حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي «ترأست اللجنة العليا التي تنسّق بين اللجان لتحرير الدستور، صلب المجلس التأسيسي... وقد بقيت على رأس لجنة تحرير الدستور حتى اعلان الجمهورية في 25 جويلية 1957... وحتى بعد هذا التاريخ أي الى حين اعلان الدستور في 1959...» هنا وبعد أن دخلت هذه المذكّرات والأحداث التي تتضمّنها مجالا سياسيا آخر، غير العمل النقابي صلب الاتحاد، وغير الخلاف بين بورقيبة وبن يوسف حول «اتفاقيات 55»، ونقصد المجلس التأسيسي الذي يعدّ الهيكل التشريعي الأول الذي جاء نتاجا «لاتفاقيات 55» بين فرنسا المستعمرة وتونس الواقعة تحت الاستعمار، اتفاقيات، جاءت بدورها نتاجا لخطاب «مانديس فرانس» يوم 31 أوت 1954... سألت صاحب هذه المذكّرات عن علاقة الاتحاد كهيكل عمّالي له منخرطون من كامل البلاد، بالسلطات الاستعمارية وكذلك بحكومات التفاوض والاستقلال، أي من الطاهر بن عمار الى بورقيبة، فقال: «أما عن العلاقة مع حكومة الطاهر بن عمّار، فقد ذكرت جلّها، وقلت إنه كرئيس حكومة، كان منصتا الى مشاغلنا... وكان الاتحاد مثلما ذكرت أيضا منخرطا مع حكومة التفاوض التي يقودها بن عمّار، إذ لدينا وفد من المركزية النقابية، مشارك في المفاوضات، حسب الاختصاصات القطاعية والملفات التي كانت على طاولة التفاوض... فنحن أعضاء المكتب التنفيذي والمركزية النقابية، كنّا الجيل الذي تلا حشّاد... وقد نجحنا في أننا واصلنا السير على خطى حشاد وأهدافه وكذلك محمد علي من قبله... وقد نجحنا كنقابيين وطنيين ودساترة في أن نقدّم لمجتمعنا دليلا «un guide» للنهوض بمجتمعنا وبوطننا... لذلك كنا كهيكل نقابي، مساند لخيارات الاستقلال والاتفاقيات، حلقة أساسية في انتخابات المجلس التأسيسي. المهمّ، أن الاتحاد العام التونسي للشغل، والى جانب المسار النضالي الوطني الذي توخّاه بكل مسؤولية، فإنه قدّم ذاك البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لبداية تونس المستقلّة... وهنا أعتقد أن الملاحظة الأساسية التي أقدمها، تتلخّص في كوني أعبّر عن اعتزازي، وبعد كل هذا الزمن الذي مرّ (أكثر من خمسين سنة)، بهذا البرنامج، لأنه ولأول مرة في تاريخ العرب والمسلمين، تبسط حركة عمالية على المسؤولين والسياسيين برنامج تطور وازدهار.. وهذا الخط نعتزّ به وهو الخط الذي بدأه محمد علي الحامي وواصله فرحات حشاد وضحّى من أجله.. ونحن كما ذكرت آنفا من الجيل الذي جاء بعد حشّاد، وقد وضعنا نصب أعيننا الهدف الأساسي، وهو أن يكون الاتحاد العام التونسي للشغل الحلقة الأساسية في كل تهيئة وتهيّئ لتونس المستقلة..» من هنا فهمنا كيف كان للاتحاد النصيب الأوفر في انتخابات المجلس التأسيسي، وكيف كان البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، محلّ قبول بالاجماع في مؤتمر الحزب الحر الدستوري بصفاقس سنة 1955.. كنت بين الفينة والأخرى، وفي كل مرحلة من مراحل النضال الوطني أسأل «سي أحمد» وأكرّر السؤال عن علاقة الاتحاد بالحزب الحر الدستوري، فيؤكد بأن مناضلي الاتحاد كلهم دساترة.. وأن «الحديث عن استقلالية لم يكن واردا لا عهد حشّاد ولا بعد استشهاده.. فلم نشعر مرّة بضغينة.. لأننا كلّنا كنا دستوريين.. والدليل أنه ما إن أمضت حكومة بن عمّار، على الاتفاقيات في 1955، حتى بادرنا صلب الاتحاد الى عقد مجلس وطني يؤيد السياسة القومية (الوطنية) الحالية، وهي سياسة كان يقودها الحزب بالتأكيد..» وهنا، وعبر ملاحظة، فيها مراكمة للأحداث، وحكم عليها قال «سي أحمد» بن صالح ان الأحداث التي عرفتها الحركة الوطنية والنقابية بالتحديد، كل عام فيها، له من الأحداث ما يمثل عشر سنوات..». وهنا يواصل الأستاذ أحمد بن صالح، بالقول: «أردنا أن يكون الاتحاد العام التونسي للشغل منخرطا في المجتمع وفي القضايا الاجتماعية.. فالحركة العمالية في ذهن حشاد لا تكون مطلبية بل هي احترفت المجال السياسي وحذقته».. الأستاذ أحمد بن صالح، ولج المجلس التأسيسي وترشح لعضويته، بصفته كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل.. وصفته النقابية الوطنية المذكورة، تخوله بأن يكون عضوا في المكتب التنفيذي للسيزل.. «وفي ذاك العام، أي عام 1956، كانت الثورة الجزائرية في بداياتها، وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، يأوي مقرّه، مكتب رشيد قائد ممثل النقابات الجزائرية، مكتبه كان ملاصقا لمكتبي (ككاتب عام للاتحاد) وكان ذاك المكتب يضمّ جل القياديين في الثورة الجزائرية من فرحات عباس الى الكولونيل عمران وبن خدة وكريم بلقاسم.. حدث وقتها، سنة 1956، تطوّرات في المشهد السياسي الفرنسي، أصبح «قي مولي» Guy Mollet وزيرا أول وفرانسوا ميتران Mitterand وزيرا للداخلية وقد صرّح احدهما وقتها بأن الثورة الجزائرية هي ثورة بلشفية، ولذا فهم (كفرنسا) يطلبون إعانة وتدخل حلف شمال الأطلسي للقضاء على الثورة الجزائرية.. عندما جاء ذاك التصريح، أذكر أن اتحاد العمال الجزائري، كانت علاقته عضوية مع FLN، وكانت الثورة الجزائرية في مواجهة كاملة مع الحرب الفرنسية الاستعمارية فطلبت مني جبهة التحرير الجزائرية، بأن أقوم بمهمة تتمثل في تسهيل قبول السيزل لاتحاد العمال الجزائري، عضوا بها.. فإذا نجحنا في المهمة يعني ان اتحاد العمال الجزائريين لا يمكن ان يكون بلشفيا وهو في السيزل CISL..». فهل ينجح بن صالح في تفنيد إدعاء ميتران و«قي موليه»؟