة في طرح المواضيع بمثل هذه الأساليب الأثر السلبي على نفوس جل المواطنين العرب ابان حرب الخليج.
وفرضا ان مؤتمر تونس لم يكن ناجحا كما يرى البعض أو ينتظر أو يريد البعض فما ذنب تونس؟ ثم ما هو مفهوم النجاح المطلوب من تونس؟ هل الغاء كل تراكمات العمل العربي المشترك وبلمسة سحرية تطور عقلية المسؤول والمواطن العربي باعتبارهما شريكان في النجاح أو الفشل بل لعل المواطن العربي هو المسؤول في الدرجة الأولى عما يحدث له؟ هل الاصلاحات التي تنادي بادراجها تونس في المؤتمر الأخير بدعة لا تتماشى مع طبيعتنا وتكويننا وحجمنا العربي، حتى تلاقي مثل هذه التعليقات التي تنم عن رفض وعدم ارتياح؟ هل وصل مستوى المواطن العربي إلى دجة لا يستطيع معها أن يستوعب مثل هذه الحقوق هل وصل الاستخفاف من بعضنا البعض إلى درجة نرفض فيها اصلاحات تمكننا من ممارسة حقوقنا لبناء حضارة تليق بانسانيتنا وهويتنا وانتمائنا؟
لماذا انقلبت تلك المحطات الفضائية، التي كانت تنادي بالأمس بالاصلاحات والديمقراطية وحقوق الانسان، وتتهم دولا بريئة مما تدعيه لتنكر على تونس طرحها... أيكون ما كانت تنادي به تلك المحطات مجرد هراء وثرثرة وادعاءات باطلة الغرض منها ترويج سلعتها (الكلام) وشد المواطن العربي إليها ساعات طويلة لتسمم أفكاره وتشد عزمه.
لماذا لا توجه تلك المحطات الفضائية اللوم والنقد إلى المواطن العربي، وتقول له بكل شجاعة إن تأخرنا وجهلنا وفقرنا ناجم عن تصرفاتنا وأفعالنا السيئة... لماذا لا تهيئ المواطن العربي ليفرق بين الحرية والفوضى بدلا من أن تزرع فيه الحقد والبغضاء ليغمض عينيه عن الأسباب الحقيقية التي تعرقل مسيرتنا وتطلعاتنا، وهي أسباب كامنة في داخل كل عربي لعل أبسطها الاستقامة ونبذ الأنانية وحب الذات على حساب الآخرين... لماذا لا يتم نقد المواطن العربي في تصرفاته اليومية التي تبدو لنا صغيرة وبسيطة وهي تمثل في مجملها أساس الانضباط الذي ترتكز عليه حضارات الأمم وتقدمها.
إن الديمقراطية ليست هبة أو منة يجود بها شخص على مجموعة هكذا بين عشية وضحاها دون وعي منهم بأبعادها ومتطلباتها... كأن نهدي سيارة لطفل ونطلب منه أن ينطلق بها بعد أن نكون قد شجعناه وأوهمناه أنه قادر على قيادتها... ليتعامل معها في مثل هذه السن المبكرة وكأنها لعبة فيحصل ما لم يكن متوقعا... كذلك المجتمع العربي إذا لم يكن قد هيأ الأرضية الملائمة لنمو الديمقراطية وترعرعها يكون مصيرها الذبول والانقراض.
ولا أظن أن مجتمعاتنا العربية اليوم قادرة على احتضان الديمقراطية على الأقل في الصورة التي عليها الآن ما لم تسع إلى استرجاع ذاتها والترفيع عن عادات وسلوكيات أورثتها آفات اجتماعية كالجهل والفقر والتخلف، بمعنى أن نحارب في البداية مثل هذه الآفات التي تشدنا إلى الخلف ولعل أنجع وأفضل سلاح للتصدي لعيوبنا هو التحلي بالأخلاق في كل تصرفاتنا ومعاملاتنا اليومية ونبذ الخلافات وعدم السطو على مصداقية ونضال الآخرين، والسعي إلى النيل منها أو تشويهها.
ولا شك ان كل مواطن عربي تسكنه اليوم فسحة من الخوف والقنوط لما آلت إليه حالنا مما يجعله يحكم على الأشياء أحكاما اعتباطية ويتضارب في تصرفاته اليومية ولا يقيم وزنا لغده ومستقبل أمته وتثنيه الأحداث اليومية التي يمر بها عن تبني أي صلاح... وهو الآن في أوج ثورته وفي أشد غضبه ولا يكبح ولا يروض إلا متى اشتدت أزمته... وقد اشتدت أزمته... فهل ستنفرج؟
وليس من الحكمة أن يظل جيلنا يواجه أطماع وغطرسة وظلم الغازين بالثرثرة والشعارات البالية التي تربك البعد العقلاني لسلوكاتنا وتصيبنا بوعكة فكرية، لا نستطيع معها إعادة النظر في شؤوننا وترتيب أوضاعنا.
بقي أن أقول كلمة واحدة لتلك المحطات الفضائية، وقد مر زمن معقول على انعقاد قمة تونس، حتى تكون آراؤنا وملاحظاتنا معقولة وهادئة، تلك المحطات التي تطوع مفهوم الأشياء بالطريقة التي تتماشى مع أهوائها... إن تونس قد نجحت أيما نجاح في تأمين راحة وسلامة ضيوفها... وقد نجحت في وقت غير بعيد في احتضان جل مؤسسات العمل العربي المشترك، وقد أبلت البلاء الحسن في رعاية هذه المؤسسات وقد تجلى ذلك خاصة في عدم التدخل في شؤونها ومساعدتها على أداء مهامها في منتهى الراحة والاستقلالية... وإن كل تونسي، يومي انعقاد مؤتمر القمة قد أهدر ساعات طويلة للالتحاق بعمله في مسافة لا تستغرق عادة عشر الوقت الذي أنفقه في هذين اليومين... وكنا مستعدين أن نحدث مسارب في البحر من أجل اخواننا العرب، الذين امتزجت دماؤنا بدمائهم ومازالت تمتزج... ولكن على رأي الجنرال ديقول: نعم للثورة لا للفوضى... فهاتوا أيديكم يا عرب لنثور ضد أنفسنا أولا لأننا لا نستطيع أن نثور ضد المستعمر والغازي ونحن نفتقر إلى لغة الحوار مع بعضنا البعض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.