صيف ساخن بالأغاني الباردة 1 هل من متابع يدلّنا على احصائية لتعداد الأغاني الصيفية التي كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها طيلة موسم الصيف، وحين يحل الخريف تضمحل أغنية اثر أغنية. أغنية تندلع ذات صيف ثم تجف في الصيف الموالي لتندلع أغنية أخرى تطلق الرصاص على الأغنية السابقة. وفي الصيف الذي يليه أغنية أخرى، لينسى الناس أغنية الموسم المنقضي. وهكذا... يظل الأمر شبيها بالحبل على الجرار والجمهور يدور حول ذاك المغني الذي يجتهد في أن يحتل حب الجمهور أغنية الموسم القادم. وحين يأتي الخريف تكون الأغنية الصيفية قد لفظت أنفاسها وانتهت مدة صلاحيتها. 2 وكثيرة هي الأغاني التي هيمنت على الأسماع تتردد يوميا برقم قياسي في الهواء وفي السماء، وتكاد تصبح في ضرورة الملح، حتى أن بعضهم لا يستحلي يومه اذا لم يسمعها أكثر من مرة في اليوم. هل من أرشيف لتدوين الأغاني التي كانت تبث في الاذاعات والشوارع والأكشاك والمصاعد والمقاهي والفضائيات وقاعات الأفراح في الصيف حتى يتداول على أدائها أكثر من مطرب وتصاب بالاهتراء. 3 وتستغل وسائل الاعلام هذه الأغنية. يقدّمها المذيع برغبة منه. أو بزعم أن مستمعا افتراضيا طلبها... أو لأن مستمعين ومستمعات يطالبون فعلا بإعادتها. وتنطلق الرياضة الغنائية »السوقية« المعروفة بسباق الأغاني وكأن الأغنية دخلت في مجال الركض والعدو الريفي وذلك بالاعتماد على المستمعين الكرام الذين لا شغل لهم، في الظاهر غير متابعة هذه المسابقة التي لا يستفيدون من فوزها شيئا غير اطلاق النار على وقت الفراغ. والسؤال هو : كيف يحب الناس الأغاني وكيف يبدع المستمعون في كراهيتها حيث لا يرجعون اليها أبدا، وكأن حبا كان مشتعلا ثم انطفأ (وكان زمان). 4 كأن هناك مؤامرة سرية تحاك ضد هذه الأغنية! وذلك من خلال البث الفائق للمعتاد أناء الليل وأطراف النهار من قبل وسائل الاعلام المسموعة والمرئية. هدف المؤامرة هو ابتذال الأغنية بكثرة الترديد، فالأغنية »الناجحة« والتي »تضرب« على حد اصطلاح أهل الغناء، يكثرون اذاعتها حتى تمجها الأسماع مثل علكة استنفدت سُكّرها وصارت تتعب الأشداق (والأذواق)، تُبث فجرا وعصرا حتى تصبح عسلا مرّا. 5 أغان.. أغان.. أغان.. أغان.. أغان تشبه حبالا مترابطة مثل لحن واحد طويل، مثل صيف صقيل، مثل سيف عليل، مثل زيف ذليل، مثل خوف العرب من رؤية وجههم في مرآة أخرى غير مرآة أغنية لا تريد هي الاخرى أن ترى نفسها في مرآة أغاني الشعوب حين نرى أهل الغناء الآن وقد اهتزت ثقتهم بدولة الأغنية العربية ويريدون الالتحاق بصف الأغاني العالمية التي لم تصبح عالمية الا لأنها، ولكونها محلية خالصة. 6 كل صيف هو ساخن بالأغاني الباردة المتناسخة المتشابهة المتحاكية المنمطة التي لا تضيف أي معنى (مثل نعوتنا الأخيرة هذه). تطفو هذه الأغاني على بحر الصيف، وقد أسلمها الذوق الى الخريف! وتظل أغاني الزمن الجميل تحافظ على ربيعها الدائم. 7 في هذه الأغاني الجديدة قد لا نجد من يدافع عن صمود الأغنية لأكثر من موسم فني تواصل بعض الأغاني سيرها هادئة تخترق الأذواق وتمضي الى الأعماق. بينما تمضي شلالات الأغاني الموسيقية الى الأنفاق. هل من جواب؟ هل لأنها أغان عالية كسحاب الصيف لا علاقة لها بالارض وموجهة الى جمهور قرّر الانسحاب من الارض في اتجاه.. السحاب. 8 وقد نجد الآن، من الباحثين في علم الاجتماع الثقافي العربي من هو قادر على البحث في موضوع هذه الأغاني التي تمضي عابرة كسحابة صيف. ويقارن بينها وبين الأغاني التي ظلت صامدة رغم الزمان الذي مرّ عليها ومازالت تردد كأغان طازجة عابرة للأجيال وليست عابرة كسحابة صيف.