ولد محمد رشيد بن علي رضا في قرية القلمون بجبل لبنان ، وهو ينتمي إلى أسرة شريفة يتصل نسبها بآل الحسين بن علي ، كان أبوه علي رضا شيخاً للقلمون وإماماً لمسجدها ، عني بتربية ولده وتعليمه، حفظه القرآن و مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وألحقه بالمدرسة الرشيدية الابتدائية في طرابلس ، التابعةً للدولة العثمانية و التدريس فيها باللغة التركية، تركها إلى المدرسة الوطنية الإسلامية والتي كانت تهتم بتدريس العلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة، وقد أسَّس هذه المدرسة وأدارها الشيخ «حسين الجسر» أهم رواد النهضة الثقافية العربية في الشام ، الذي كان يرى أن الأمة لا يصلح حالُها أو ترتقي بين الأمم إلا بالجمع بين علوم الدين وعلوم الدنيا على الطريقة العصرية الأوروبية .. توثقت صلة علي رضا بالشيخ الجسر، فأولاه عنايته، وأجازه بتدريس العلوم الشرعية والعقلية والعربية، كذلك تتلمذ على نفر من علماء طرابلس المرموقين.. تطلع رشيد رضا إلى أسرار التصوف بمحاسنها ومساوئها، وهو الأمر الذي هيَّأه في المستقبل للمناداة بإصلاح الطرق الصوفية؛ حيث وجد بعضها طيبًا والآخر لا يقبله العقل مثيراً للفتن والبدع . ذهب الشيخ رضا إلى الناس في تجمعاتهم في المقاهي التي اعتادوا الجلوس فيها لشرب القهوة والنارجيلة، ولم يخجل من جلوسه معهم، يعظهم ويعلمهم أصول الدين، وقد أثمرت هذه السياسة المبتكرة، فأقبل كثيرٌ منهم على مجلسه ، وبعث إلى نساء القرية مَن دعاهن إلى درسٍ خاصٍّ بهن، وجعل مقرَّ التدريس في دار الأسرة، في الفترة التي كان يتلقَّى فيها رشيد رضا دروسَه في طرابلس كان الشيخ محمد عبده قد نزل بيروت بعد أن حكم عليه بالنفي بتهمة الاشتراك في الثورة العرابية، أعرض في بيروت عن السياسة وقام بالتدريس في المدرسة السلطانية ، إلتقاه الشيخ رضا في طرابلس وتوثقت الصلة بين الرجلين . لم يجد رشيد رضا مخرجًا له في العمل في ميدان أفسح للإصلاح سوى الهجرة إلى مصر، والعمل مع محمد عبده تلميذ الأفغاني حكيم الشرق الذي لم يتمكن من لقائه ، حيث كان يعيش في الأستانة تحت رقاية الدولة وحيث توفي هناك .وفي القاهرة صارح شيخه أنه ينوي أن يجعل من الصحافة ميداناً للعمل الإصلاحي ، والتربية والتعليم ونقل الأفكار الصحيحة لمقاومة الجهل والخرافات والبدع . وأنه مستعد للإنفاق على الجريدة سنة أو سنتين دون إنتظار ربح منها .وصدر العدد الأول من جريدة « المنار « في مارس 1898 . وأفردت المجلة إلى جانب المقالات التي تعالج الإصلاح في ميادينه المختلفة بابًا لنشر تفسير الشيخ محمد عبده، إلى جانب باب لنشر الفتاوى والإجابة على ما يرِدُ للمجلة من أسئلة في أمور اعتقادية وفقهية، وأفردت المنار أقسامًا للتعريف بأعلام الفكر والحكم والسياسة في العالم العربي والإسلامي،. لم تمضِ خمس سنوات على صدور المجلة حتى أقبل عليها الناس، وأصبحت المجلة الأولى في العالم الإسلامي . واشتهر اسم صاحبها حتى عُرِف باسم رشيد رضا صاحب المنار،. كتب رشيد مئات المقالات والدراسات التي تهدف إلى إعداد الوسائل للنهوض بالأمة وتقويتها، وخصّ العلماء والحكام بتوجيهاته، لأن في صلاح حالهم صلاح حال الأمة، قائلاً «إذا رأيت الكذب والزور والرياء والنفاق والحقد والحسد وأشباهها من الرذائل فاشية في أمة، فاحكم على أمرائها وحكامها بالظلم والاستبداد، وعلى علمائها ومرشديها بالبدع والفساد، والعكس بالعكس» واقترح رشيد رضا تأليف كتاب يضم جميع ما اتفقت عليه كلمة المسلمين بكل فرقهم، في المسائل التي تتعلق بصحة الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وإحسان العمل، والابتعاد عن مسائل الخلاف بين الطوائف الإسلامية الكبرى ، تقوم على الأسس المتفق عليها في جميع المذاهب وتتفق مع مطالب العصر . وإرساَل نسخٌ من هذا الكتاب إلى جميع البلاد الإسلامية، أنشأ مدرسة دار الدعوة والإرشاد لتخريج الدعاة المدرَّبين لنشر الدين الإسلامي، و كانت المدرسة تختار طلابَها من طلاب العلم الصالحين من الأقطار الإسلامية في حاجة إلى العلم كأهل جاوة والصين، وتكفل لطلابها ما يحتاجون إليه من مسكن وغذاء ، وبحلول الحرب العالمية أغلقت المدرسة أبوابها لأسباب مادية . في أواخر عام 1925 أثيرت ضجةٌ كبيرةٌ بعد نشْر كتاب (في الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين، وصلت إلى إتهامه بالإلحاد ، وكتب رشيد رضا بعض المقالات حول الكتاب منها قوله : «إن الدكتور طه حسين ما ألف هذا الكتاب لتحقيق ما يمكن الوصول إليه من الشعر الجاهلي يقينًا أو ظنًّا أو شكًّا.. بل ألفه لأجل الطعن في الإسلام والصد عن سبيل الإيمان والدعوة إلى الزندقة والإلحاد، هذا هو المقصد، والشعر الجاهلي والأدب العربي وسيلة إليه» إستمرت مجلة « المنار « ستة وثلاثين سنة ، وضمت ثلاثة وثلاثين مجلدًا من160 ألف صفحة، فضلاً عن الرحلات التي قام بها الشيخ إلى أوروبا والأستانة والهند والحجاز، للمشاركة في ميادين العمل الإسلامي ، ومن أهم مؤلفاته « تفسير المنار « إستكمل فيه ما بدأه محمد عبده ، لكن وفاته حالت دون إكمال تفسيره ، وهو يعتبر من أهم التفاسير . كما ترك الشيخ العلامة مجلدات ضخمة في الإصلاح الديني والسياسي أضفت الكثير إلى الدراسات الإسلامية , توفي الشيخ رشيد رضا في السيارة بعد سفر إلى السعودية حيث لم يتحمل جسده الواهن مشقة الطريق ، . وكانت آخر عبارة قالها في تفسيره: «فنسأله تعالى أن يجعل لنا خير حظٍّ منه بالموت على الإسلام»