بفيض من الطموحات والأحلام سافر اللاعب الشاب أمير السافي الى كندا حاملا بين جنبيه قلبا نهما بالرغبة والاندفاع لخوض غمار الاحتراف بعد أن نشأ كرويا في مدرسة النجم الرياضي الساحلي حيث تدرج بجميع الاصناف الى أن بلغ صنف الآمال مع جيل من اللاعبين من أبرز أسمائه ياسين الشيخاوي محمد علي نفخة وشاكر الزواغي.. أمير السافي المولود يوم 28 أفريل 1985 وبعد موسم في آمال أمل حمام سوسة تحت إشراف المدرب عبد الحي العتيري سافر إلى كندا حيث يقيم شقيقه الأكبر «ناظر» وهو إطار سام يحتل مركزا مرموقا في المجتمع الكندي.. منذ سنة 2007 انطلق حلم أمير الذي انظم في البداية الى فريق «سيتادان مونريال» ثم «ترواريفيار» الذي يعتبر المحطة التي تمهد للإنظمام الى صفوف «المباكت دي مونريال»... كل شيء كان يسير على أحسن ما يرام مع أمير السافي بين الكرة والدراسة قبل أن يقول ويقول معه كل من عرف بما حل به:«لارادّ لقضاء الله...» يوم 21 مارس 2009 دعي أمير إلى حفل عيد ميلاد أحد زملائه اللاعبين بفريق «لامباكت مونريال».. السهرة على وشك الانتهاء.. أمير يهم بالرحيل.. يودع زملاءه.. وضع قدمه على السلم.. ناداه أحدهم فالتفت إليه أمير ليفقد توازنه ويسقط من علو 18 درجة المسافة بين الواحدة منها والأخرى 40 سنتمترا.. سقط أمير بطريقة تدمي القلوب.. نزيف خارجي والدم يتدفق من أذنيه وفمه.. ومن حسن حظه أن كانت مع المجموعة طبيبة وهي خطيبة أحد زملائه اللاعبين فأسعفته بإخراج لسانه وإلا لكان لفظ أنفاسه.. أخذوه على جناح السرعة إلى المستشفى لتفيد الكشوف الطبية التي خضع لها أمير بأن سقوطه من ذلك العلو خلف له ثلاثة ارتجاجات في المخ و18 كسرا في مختلف أجزاء جسمه ومنذ يوم 21 مارس وأمير تحت المراقبة الطبية الدقيقة بين الأمل واليأس.. ليستمر على ذلك الحال زهاء الشهرين بكل ما فيهم من وضع نفساني في غاية الدقة والصعوبة عاشته عائلته (والده السيد محمد السافي ووالدته بمدينة سوسة وشقيقاه ناظر ونور اللّذان كانا إلى جانبه في كندا). زيارة أمه غيرت كل المعطيات بين مد وجزر بقيت حالته هكذا تحت رعاية طبية كبيرة ومستمرة على مدار الساعة... إلا أن ما غير المعطيات بشكل إيجابي حلول والدة أمير بالمستشفى في مونريال... فما إن لمست فلذة كبدها حتى تحركت كل مؤشرات المراقبة الطبية وارتعشت الإبر وانبهر الجهاز الطبي بما رأى من تحول في تجاوب أمير وبلوغه درجة تحسن عبرت عن قيمة الشحنة العاطفية التي تلقاها من والدته.. فكان يوم 4 ماي 2009 تاريخ ميلاد جديد في حياة أمير والطريف أن بين التاريخ الأصلي يوم 28 أفريل والجديد كما وصفه أمير يوم 4 ماي 2009 هو نفس البرج (الثور).. في ذلك اليوم استفاق أمير وفتح عينيه على الدنيا ليهبه الله عز وجل عمرا جديدا رغم هول ما حل به.. ولكن الإرادة الإلهية شاءت أن يتحدى أمير هذا الحادث الآليم قبل مغادرة المستشفى يوم 22 ماي 2009 سليما معافى وبتقارير طبية تؤكد ذلك وأكثر من ذلك قدرته على العودة لمزاولة نشاطه الرياضي... وبعودته الى مدينة سوسة خضغ لمتابعة طبية أمنها الدكتور جلال دحمان الذي نجح في مزيد تحسين حالة أمير كما كان لإخصائية العلاج الطبي السيدة زينب دورا مهما في ذلك.. وقد أثنى أمير ووالده السيد محمد السافي على جهود الدكتور دحمان وإخصائية العلاج الطبيعي ناهيك أنه عاد شيئا فشيئا ليتدرب بشكل عادي ولامس الكرة وبلغ درجة لا بأس بها من الجاهزية البدنية لإستئناف نشاطه الكروي علما وأنه يستعد للرجوع الى كندا يوم 9 سبتمبر الجاري مثلما أكد لنا ذلك موفور العزيمة والرغبة في العودة من الباب الكبير. والده: هذا ما حزّ في نفسي السيد محمد السافي والد أمير سبق له وأن اضطلع بأكثر من مسؤولية في النجم الساحلي وأمل حمام سوسة وهو المشجع الأول لإبنه في مسيرته الكروية في مختلف مراحلها.. سي محمد شكر الله على العناية التي حبا بها ابنه ونجاه من موت محقق كما وجه التحية الصادقة والحارة الى كل من وقف الى جانب أمير من الطاقم الطبي في كندا وصولا الى الدكتور جلال دحمان والإطار المرافق له وإخصائية العلاج الطبيعي السيدة زينب وكل الأصدقاء والزملاء من العائلة الرياضية في النجم الساحلي وأمل حمام سوسة وبقية الأندية لأن أمير محبوب لدى الجميع والجميع تفاعل مع الحادث وشكر المولى عز وجل على انقاذه لأمير. السيد محمد السافي أكد بأن ماحز في نفسه حين يسأله البعض عن صحة أمير فيرد بأنه بفضل الله «لاباس». ولكن ورغم ذلك تحدثوا عن وفاته وهو حي يرزق... أمير حي ويتمتع بصحة جيدة وليس على جسمه وملامحه أي أثر للحادث رغم قوة ما تعرض له ولكن العناية الإلهية انقذته وأعادته سليما معافى الى عائلته وأصدقائه. هكذا شاءت الصدفة إبان إقامته بالمستشفى تلقى أمير خبر الموافقة من الجامعة الكندية التي يدرس بها على تغيير توجيهه نحو اختصاص الطب الرياضي.. صدفة تفاعل معها أمير وتفاءل بها خيرا.. ليبدأ حلما جيدا بأن يكون في المستقبل القريب دكتورا مختصا في الطب الرياضي. تقارير طبية ايجابية رغم خطورة ما تعرض له فإن أمير بفضل العناية الإلهية وكفاءة الإطار الطبي والشحنة العاطفية التي حملتها أمه من تونس إلى كندا ليتغيّر وضعه الصحي في الاتجاه الايجابي بشكل أذهل الجميع... وبعد شهرين من العلاج والمتابعة الطبية غادر أمير المستشفى في صحة جيدة وبتقارير طبية تؤكد ذلك وأكثر.. وتفيد بأن هذا الشاب الأنيق الخلوق بإمكانه أن يعود لمزاولة نشاطه الكروي بشكل عادي.. إنها العناية الإلهية. لمسة معنوية عندما كان أمير في المستشفى قام زملاؤه من أبناء جيله في النجم الساحلي بلمسة معنوية تمثلت في قميص النجم الذي حمل 500 إمضاء من لاعبين من أجيال مختلفة قبل أن يسافر أحد أصدقائه إلى كندا حاملا معه القميص لأمير.. فكانت روعة المشهد التي تفوق الوصف مثلما أكد ذلك السيد محمد السافي الذي اعتبر تلك البادرة الرائعة والمتميزة من الأشياء التي لا يمكن أن تمحي من ذاكرته.. فعندما يحصل كل ذلك التعاطف والتضامن مع أمير السافي وهو يرقد على فراش المرض فإن الشكر جزيل لكل من وقف وراء تلك اللقطة الأصيلة.